أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - على سفح التل… تُزهِرُ الحسرة وتُكمم الحقيقة.














المزيد.....

على سفح التل… تُزهِرُ الحسرة وتُكمم الحقيقة.


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8377 - 2025 / 6 / 18 - 14:57
المحور: قضايا ثقافية
    


على سفح تلٍ منسي، كانت الشمس تطلع كل صباح كأنها لا تعرف ما يدور على الأرض. هناك، حيث العين ترنو من بعيد، تنتظر يدٌ أن تلمس ترابًا نبتت فيه الجدات، وركض فيه صغار كانوا يحلمون بالحياة لا بالموت، هناك على بعد خطوات من الذاكرة، يقف المنفيّون من أرضهم يتأملون مشهد الحقول التي أصبحت تُزرع بلاهم، تُسقى بلاهم، وتُحصد بلاهم… كأنهم لم يكونوا أصحابها يومًا، وكأن الدم الذي سال على ترابها كان مياهاً راكدة لا تُحسب في دفاتر القتل.
لم يكن القاتل يحمل سكيناً، بل قانوناً يُقصي ولا يُداوي، ويعفو عمن لا يجب، ويشدُّ الخناق على من يستحق الحياة لا الحبل. كلما ارتفعت الرايات في الساحات، كانت تُغرز معها بنود تُعيد تعريف العدل، فيُصبح العدل وجهاً مُنمقاً لظلم قديم يتجدد بلغةٍ جديدة، وشعاراتٍ تطفح بالوطنية لكن تُخبئ خنجراً مسموماً في خاصرة من لا يصفق.الذاكرة ليست خائنة، فهي ما زالت تحفظ أسماء الوجوه التي لم تعد. شبابٌ كانوا يشتمون الحائط خوفًا من أن يشتموا قاتلهم، وآباءٌ طرقوا أبواب القضاء حتى انكسر الخشب ولم تُفتح الأبواب. وكانت الأمهات، وهنّ لا يفقهن في السياسة، يفترشن صور الأبناء في دعاء الغروب، علّ شيئاً من الرحمة يتسلل من نافذة في السماء بعدما سُدَّت كل نوافذ الأرض.
في الأزقة القديمة، حيث البيوت كانت تشرب من النهر وتنام على طمأنينة الجوار، باتت الوجوه غريبة عن المكان. كل شيء تغيّر: الحراس، اللغة، حتى أسماء المقاهي أصبحت لا تشبه الروح. @هناك من يستعرض سلطته في الطرقات، يلوّح بسلاح لا يحتاج لتبرير، يمرّ على الأحياء كأنها غنيمة، يتنفس استفزازاً، ويُطلق عبارات ملوثة بسمّ التاريخ، في شتيمةٍ مقصودة لماضٍ لا يُنسى، ولرموزٍ لا تسقط بالتقادم.
في الأماكن التي كانت تُعرف برائحتها، بطعامها، بضحكة أطفالها، أصبح الغريب هو المُتحكم، والمالك الأصلي هو السائل: متى نعود؟ متى تُمحى هذه الخريطة المقلوبة؟ متى يُسمح لنا أن نحيا لا أن نُراقب؟أما القانون، فقد أصبح أداة لا مرآة. أُفرغ من مضمونه كأنما كُتب ليُفرج عن تجّار الخدر لا عن الحالمين، عن سماسرة الدم لا عن الذين أُخذوا في غفلةٍ من الوقت والتهمة. وقيل إن ثمة عفوٌ شامل، ثم تبيّن أن الشمول حكرٌ على فئةٍ تعرف من أين تُمسك بخيوط المسرح، بينما بقي الآخرون ينتظرون العدالة من ظلّ لا يسير، ومن عهدٍ لا يعترف بمن لا يهتف.في الدروب المؤدية إلى مدن الذاكرة، يُرفع الحاجز تارة ويُغلق تارة أخرى، تبعًا لحجم الولاء، لا لحجم البراءة. وكلما حاول أحدهم العودة إلى منزله، يُسأل عن رأيه في التاريخ لا في الحاضر، ويُفتَّش عن لسانه لا عن سلاحه.