أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - في حضرة العشيرة والطائفة: حين يتوارى الوطن خلف عباءة السلطة البديلة .














المزيد.....

في حضرة العشيرة والطائفة: حين يتوارى الوطن خلف عباءة السلطة البديلة .


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8375 - 2025 / 6 / 16 - 17:24
المحور: قضايا ثقافية
    


في حضرة العشيرة والطائفة: حين يتوارى الوطن خلف عباءة السلطة البديلة
حين تضعف الدولة، تنهض الأطر البديلة، لا باعتبارها خلاصًا من فراغ القوة، بل كأنيابٍ تخرج من جسد المجتمع ذاته، تنغرس فيه وتعيد تشكيله بما يوافق منطق الغلبة لا منطق العدالة. في ظل هذا الضعف، تسللت العشائر إلى عمق السلطة الاجتماعية، ففرضت هيبتها لا بوصفها رابطًا وجذورًا وامتدادًا تقليديًا لأصل الناس، بل ككيان موازٍ للدولة، بل أحيانًا بديلاً لها. لم يعد المواطن يلوذ بالقانون، بل صار يلجأ إلى شيخ العشيرة، ليس طلبًا للعدل بل رجاءً للغلبة، وصار الحق يُقاس بقوة السلاح لا بميزان القضاء، وانتقلنا من دولة المؤسسات إلى دولة السوابق والأعراف التي لا تخضع لرقابة أو تفسير إلا ما تمليه المصالح اللحظية.
في هذا المناخ، ما عاد الانتماء للوطن كافيًا، بل باتت الهوية موزعة بين طائفة تُمنِّن أبناءها بالحماية، وعشيرة تمنحهم الأمن مقابل الولاء، ورجل دين يعِدهم بالجنة إن أطاعوا، وبالجحيم إن تجرؤوا على السؤال. رجال الدين، أولئك الذين كان يُفترض أن يحملوا مشعل النور الروحي، صار بعضهم يلوّح بفتاوى مفخخة، لا تخدم الروح بل تشرعن الهيمنة، وتُبرر احتكار المال العام بذريعة "الحق الإلهي"، وتُشعل الفتن الطائفية تحت راية "النجاة"، في حين أن الأمة تترنح بين خرافة وتخدير. باسم الله تُستباح ثروات البلاد، وتُجزأ الخزينة العامة على مقاسات الولاء، وكأن الله قد فوّضهم مفاتيح خزائنه في الأرض.
لم يعد المال العام مال الأمة، بل صار غنيمة يتقاسمها الكبار وفق قانون القوة، وتُسوّق لها فتاوى مغلفة بالقداسة، ومغسولة بمداد من المكر السياسي. الطائفية تقتات على هذا التفكك، تستثمر فيه، وتعيد تدوير الجراح لتُبقي جسد الوطن نازفًا على الدوام. لا تعليم يرتفع ليضيء الوعي، ولا قانون يُفعل ليضع الأمور في نصابها. فحين يغيب التعليم، تتسع رقعة الجهل، ويتحول الإنسان من مواطن إلى تابع، لا يعرف حقوقه، ولا يرى في الدولة سوى ظل بعيد، لا يمنحه ما تمنحه العشيرة من "حماية"، ولا ما تمنحه الطائفة من "هوية"، ولا ما يعده به رجل الدين من "خلود".
هكذا يُختزل الوطن إلى خريطة مشاعر متصارعة، لا تُرسم بمداد المحبة بل تُشق بخناجر الثأر التاريخي، ويُفصّل الانتماء وفق المقاس الضيق للعِرق والمذهب والقبيلة، بينما تتكاثر في الأطراف التي تدّعي حماية المقدسات، وهي في الحقيقة تحرس مصالحها الشخصية، وتبتلع الأرض وما عليها باسم "الحق". لم يكن الفقر قدَرًا، بل صناعة ممنهجة شارك في حبكها كل من استبدل الوطن بالزعيم، والقانون بالعرف، والمجتمع بالدائرة المغلقة من التبعية.
منطق العشيرة لم يعد مجرد سرد تقليدي عن الفخر والدم، بل صار وسيلة اقتصادية للعيش، ومرات عديدة تحول إلى آلية للسيطرة بالقوة، من خلال فرض الإتاوات أو سرقة الموارد المحلية تحت حماية السلاح، في مدنٍ ومناطق ما عادت تؤمن بسلطة الدولة، بل تعيش في ظل سلطة أخرى، غامضة في شرعيتها، واضحة في سطوتها. هذا الضعف البنيوي أنتج دولة رخوة، تتعايش مع الخارجين عليها، بل وفي أحيان كثيرة، تعقد معهم التفاهمات، كأنهم شركاء في الحكم، لا خصوم ينبغي محاسبتهم.
