أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - بين قيدٍ وركام: المسرح العربي في متاهة الإحباط والفقدان .














المزيد.....

بين قيدٍ وركام: المسرح العربي في متاهة الإحباط والفقدان .


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8382 - 2025 / 6 / 23 - 08:43
المحور: قضايا ثقافية
    


في عتمة الصالات الخالية، وتحت أضواء باهتة لا تضيء سوى فراغ المقاعد، يئن المسرح العربي... يئن كشيخ فقد صوته بين صخب المدن وغفلة الجمهور. ليس مبالغة القول إن المسرح، هذا الفن النبيل الذي كان يومًا نبضًا حيويًّا للمجتمع، أصبح اليوم طيفًا مهملًا، تتهدده معاول الرقابة، وتخذله خيبات التلقي، ويخونه من كان يومًا أحد أعمدته.
لقد بات المسرح العربي، برمّته، وكأنه يعيش داخل زنزانة بلا جدران، تُرى القيود فيها بأعين المبدعين وتُشَمُّ رائحتها في نصوصهم التي خُنقت قبل أن تُنطَق على الخشبة. هو الآن مسرح مكبّل، محاصر، مُنهك من طول الانتظار، يقف في صف المتهمين لا الشهود، لأنّه تجرّأ ذات مساء أن يطرح سؤالًا، أو أن يحاكي الحقيقة. والإحباط الذي يعصف به لا ينبع من داخله، بل من منظومة كاملة صنعت منه احتفالًا موسميًا لا أكثر، وتفنّنت في تدجينه وتحويله من صوت حر إلى أداة ترفيه رسمي.
المهرجانات المسرحية في الوطن العربي، على الرغم من بريقها الظاهري وأناقتها التنظيمية، تفتقر في أغلبها إلى الروح الحقيقية التي أنشئت من أجلها. فهي تحوّلت إلى منصات للاحتفاء بالأسماء المتكررة، لا بالأفكار المتجددة، ولتوزيع الجوائز لا لتحريك المياه الراكدة. ولعل المفارقة المريرة أن هذه الفعاليات، التي يُفترض أن تكون ملاذًا لحرية التعبير، أصبحت في كثير من الأحيان خنادق لحماية السلطة الفكرية قبل السياسية، وسجونًا للنص المسرحي، الذي يُشذَّب ويُقص ويُصفّى حتى يفقد نزعته الأولى في الصراخ.
أيّ قيمة للمسرح إذا كانت الحرية فيه محض وهم؟! كيف ننتظر منه أن يكون مرآة للمجتمع وهو يُمنع من النظر في عينيه؟! في الغرب، يقف الممثل فوق الخشبة ليواجه السلطة، ليحاسبها، لينتقدها بعنف وصراحة. أما في مسارحنا، فما زال النص المسرحي يخضع لمقص الرقيب قبل أن يحظى بمصافحة المخرج، وما زال المخرج يخضع لإملاءات التمويل قبل أن يستدعي الجمهور، والجمهور – من جهته – لم يعد يجد ما يشبهه أو يحرّكه أو يخاطب ألمه.
وليس سرًّا أن الدعم الرسمي للمسرح يكاد يكون معدومًا، وإن وُجد، فهو غالبًا مشروطٌ ومقنّن ومُدجّن. المسرحي العربي يُحارب في لقمة عيشه، في حريته، وفي شرعية رسالته. وقد دفع ذلك كثيرًا من المبدعين إلى مغادرة خشبة المسرح، إمّا صوب شاشة التلفاز التي تتيح لهم نجومية بلا مضمون، أو نحو بلاد الغربة التي تمنحهم مساحة للتعبير وإن كانت على حساب الانتماء. وغابت الوجوه العظيمة، أو تحوّلت إلى أيقونات يلوكها الإعلام دون أن يُنتج بدائلها.
نحن لا نفتقر إلى المواهب، بل إلى المؤسسات. لا نفتقر إلى النصوص، بل إلى الجرأة في تقديمها. ولا نفتقر إلى الجمهور، بل إلى محتوى يشبهه، يخاطبه، يعكس وجعه، ويصرخ بدلًا عنه. وما من مصادفة أن تجارب مبدعة مثل "مسرح الشوك" لدريد لحّام ومحمد الماغوط، أو مسرحيات عمالقة الكوميديا أمثال عبد المنعم مدبولي، عادل إمام، محمد صبحي، وداوود عبد السيد – وهي تجارب تركت أثرًا لا يُمحى – لم تستطع البقاء، لأنها اصطدمت بغياب الاستراتيجية والرؤية والدعم الحقيقي.
