أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -السماء تكتب بلون النار: مآلات الشرق في عصر الحرب الذكية-














المزيد.....

-السماء تكتب بلون النار: مآلات الشرق في عصر الحرب الذكية-


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8376 - 2025 / 6 / 17 - 14:50
المحور: قضايا ثقافية
    


في زمنٍ لم تعد فيه الحروب تُخاض من أجل شرف القبائل أو كرامة الممالك، بل تُبرمج على شاشات مضيئة في غرفٍ مظلمة لا يرى فيها الجندي عدوه، يقف الشرق الأوسط على مفترق نيران لا يهدأ، وخرائط تتبدل بيد القوي، ويُعاد رسم التاريخ بأصابع باردة لا تعرف شيئًا عن وجع الأمهات وثقل الأشلاء. لقد كانت هذه المنطقة مذ وجدت على الأرض موضعًا لصراع الآلهة والأساطير والنفط والمقدسات، لكنها اليوم تُقتاد صوب حقبة جديدة، حيث لم تعد الحرب تُخاض بالبنادق وحدها، بل تُقاد من خلال تقنيات الذكاء الصناعي، والطائرات دون طيار، والقرارات التي تُبنى على خوارزميات لا تعي الإنسان بقدر ما تحصي جدواه في ميدان المعركة.
الولايات المتحدة، وقد دخلت ميدان الحرب من بوابة جديدة هذه المرة، لم تأتِ بجيوشها كما فعلت في العراق، ولم تُرسل حاملات طائراتها لتجثو على شواطئ الخليج، بل جاءت بوجه أكثر دهاءً، تحمل في يدها الابتسامة، وفي الأخرى رؤوسًا نووية مصغرة تدعي أنها أدوات ردع لا هجوم. تدخل أميركا اليوم الحرب من باب "الحب" كما تروج له إعلاميًا، حب الشعوب للديمقراطية، وحقوق الإنسان، وحرية الاختيار، لكنها تنسى أن القلوب التي شبعت قهرًا لا تحتاج إلى الحب العابر من الطائرات، بل إلى العدالة التي لا تُصنع في البيت الأبيض، بل تُولد من رحم الكرامة الوطنية.
لكن، أيّ شرق هذا الذي يحاول الغرب اليوم إعادة تشكيله؟ وأي صراع هذا الذي يسيل حبره على الخرائط بينما الدم يسيل على التراب؟ هل نحن أمام إعادة تدوير للفوضى التي بدأتها واشنطن منذ عام 2003، أم أننا نعيش فصلًا جديدًا من مسرحية طويلة عنوانها: "السلام الأميركي مقابل موت المنطقة"؟! فبعد دخول الحرب مرحلة الذكاء الاصطناعي والضربات النووية التكتيكية، لم تعد المواجهة تدور في خنادق الأرض، بل في فضاء يتسع لكل شيء إلا للإنسان. إن العالم لم يعد كما كان، والعدو لم يعد واضحًا، والرصاصة لم تعد تسمع صوتها قبل أن تنفجر، بل قد تأتي على هيئة برق في السماء، أو وميض في الأفق، أو حتى تغريدة على منصة عابرة تُطلق شرارة حرب لا تعرف الرحمة.
وها هو النووي الأميركي، بعد أن كان مجرّد فزاعة تُهدد بها القوى الكبرى، يتحوّل اليوم إلى خيار قابل للتنفيذ، وتحت مبرر "الدفاع الاستباقي"، يعاد فتح ملفات قديمة كان من المفترض أن تُغلق إلى الأبد. وإن كانت واشنطن تقول إنها لا تسعى للحرب الشاملة، فتصريحات البنتاغون، وحركة حاملات الطائرات، وانتشار قواعد الدرونز في الخليج، ترسم لوحة مغايرة. فهل فعلاً سيُنهي السلاح النووي هذه الحرب؟ أم أنه سيكون الشرارة الأولى لحرب لا تبقي ولا تذر، حربٍ قد تعيد البشرية قرونًا إلى الوراء؟ إن من يُفكر بإطفاء النار بالقنابل الذرية، لا يعرف كيف تُكتب نهاية السلام.الشرق الأوسط اليوم ليس ساحة حرب فقط، بل هو مختبر مفتوح لتجريب استراتيجيات المستقبل، فالصواريخ الذكية تُجرب على رؤوس الأطفال في غزة، والدرونز تُختبر فوق الجبال في اليمن، والذكاء الصناعي يُقيس فعالية القتل في شوارع بغداد، والوجوه التي تسكن الخرائط لا تعني شيئًا لأولئك الذين يديرون الحرب من عواصم بعيدة. وإذا كانت القوى الكبرى تتصارع من أجل مصالحها، فإن شعوب المنطقة لا تملك ترف الانحياز سوى للحياة التي تُسرق منها كل يوم باسم الأمن والاستقرار.