أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - الوتر الذي أضاء العالم: موسيقى نصير شمة بين الحلم والدهشة .














المزيد.....

الوتر الذي أضاء العالم: موسيقى نصير شمة بين الحلم والدهشة .


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8374 - 2025 / 6 / 15 - 13:04
المحور: قضايا ثقافية
    


الوتر الذي أضاء العالم: موسيقى نصير شمة بين الحلم والدهشة
لم يكن الصوت الذي خرج من وتر العود في يدي نصير شمة صوتًا اعتياديًا، بل كان بمثابة نبوءة خرجت من ظلام الخشب إلى ضوء الروح. لم يكن يعزف، بل يُنصت إلى الخشب وهو يتكلم، يصغي إلى الأوتار وهي تبكي، تهمس، تشكو، وتحب... كانت أنامله بمثابة فراشات صغيرة تحلق على جسد العود، تذوب فيه كما يذوب الندى في أكمام الزهر. ومثل زرياب في الأندلس، خرج شمة من بين رماد الحروب العراقية، حاملًا في صدره وطنًا بأكمله، وفي جيبه وترًا ثامنًا وعد به العالم أن يعيد له ذائقته الموسيقية التي أضاعتها الضوضاء.من بغداد، مدينة العود والحروب، خرج هذا الفتى النحيل الذي بدا كما لو أنه التقط العود لا ليعزف عليه، بل ليعيد خلق العالم. كانت موسيقاه شرفةً تطل على الماضي، لكنها لا تكتفي بالتلصص عليه، بل تزرع فيه حنينًا جديدًا. يخرج من بين النوتات ما يشبه صلاة أو ترنيمة حزينة لا يفهمها إلا من ذاق جراح الوطن أو فقد عزيزًا في ساحات الغياب. وحين يُطلق نصير مقطوعته، لا يبدأ الزمن بالعزف، بل يتوقف، كأننا أمام طقس روحي يُحلق فيه المستمع بين نينوى وبابل، بين ضفاف دجلة وصدى آشور.إن موسيقى نصير ليست مجرد إبداع، بل هي وطن متنقّل. وطن يمكن حمله في الجيب، أو لفّه حول القلب كوشاح من نغم. وهي ليست مجرد ألحان تتراقص فوق المقامات، بل هي لغة بديلة، لا تتكلم بالحروف، بل تُفصح بالصمت. يتسلل صوته من الأوتار ليعيد ترتيب الفوضى داخل الإنسان، كأن موسيقاه لا تعزف في الخارج بل في داخل الأرواح، في تلك الأمكنة التي لم يصلها الضوء منذ زمن بعيد.في "إشراق" و"رحيل القمر" و"هل كان حبًا؟"، لا تجد نفسك أمام مقطوعة، بل أمام مرآة تظهر لك ما لم تكن تعرف أنه فيك. إنها موسيقى تنحت الوقت، تعيد للزمن معناه، تجعل لحظة الإصغاء أكثر كثافة من عمرٍ بأكمله. لقد اخترع نصير شمة عودًا له ثمانية أوتار، لكنه في الحقيقة اخترع أوتارًا للروح، لمن فقدوا اللغة وبحثوا عن وسيلة أصدق من الكلام.وحين أقام "بيت العود العربي"، لم يكن يبني معهدًا، بل كان يعيد إحياء حضارة كاملة من رماد. أعاد زرياب من قبره، وحرّر الفارابي من المخطوطات، وأطلق سراح العود من سجن النخبة إلى فسحة الناس. جعل من العود سلاحًا مضادًا للقبح، وبوابة للسلام. علّم الأطفال النازحين أن بمقدور الإصبع أن يعزف بدل أن يضغط على الزناد، أن الخشب حين يُحب يتحول إلى موسيقى لا إلى تابوت.
