أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - رماد الفتنة














المزيد.....

رماد الفتنة


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8379 - 2025 / 6 / 20 - 14:02
المحور: قضايا ثقافية
    


في بلادٍ كانت تُعدّ يومًا ملتقى الحضارات، ومهد القلوب المتآخية، تفشى داءٌ لم تعرفه الأجيال إلا في كتب التحذير وسير الانحدار... داءٌ لبس عباءة المقدّس وسيف "الحق"، لكنه كان يجيد الطعن من الخلف، ويهوى أن يتعطر برائحة الدم.
لم يكن الأمر انقسامًا في الرؤى، بل انشقاقًا في الروح الوطنية، حين تسللت مفردات التمييز إلى لغة السياسة، ودخلت الألقاب المذهبية إلى غرف القرار، واستبدلت الكفاءات بهويات مذهبة بماء الطاعة المطلقة. كان الوطنُ يئنّ تحت وطأة وعودٍ موشّاة بالشعارات، لكنها في جوهرها لم تكن سوى مقدماتٍ لأزمنة الجثث المجهولة والمقابر التي لا شواهد لها.في شوارع كانت تنبض بالحياة، بدأت الجثث تُلقى كرسائل، لا لجهةٍ محددة، بل لكل من تسوّل له الوطنية المستقلة عن سياق التبعية. لم تُحترم دماءُ الذين صمتوا عن الاصطفاف، بل أصبحوا هدفًا في مرمى "التصفيات بالهوية"، وبهذا سقطت العدالة مرتين؛ مرة حين نُحر الأبرياء، ومرة حين صمتت المنصات العدلية عن الجناة، إذا كانت هويتهم منسجمة مع سائد اللحظة.كان الترويج للانقسام أشبه بمقطوعة نشاز يعزفها إعلامٌ فاقدٌ للضمير، إذ تحوّل المنبر من صوتٍ للناس إلى مكبرٍ يضخّ الرعب والكره، يصفقُ لما يُشبه الانتصارات، وهي في حقيقتها ليست إلا هزائم أخلاقية تُصدّر على أنها فتح مبين. الإعلامُ لم يكن ناقلًا للأحداث، بل كان صانعها؛ يصنع من الضحية جلادًا، ويزرع الشك في قلب الحقيقة، حتى صار المواطن لا يثق إلا بما يشتهي سماعه، لا بما يجب أن يسمعه.
في أقبية لا تدخلها الشمس، اعتُقل أولئك الذين تجرؤوا على قول "نحن شعب واحد"، حوكموا محاكماتٍ لا قاضٍ فيها إلا الهوى، ولا دليلَ إلا ما تُلي تحت الضغط والإكراه، على أيدي من تزيّنوا بلقب "الحقوقي"، لكنهم في خفاياهم لم يكونوا إلا جلادين متخمين بنشوة السلطة المتكئة على سياط الطاعة. كانت الاعترافات تُنتزع من الأرواح قبل الأجساد، وتُقدّم على الورق كأدلة لا تقبل النقض، ثم تُحسم الأحكام كما تُحسم صفقات الخيانة.وفي حين كان يُحاسب القاتل، إن كان من جنسٍ بعينه، يُمنح الآخر وسام الصمت إن كان من نفس المعين، وكأن العدالة وُلدت بلونٍ واحد وميزانٍ واحد، لكنه لا يقيس الجميع. والطيارون، الذين حلموا بالتحليق فوق سماء وطنهم، سقطوا لا في معارك، بل في حساباتٍ خفية لا تسجّل في تقارير الأخبار، قادةٌ وُئدت سيرهم قبل أن تُكتب، لأنهم لا يشبهون المطلوبين في قوائم "الطاعة العمياء".لم يكن الانقسام قضاءً سماويًّا، بل مشروعًا أرضيًّا تدرّب عليه الساسة في مدارس الخارج، ثم جاءوا ينفذونه على جغرافيا ممزقة، أقاموا أعمدته على جسور الدم، وشيدوا صروحه في خرائب الحقيقة.