وما دام الوجع مقنّنًا، مغلفًا، ومشروحًا بعبارات القانون، فإن الأرض تستمر في الإنبات، لكن بلا فرح. أما أصحاب الأرض، فيظلون على السفح، يعدّون المواسم التي مرت بلاهم، وينتظرون موسمًا لا يُكتب فيه قانون بدمهم، ولا يُسنَّ فيه عرفٌ على جماجمهم، ولا تُنصبُ فيه خيمةُ العدل في أرضٍ مغصوبة.ذات يوم، سيأتي الحصاد، ولكن… أيّ حنطة ستُطعِمُ جوعى اقتلعوا من جذرهم؟ وأيّ أرضٍ تُنتج خيرًا وأبناءها يُراقبونها من أعالي التلال، مكبّلين بالحسرة، مشدوهين؟ربما لا تكون المسألة فيمن حكم، بل فيمن جعل الحكم أداة انتقام، وفي من صمت وهو يرى البلاد تُساق إلى التبعية والتفكك باسم الوحدة، وترسم خريطتها على جدران السجون لا في دفاتر الأمل.أما التعايش، فليس اتفاقًا مكتوبًا على ورق، ولا عهدًا يُقرأ على منصات مزيفة، بل هو شعور أن الوطن ليس مجرد رقعة جغرافية، بل حضنٌ يعترف بجراح الجميع، لا يُكافئ قاتلاً، ولا يُقصي من نجا. وحين يغيب هذا، يصبح الحنين خنجرًا آخر في خاصرة الزمن… ويبقى السؤال مؤجلاً، تمامًا كأصحابه، عن العودة، والعدالة، والوطن.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الرگيّة التي فضحت نظام الحكم!-
- -سايكس بيكو الجديدة تحت توقيع ترامب... الشرق الأوسط يتهيأ لز ...
- -السماء تكتب بلون النار: مآلات الشرق في عصر الحرب الذكية-
- في حضرة العشيرة والطائفة: حين يتوارى الوطن خلف عباءة السلطة ...
- -حين صار عيد الصحافة مأتماً: من منابر الكلمة إلى مزامير الخر ...
- الوتر الذي أضاء العالم: موسيقى نصير شمة بين الحلم والدهشة .
- -الشرق الأوسط الجديد: رقصة الأفاعي على رماد الخراب-
- -وصار جلده رسالة-
- سقراط والديمقراطية العراقية: حين يُعدَم الوعي باسم الحرية
- قيامة الفجر... حين سقطت الجمهورية إلى حضن الغياب.
- من فيصل إلى فوضى.. ومن أتاتورك إلى أتاتوركية!
- -حكاية الحنفيش ومجزرة الذاكرة الانتقائية-
- -حينَ صارَ العيدُ مأتماً في الحويجة-
- دمعةُ الغبار
- -الهلال الملوث: كيف صدّرت إيران ثورتها من خيوط العمامة إلى ج ...
- حين مزّق كسرى الرسالة: سُقوطُ العرشِ وتوريثُ الحقد — من تمزي ...
- -من الرقص على التكتك إلى السقوط من رفوف الوعي-
- لماذا بنو أميّة تحديدًا.
- -ديمقراطية على ضوء القمامة.. وحبر الانتخاب في يد السنونو!-
- -منفى الرمق الأخير-


المزيد.....




- تحديث مباشر.. دخول الصراع يومه التاسع وترامب: إسرائيل لا يمك ...
- على وقع الضربات المتبادلة مع إسرائيل.. زلزال في شمال إيران
- -فتاح 2-: الصاروخ الإيراني الذي يصل إلى تل أبيب في أقل من 5 ...
- الدويري: المقاومة تعمل بعمق قوات الاحتلال وحرب إيران لا تؤثر ...
- شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي لخيام تؤوي نازحين غرب مدينة غزة ...
- شاهد.. أفضل ضربة قاضية هذا العام
- هل ستقبل إيران بما يطرح على طاولة الأوروبيين؟ وما موقف إسرائ ...
- ترامب يكشف سبب -صعوبة- مطالبة إسرائيل بوقف ضرباتها على إيران ...
- تظاهرة في ماليزيا دعماً لإيران وفلسطين ورفضاً للدعم الأميركي ...
- مظاهرات حاشدة في بغداد دعمًا لإيران ورفضًا للحرب


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - على سفح التل… تُزهِرُ الحسرة وتُكمم الحقيقة.