أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - ميرفت الخزاعي... فراشة السرد التي حلّقت من شط العرب إلى سماء الأدب.














المزيد.....

ميرفت الخزاعي... فراشة السرد التي حلّقت من شط العرب إلى سماء الأدب.


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8383 - 2025 / 6 / 24 - 03:38
المحور: قضايا ثقافية
    


لم يكن دخولها إلى عوالم الأدب عبورًا هادئًا على جسر الكلمات، بل اقتحامًا دراميًّا يشبه صخب الأنهار عند فيضانها، ويشبهها. فكما خرجت البصرة من رحم الحنين والتاريخ، خرجت ميرفت الخزاعي من ضوء شط العرب لا كأديبة عادية، بل كظاهرة أدبية مغلّفة بالدهشة، وممهورة بالغربة الجميلة، تلك الغرابة التي يوشّح بها الشعراء جراحهم، ويصوغ بها الكُتّاب تمردهم على العالم.
لم تعرف طريقًا تقليديًا إلى القصة، بل خلعت عن نفسها أردية الروتين، ومضت إلى السرد كما تمضي الفراشة إلى الضوء، تدور حوله، تذوب فيه، وتولد من رمادها حكاية. هي لم تكن مجرّد قاصة تُسطّر القصص، بل كانت كائنًا من خيال وتمر، من قلق عذب، ومن براءة متمرّدة، اختارت أن تحيا كفراشة لا تكلّ عن التحليق، تمتص من حدائق اللغة رحيقها، وتبني عشها فوق غصن قصّة، أو تحت ظلِّ استعارة.وُلدت في البصرة، هذه المدينة التي لا تموت، حتى حين تتعب. مدينةٌ لو شربت من مائها مرةً، تسكنك إلى الأبد. مدينة فيها نشيج السياب، وبكاء غيلان، وقواعد الخليل، وجلجلة الجاحظ. في كل زقاق فيها ينبض بيت شعر، وفي كل نخلةٍ حكاية. وهناك، تحت ظلال النخيل، نشأت ميرفت… كفسيلة أدب غمرتها مياه المعاني، وارتوت من ينابيع البلاغة، فكبرت وهي تستمع لشعراء البصرة، وتراقب الأدباء كمن يحدّق في ملامح الأسلاف.وصفت نفسها يومًا بأنها "خارجة عن حدود المألوف"، وهذا ما يشهد عليه قلمها، إذ ما من سطرٍ كتبته إلا وفيه تمرّد، وما من قصةٍ لها إلا وفيها عطر المجاز وجرأة الاكتشاف. جاءت من خلفيةٍ في الحاسبات، ولكنها أدركت أن ما يُبرمج الحياة حقًّا ليس الأرقام، بل الكلمات. فبدأت تنسج من الحروف شرنقة خاصة، وخرجت منها لا كحشرةٍ خجولة، بل كفراشة تصفع الهواء بجناحيها.كتبت أولى مجموعاتها "حرير فراشة الحكايات" في 2016، وكأنها تعترف بسرّ ولادتها: كانت فراشة، وكانت الحكايات حريرها. ثم توالت خطواتها في "العرض الأخير" عام 2019، و"بين السبابة والإبهام" في 2023، وكأنها تنقّب عن المعاني بين أصابع الحياة، وتعيد تشكيل الواقع بحسٍّ أنثوي شاعري، فيه من الألم كما فيه من الحنان.ولم تكن ميرفت الخزاعي مأسورة بعزلتها، بل ساهمت في كتب جماعية حملت روح المشاركة، منها "جداريات" و**"آن لنا أن نروي"**، وآخرها "وساوس قارئ البريد". وهي وساوس لا يخجل الأدب منها، بل يحتضنها كأسرارٍ خفيّة لا تُقال إلا بين السطور.كانت وما زالت تؤمن أن الحرف ليس فقط وسيلة تعبير، بل وسيلة حياة. لذا شاركت في ورش عدّة، منها ورشة كتابة الشعر مع معهد غوته الألماني، وورشة أدبية في ألمانيا عام 2016، ومهرجانات في تونس والعراق، كأنها تقف دومًا على منابر الكلمة، تقول إن المرأة ليست ظلًّا في النص، بل النور نفسه.وهي لا تكتب فقط، بل تُدرّب، وتحفّز، وتزرع قصصًا في قلوب الكاتبات الشابات، إذ حصلت على شهادة في كتابة السيناريو، وأخرى في التدريب الإبداعي، وكأنها تهيّئ الجيل القادم لحمل مشعل القص.وكان لمدينتها في قلبها أكثر من مجاز. فالبصرة ليست مجرد خريطة، إنها القصيدة. كيف لا وهي ابنة المدينة التي علّمت العرب البيان، وخرّجت الفراهيدي والجاحظ؟ المدينة التي كتب فيها السياب وجع الوطن، ومرّ بها كاظم الحجاج كريحٍ ساخنة تنذر بالحريق.تتلمذت على يد الكبار، وفتحت نوافذ سردها لضياء القاص محمد خضير، وارتشفت من أدب مجيد الموسوي ومحمود عبد الوهاب، ومن بعدهم، ظلّت تقف في الصفوف الخلفية، تكتب دون ضجيج، تصنع من الورق جناحين، وتترك للحياة أن تفسّر طيرانها.رحلة ميرفت الخزاعي لا نهاية لها، لأن الرحيل عندها ليس انقطاعًا بل انتقال، ولأن القصة مثل الفراشة: كلما حسبتَها انتهت، فاجأتك بولادة أخرى. تقطن الأدب كما تقطن فراشةٌ زهرةً، تطير منه لا عنه، ترفرف فوق حكايات لا تكتبها يد، بل تكتبها روحٌ رفضت الرضوخ، وعقلٌ آمن أن الكلمة أقوى من الصمت، وأجمل من الطاعة.وفي زمنٍ يعصف بالنساء من كل الجهات، وقفت ميرفت كأنها شجرةُ سدرٍ تواجه العاصفة، أو قصيدةٌ ترفض الحذف. لم تنحنِ، ولم تنتظر منصةً لتُكرَّم، بل صنعت من ظلّها منصة، ومن حكاياتها منارة.هي ميرفت الخزاعي، الأديبة، القاصة، المرأة العراقية التي صاغت من غربتها دفء اللغة، ومن وجعها موسيقى سردية لا تهدأ، واقفة بين دفتي الحياة كقصيدة نثرٍ طويلة لا تُختصر، ولا تُعاد.وفي ختام الرحلة، تقف هي... كما بدأت:
فراشة لا تكفّ عن التحليق،
وحرفٌ لا ينكسر،
ونخلةٌ تسند السماء،
امرأة كتبت العراق على راحة قلبها،
وهمست: ما دام جنح الفراشة يرفرف،
فسيظل الحرف يطير...