اليوم، يُقدَّم المسرح كسلعة موسمية، يتم استحضارها في مهرجانات تُنظم بحفاوة، لكن دون أن تترك أثرًا في الوعي العام أو تتحوّل إلى طقس اجتماعي ثابت. وحتى النصوص القوية، التي يُفترض أن تكون العمود الفقري للمسرح، صارت تتوارى في الظل، بعدما هجرها الكُتّاب، أو هُجِّروا من مسارحهم، لأن لا أحد يهتم بما يكتبون، ولا أحد يغامر بتقديم رؤيتهم على الخشبة.
فمن يعيد لهذا الفن هيبته؟ من ينتشله من هذه الدوّامة؟ من يتبنّى مشروعًا ثقافيًا حقيقيًا يعيد للمسرح مكانته بوصفه سلطة موازية، لا بوقًا مزيّفًا؟ هل سنرى يومًا خشبة تُضاء لأجل الحقيقة، لا لأجل التسلية، تُضاء لأجل كشف المسكوت عنه، لا من أجل طمس ما يُزعج الراعي الرسمي للمهرجان؟!
إن المسرح، في جوهره، فعل احتجاج راقٍ، وفن مقاومة ناعم، وجسر تواصل بين وعي الجمهور وحقائق الحياة. ما لم نعد إليه هذا الدور، سيبقى مجرد قاعة فارغة تُملأ على عجل وتُفرغ من بعدها سريعًا. سيبقى مهرجانًا بروتوكوليًا، وخطابات جوفاء، وكؤوسًا تُرفع لنصوص لم تُقرأ، ولفنانين لم يُمنحوا حرية أن يكونوا صادقين.
نعم، إننا نحلم، نحن عشاق المسرح، بيوم تنقشع فيه هذه الغمامة، ونعيد ترتيب الكراسي لا للجمهور فقط، بل لأجل النص والحقيقة والجرأة. نحلم بيوم يقف فيه المسرح العربي من جديد، شامخًا، حرًا، صادقًا، متحديًا... لا تابعًا. وحتى ذلك اليوم، سيظل المسرح يئن، يُصفق لنفسه، يهمس في أذنه، ويبحث في فراغ الصالة عن عين واحدة لم تغمضها الخيبة.
فيا مسرحنا العربي... طوبى لصبرك.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إيران ومضيق هرمز... حين تتدلّى يد الغريق فوق زر الحرب
- -فوردو تحت الجبل وتحت المطرقة: الضربة التي أطاحت بظل إيران ا ...
- -حين تهاوت قم من برج الطاووس... وانكسر قرن المجوس في مرآة ال ...
- حين استيقظَ الألمُ وبكى الخواء
- حين استيقظَ الألمُ وبكى الخواء .
- رماد الفتنة
- لا أحد يسمع الوجع
- -وطنٌ للبيع... من يشتري الذل-.
- على سفح التل… تُزهِرُ الحسرة وتُكمم الحقيقة.
- -الرگيّة التي فضحت نظام الحكم!-
- -سايكس بيكو الجديدة تحت توقيع ترامب... الشرق الأوسط يتهيأ لز ...
- -السماء تكتب بلون النار: مآلات الشرق في عصر الحرب الذكية-
- في حضرة العشيرة والطائفة: حين يتوارى الوطن خلف عباءة السلطة ...
- -حين صار عيد الصحافة مأتماً: من منابر الكلمة إلى مزامير الخر ...
- الوتر الذي أضاء العالم: موسيقى نصير شمة بين الحلم والدهشة .
- -الشرق الأوسط الجديد: رقصة الأفاعي على رماد الخراب-
- -وصار جلده رسالة-
- سقراط والديمقراطية العراقية: حين يُعدَم الوعي باسم الحرية
- قيامة الفجر... حين سقطت الجمهورية إلى حضن الغياب.
- من فيصل إلى فوضى.. ومن أتاتورك إلى أتاتوركية!


المزيد.....




- بعد وقف إطلاق النار.. ترامب: تغيير النظام في إيران سيخلق فوض ...
- لماذا يعد تغيير النظام في إيران أمرًا صعبًا؟ أستاذ في جامعة ...
- لماذا اختارت إيران القاعدة الأمريكية في قطر لتوجيه رسالتها ل ...
- المستشار الألماني: -الوقت حان- لوقف إطلاق النار في غزة
- مقتل 4 أشخاص بصواريخ إيرانية أصابت مبنى سكنيا في بئر السبع ج ...
- إيران: هل من بديل سياسي؟
- دوي انفجارات في إيران رغم أمر ترامب بوقف الهجمات الإسرائيلية ...
- غزة: مقتل أكثر من 50 فلسطينيا بنيران الجيش الإسرائيلي معظمهم ...
- إسرائيل: لن نهاجم إيران مجددا بعد مكالمة ترامب ونتنياهو
- ماذا تفعل حين يقرر طفلك التوقف عن رياضته المفضلة؟


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - بين قيدٍ وركام: المسرح العربي في متاهة الإحباط والفقدان .