لقد غدت الحروب الحديثة لا تحتاج إلى جيوش جرارة ولا إلى إعلان رسمي، بل يكفي ضوء أخضر خلف الكواليس لتشتعل مدينة وتُهدم دولة وتُقسم أمة. فالصراع لم يعد على الأرض فقط، بل بات في السماء، وفي السيبر، وفي الأسواق، وحتى في حناجر الإعلام. والإعلام نفسه لم يعد محايدًا، بل صار أحد أقوى الأسلحة التي تُطلق الرصاصة الأخيرة على الحقيقة، وتغسل وجوه القتلة بماء الوطنية.إذن، إلى أين نحن ماضون؟ هل هذه هي نهاية الشرق كما نعرفه؟ هل سيتم تفكيك ما تبقى من نسيجه الهش؟ وهل سيكون الخيار الأميركي الأخير – النووي المصغّر – هو القفل الذي يُغلق أبواب الحرب، أم المفتاح الذي يفتح على كارثة إنسانية جديدة؟ لا شيء واضح في أفقٍ تعصف به العواصف الجيوسياسية، لكن المؤكد أن الحرب، كما تُخطط اليوم، ليست حربًا تُخاض فقط بالسلاح، بل هي إعادة تشكيل للعالم وفقًا لأهواء الكبار، وحلم دائم بالسيطرة لا يموت.
ووسط كل هذا الدمار، يظل الأمل هشًا، لكنه حي. فلا تزال الشعوب تحلم، وتقاوم، وتكتب، وتدفن شهداءها بحب وتنهض، لأن الشرق، مهما تألم، لا يموت... بل يولد من رماده، في كل مرة، وطنًا جديدًا يشبه الحلم.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في حضرة العشيرة والطائفة: حين يتوارى الوطن خلف عباءة السلطة ...
- -حين صار عيد الصحافة مأتماً: من منابر الكلمة إلى مزامير الخر ...
- الوتر الذي أضاء العالم: موسيقى نصير شمة بين الحلم والدهشة .
- -الشرق الأوسط الجديد: رقصة الأفاعي على رماد الخراب-
- -وصار جلده رسالة-
- سقراط والديمقراطية العراقية: حين يُعدَم الوعي باسم الحرية
- قيامة الفجر... حين سقطت الجمهورية إلى حضن الغياب.
- من فيصل إلى فوضى.. ومن أتاتورك إلى أتاتوركية!
- -حكاية الحنفيش ومجزرة الذاكرة الانتقائية-
- -حينَ صارَ العيدُ مأتماً في الحويجة-
- دمعةُ الغبار
- -الهلال الملوث: كيف صدّرت إيران ثورتها من خيوط العمامة إلى ج ...
- حين مزّق كسرى الرسالة: سُقوطُ العرشِ وتوريثُ الحقد — من تمزي ...
- -من الرقص على التكتك إلى السقوط من رفوف الوعي-
- لماذا بنو أميّة تحديدًا.
- -ديمقراطية على ضوء القمامة.. وحبر الانتخاب في يد السنونو!-
- -منفى الرمق الأخير-
- هاتف الثلج.. الناطق بلسان وطن لا بلسان سلطان.
- -ضباب لم يأتِ-
- السرير الكَمّي: بين وهج الوعد الكوني وسكون الحقيقة العلمية-


المزيد.....




- مسؤول إسرائيلي لـCNN: ننتظر قرار ترامب بشأن إيران
- ماكرون يحذر من -تداعيات- تغيير النظام الإيراني -عسكريا-: -سي ...
- غزة - عشرات القتلى من منتظري المساعدات وإسرائيل تحقق في الوا ...
- -نيويورك تايمز-: القوات الأمريكية في حالة تأهب قصوى في قواعد ...
- أردوغان: نتنياهو أكبر تهديد لأمن المنطقة
- صفارات الإنذار تدوي في مناطق واسعة من إسرائيل بعد رصد إطلاق ...
- زيلينسكي يطلب من الدول الغربية دعما بـ 40 مليار دولار سنويا ...
- وزير مصري سابق يفجر مفاجأة بشأن الصراع بين إسرائيل وإيران
- إعلام: مستشارو ترامب منقسمون بشأن توجيه ضربة أمريكية لإيران ...
- -سي إن إن-: ترامب رفض إرسال مسؤولين للتفاوض مع إيران وتخلى ع ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -السماء تكتب بلون النار: مآلات الشرق في عصر الحرب الذكية-