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين قيدٍ وركام: المسرح العربي في متاهة الإحباط والفقدان .
- إيران ومضيق هرمز... حين تتدلّى يد الغريق فوق زر الحرب
- -فوردو تحت الجبل وتحت المطرقة: الضربة التي أطاحت بظل إيران ا ...
- -حين تهاوت قم من برج الطاووس... وانكسر قرن المجوس في مرآة ال ...
- حين استيقظَ الألمُ وبكى الخواء
- حين استيقظَ الألمُ وبكى الخواء .
- رماد الفتنة
- لا أحد يسمع الوجع
- -وطنٌ للبيع... من يشتري الذل-.
- على سفح التل… تُزهِرُ الحسرة وتُكمم الحقيقة.
- -الرگيّة التي فضحت نظام الحكم!-
- -سايكس بيكو الجديدة تحت توقيع ترامب... الشرق الأوسط يتهيأ لز ...
- -السماء تكتب بلون النار: مآلات الشرق في عصر الحرب الذكية-
- في حضرة العشيرة والطائفة: حين يتوارى الوطن خلف عباءة السلطة ...
- -حين صار عيد الصحافة مأتماً: من منابر الكلمة إلى مزامير الخر ...
- الوتر الذي أضاء العالم: موسيقى نصير شمة بين الحلم والدهشة .
- -الشرق الأوسط الجديد: رقصة الأفاعي على رماد الخراب-
- -وصار جلده رسالة-
- سقراط والديمقراطية العراقية: حين يُعدَم الوعي باسم الحرية
- قيامة الفجر... حين سقطت الجمهورية إلى حضن الغياب.


المزيد.....




- ترامب يعلن دعمه لحلف -الناتو- وهذا ما قاله عن بوتين بعد مهلة ...
- -موسكو لا تبالي-.. ميدفيديف يرد على تهديدات ترامب لروسيا بشأ ...
- مشهد -نادر-.. عدسة مصور في السعودية توثق عائلة من حيوانات ال ...
- بعد دخول القوات الحكومية إلى السويداء.. وزير الدفاع السوري ي ...
- الجيش الإسرائيلي يأمر سكان غزة وجباليا بإخلاء عاجل، وحماس تت ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل 3 جنود في غزة.. ويعترض مسيّرة أطل ...
- سلسلة غارات استهدفت البقاع في لبنان.. والجيش الإسرائيلي: قصف ...
- 35 مسلحًا من حماس اقتحموا قاعدة -موف داروم- في 7 أكتوبر.. تق ...
- في يوم تكريم 66 من حاملى راية الكد والمجهود.. عمال مصر يرفضو ...
- بوتين -أخطأ- في رهانه على ترامب.. ومصر تعزز وجودها العسكري ف ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - ميرفت الخزاعي... فراشة السرد التي حلّقت من شط العرب إلى سماء الأدب.