إن الوطن الذي يُترك للتقاسم بين العصبيات الطائفية والقبلية، يتحول إلى غنيمة لا حلم، وإلى أرضٍ تتعدد عليها الرايات وتتناقص فيها السيادة. من ذا الذي يمكنه بناء مستقبل في ظل واقع يُختزل فيه المواطن إلى رقم في سجل العشيرة أو الطائفة؟ من ذا الذي يستطيع أن يكتب قصة وطن حقيقي، في ظل هيمنة رجال دين يبدلون النصوص على مقاس السياسة، ويُفتون بما ينسجم مع المزاج السلطوي، لا مع ضمير العدالة؟
لقد تراجعت فكرة الدولة، لا بفعل عدو خارجي، بل تحت وطأة أعداء الداخل الذين تسللوا من أبواب القربى، وارتدوا عباءات الدين والعرف ليحولوا الوطن إلى حقلٍ للاجتهادات المصلحية، يُجتزأ فيه النص، وتُخترع له الفتاوى، ويتحول الجهل إلى أداة للحكم، لا خصمًا يجب تجاوزه. في هكذا واقع، يغدو من الطبيعي أن يُستبعد الكفوء لأنه "غير مرضي عنه"، ويُقرب الجاهل لأنه "ينتمي"، ويُهاجم المفكر لأنه "يشكك"، ويُرفع الجاهل لأنه "يسمع ويطيع".
وفي ظل هذه التوليفة القاتلة من العشائرية والطائفية والمقدس المستغَلّ، يتآكل الوطن من داخله، وتتحول مؤسساته إلى واجهات شكلية، لا سلطة لها إلا على المواطن الأعزل، أما من يملك الولاء أو العصبة، فيبقى فوق القانون، محصنًا بالعُرف، مغلفًا بالقداسة، ومدعومًا بخرائط الولاء. حينها، لا يعود للوطن طعم، بل يصبح اسمًا على خريطة، وذاكرةً حزينة، تحاول أن تشرح للأجيال القادمة كيف ضاع الحلم لأن البعض فضل القبيلة على الوطن، والطائفة على الدولة، ورجال الدين على روح العدالة، والجهل على العلم، والتبعية على المواطنة.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -حين صار عيد الصحافة مأتماً: من منابر الكلمة إلى مزامير الخر ...
- الوتر الذي أضاء العالم: موسيقى نصير شمة بين الحلم والدهشة .
- -الشرق الأوسط الجديد: رقصة الأفاعي على رماد الخراب-
- -وصار جلده رسالة-
- سقراط والديمقراطية العراقية: حين يُعدَم الوعي باسم الحرية
- قيامة الفجر... حين سقطت الجمهورية إلى حضن الغياب.
- من فيصل إلى فوضى.. ومن أتاتورك إلى أتاتوركية!
- -حكاية الحنفيش ومجزرة الذاكرة الانتقائية-
- -حينَ صارَ العيدُ مأتماً في الحويجة-
- دمعةُ الغبار
- -الهلال الملوث: كيف صدّرت إيران ثورتها من خيوط العمامة إلى ج ...
- حين مزّق كسرى الرسالة: سُقوطُ العرشِ وتوريثُ الحقد — من تمزي ...
- -من الرقص على التكتك إلى السقوط من رفوف الوعي-
- لماذا بنو أميّة تحديدًا.
- -ديمقراطية على ضوء القمامة.. وحبر الانتخاب في يد السنونو!-
- -منفى الرمق الأخير-
- هاتف الثلج.. الناطق بلسان وطن لا بلسان سلطان.
- -ضباب لم يأتِ-
- السرير الكَمّي: بين وهج الوعد الكوني وسكون الحقيقة العلمية-
- -الجيب العراقي... الحبل السري لاقتصاد طهران-


المزيد.....




- زفاف -ملكي- لحفيدة شاه إيران الراحل و-شيرين بيوتي- و-أوسي- ي ...
- رواج فيديو لـ-حطام طائرات إسرائيلية- على هامش النزاع مع إيرا ...
- -نستهدف برنامجًا نوويًا يهدد العالم-.. هرتسوغ يبرر الضربة ال ...
- إجلاء واسع للإسرائيليين و-الحيوانات- من بيتح تكفا بعد الهجوم ...
- رئيس النمسا يعترف بعجز بلاده عن تقديم مساعدات عسكرية لأوكران ...
- الخارجية الأمريكية والروسية توجهان نصائح لمواطنيهما المتواجد ...
- -سرايا القدس-: أوقعنا قوة إسرائيلية في كمين محكم شمال خان يو ...
- إسرائيل - إيران: في أي اتجاه تسير الحرب وإلى متى؟
- نتانياهو: قتل خامنئي -سيضع حدا للنزاع- وإسرائيل -تغير وجه ال ...
- كيف تتخلصين من -كابوس- البثور العميقة في الوجه؟


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - في حضرة العشيرة والطائفة: حين يتوارى الوطن خلف عباءة السلطة البديلة .