ثم جاءت حفلاته في باريس، في روما، في سراييفو، في كراتشي، لم تكن مجرد عروض، بل كانت رسائل عشق مزخرفة بالنغم، تقول للعالم إن بغداد لم تمت، وإن الشرق لا يزال يضيء رغم كل هذا الغبار. كيف لعودٍ صغير أن يطرق قلوب البشر في أربع قارات؟ كيف لصوت أنامله أن يُطرب الشعوب التي لا تفهم العربية لكنها تدمع حين تسمع "إشراق"؟ هذا لأن نصير لا يعزف للغة، بل للإنسان، وصدقُ النغمة لا يحتاج إلى ترجمة.ولعل سر موسيقاه أنها صادقة، أنها تنبع من مكان بعيد في الذاكرة، لا يملك اسماً لكنك حين تسمعه تقول: نعم، هذا ما كنت أبحث عنه. هو النسيان حين يُستعاد، الغربة حين تُحتضن، الحنين حين يُعزف. ولهذا سكن نصير في قلوب العشاق، في ضمير من لم يجد في السياسة وطنًا، فاختار موسيقاه وطناً بديلًا.
أما العود في يديه، فهو ليس آلة، بل شجرة... شجرة كُتبت أغصانها بالنغم، أوراقها من دجلة، وجذورها من حلم الطفولة حين رأى نفسه يعزف في حضرة الشمس. وهو اليوم، كما الأمس، لا يزال ينحت من الصمت لحنًا، ومن الحروب سلامًا، ومن الخشب قصيدة. هو نصير شمة... ابن العراق، ابن العود، ووريث الجمال الذي لا يُهزم.فحين يُقال إن الموسيقى لغة الشعوب، فإن نصير شمة هو أحد الذين كتبوا هذه اللغة بحبر الدموع ودفء الأصابع. موسيقاه ليست نغمة... بل رجاء. ليست عزفًا... بل صلاة تُنشدها الأوطان المكسورة في لحظة رجوع، كأنها تقول: ما دام هنالك وتر... فثمة أمل.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الشرق الأوسط الجديد: رقصة الأفاعي على رماد الخراب-
- -وصار جلده رسالة-
- سقراط والديمقراطية العراقية: حين يُعدَم الوعي باسم الحرية
- قيامة الفجر... حين سقطت الجمهورية إلى حضن الغياب.
- من فيصل إلى فوضى.. ومن أتاتورك إلى أتاتوركية!
- -حكاية الحنفيش ومجزرة الذاكرة الانتقائية-
- -حينَ صارَ العيدُ مأتماً في الحويجة-
- دمعةُ الغبار
- -الهلال الملوث: كيف صدّرت إيران ثورتها من خيوط العمامة إلى ج ...
- حين مزّق كسرى الرسالة: سُقوطُ العرشِ وتوريثُ الحقد — من تمزي ...
- -من الرقص على التكتك إلى السقوط من رفوف الوعي-
- لماذا بنو أميّة تحديدًا.
- -ديمقراطية على ضوء القمامة.. وحبر الانتخاب في يد السنونو!-
- -منفى الرمق الأخير-
- هاتف الثلج.. الناطق بلسان وطن لا بلسان سلطان.
- -ضباب لم يأتِ-
- السرير الكَمّي: بين وهج الوعد الكوني وسكون الحقيقة العلمية-
- -الجيب العراقي... الحبل السري لاقتصاد طهران-
- العيد الذي غادرني
- بهرز… حين يصير النسيم تاريخًا ناطقًا بحضارة الألف عمر.


المزيد.....




- ترامب يدعو لاتفاق سلام بين إيران وإسرائيل: -الاتصالات جارية- ...
- ما مدى انخراط أمريكا في العملية الإسرائيلية ضد إيران؟ مراسلة ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل تقليص قواته من غزة لدعم الجبهة ضد إير ...
- هل خدع نتنياهو ترامب في الحرب ضد إيران؟
- ماكرون يصل غرينلاند لتعزيز الدعم الأوروبي للدنمارك
- إسرائيل تمدد حالة الطوارئ حتى نهاية يونيو
- مصادر دبلوماسية عربية تتحدث عن تحرك سعودي عاجل لإعادة إيران ...
- ترامب: قد نتدخل لمساعدة إسرائيل في القضاء على البرنامج النوو ...
- الحرس الثوري الإيراني يعلن إلغاء مراسم تشييع قتلى الضربات ال ...
- الدفاع الروسية: استهداف مركز قيادة أوكراني بصاروخ إسكندر قرب ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - الوتر الذي أضاء العالم: موسيقى نصير شمة بين الحلم والدهشة .