لقد صار الوطن ساحة تجارب لأمراضٍ لا علاج لها إلا بالعودة إلى الإنسان، إلى جوهر الانتماء البعيد عن الطيف والطائفة، والضارب بجذوره في تربة الوعي النقي. لكن هذا الوعي نفسه، جرت محاصرته، نُفيَ إلى الهامش، واستُبدل بوعظ التفرقة، ومواعظ الكراهية التي تُلقى على المنابر، وتُحفظ في مناهج أولادنا كأنها تراثٌ لا يجوز المساس به.ها نحن نعيش آثار تلك المرحلة: وطنٌ ينزف لا من سكين الغريب، بل من طعنة القريب، وصوتٌ وطنيٌ خافت لا يكاد يُسمع وسط الجلبة المصطنعة للتهليل لما يشبه الحياة، بينما هي في الحقيقة مجرد انتظار طويل للموت القادم من جهةٍ لا نجرؤ على تسميتها.وبينما يلهو العالم بمستقبله، ما زلنا نحن نعيد تدوير الرماد، نبحث عن وطنٍ ندفنه بأيدينا كل يوم، وننتظر من يوقظنا من هذا الكابوس المُلوّن بلون المذهب، والمزخرف باسم الطائفة.لكنه سيأتي... يومٌ لا يُسأل فيه المرء عن طينته، بل عن طين الوطن الذي تخلّى عنه.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا أحد يسمع الوجع
- -وطنٌ للبيع... من يشتري الذل-.
- على سفح التل… تُزهِرُ الحسرة وتُكمم الحقيقة.
- -الرگيّة التي فضحت نظام الحكم!-
- -سايكس بيكو الجديدة تحت توقيع ترامب... الشرق الأوسط يتهيأ لز ...
- -السماء تكتب بلون النار: مآلات الشرق في عصر الحرب الذكية-
- في حضرة العشيرة والطائفة: حين يتوارى الوطن خلف عباءة السلطة ...
- -حين صار عيد الصحافة مأتماً: من منابر الكلمة إلى مزامير الخر ...
- الوتر الذي أضاء العالم: موسيقى نصير شمة بين الحلم والدهشة .
- -الشرق الأوسط الجديد: رقصة الأفاعي على رماد الخراب-
- -وصار جلده رسالة-
- سقراط والديمقراطية العراقية: حين يُعدَم الوعي باسم الحرية
- قيامة الفجر... حين سقطت الجمهورية إلى حضن الغياب.
- من فيصل إلى فوضى.. ومن أتاتورك إلى أتاتوركية!
- -حكاية الحنفيش ومجزرة الذاكرة الانتقائية-
- -حينَ صارَ العيدُ مأتماً في الحويجة-
- دمعةُ الغبار
- -الهلال الملوث: كيف صدّرت إيران ثورتها من خيوط العمامة إلى ج ...
- حين مزّق كسرى الرسالة: سُقوطُ العرشِ وتوريثُ الحقد — من تمزي ...
- -من الرقص على التكتك إلى السقوط من رفوف الوعي-


المزيد.....




- ترامب: لن أحصل على جائزة نوبل للسلام مهما فعلت
- حرب إسرائيل وإيران في يومها التاسع.. هجمات متبادلة وتل أبيب ...
- إسرائيل تحذّر من مخاطر كاميرات المراقبة المنزلية وسط تصاعد ا ...
- نعي كاتب وشاعر كبير..
- إسرائيل تقصف موقعا لحزب الله وتحذره من القتال مع إيران
- إسرائيليون عالقون تحت الأنقاض إثر هجوم إيراني واسع بالمسيّرا ...
- هل حسم ترامب قراره بشأن ضرب إيران؟
- قرار بإخلاء منزلين مطلين على الأقصى لصالح مستوطنين
- قاضية أميركية تعلق حظر ترامب التحاق الطلاب الأجانب بهارفارد ...
- محللون إسرائيليون: الحرب على إيران لم تحقق أهدافها


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - رماد الفتنة