أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -سلامٌ على شفرة السكين: حين يبتسم الدخان في الشرق الأوسط-














المزيد.....

-سلامٌ على شفرة السكين: حين يبتسم الدخان في الشرق الأوسط-


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8384 - 2025 / 6 / 25 - 02:56
المحور: قضايا ثقافية
    


لا شيء أقسى من السلام حين يُفرض بعد شهوة الدم، ولا شيء أكثر هشاشة من صمتٍ يتكئ على ركام العواصف. وما بين إسرائيل التي أحرزت انتصاراتها السريعة، وإيران التي نزفت بصمتٍ خلف خطوط الجغرافيا والكرامة، يجلس العالم يتفرّج على مائدة مفاوضاتٍ رعاها "ترامب المستتر" – رجل ما بعد البيت الأبيض، وما قبل الدولة العميقة التي ما زالت تُعيد ترتيب الشرق الأوسط كما تُرتب رقعة شطرنجٍ قذرة.فلماذا إذن قبلت إسرائيل بهذا السلام؟ ولماذا في ذروة الصعود والضربات والانتصارات، قررت أن تجمد النار وهي على وشك أن تلتهم من تبقى من جسد الخصم؟ أكان ذلك خوفاً من النصر؟ أم قلقاً من مرآته التي قد تعكس وجهاً آخر لها؟ الإجابة ليست في أوراق التفاهم، بل في ملامح الوجوه خلف الكواليس.إن إسرائيل، رغم سطوتها الجوية وابتكاراتها التكنولوجية وقدرتها على خوض حرب رقمية لا تُضاهى، تدرك أن النصر السريع قد يتحول إلى استنزافٍ بطيء، وأن ما تبدأه من ضربة حاسمة قد تنتهي في مستنقع يشبه لبنان 2006 أو غزة 2014، ولكن على اتساع الشرق. فالحرب التي تزداد اتساعاً، مهما بلغت كفاءتك، هي كالحفرة التي تحفرها بإبرة – لا تدري متى تنهار الأرض من تحتك.كان النصر قريباً، والخصم يتهاوى، ولكن أين النصر حين لا تعرف نهاية السقوط؟ إيران، التي تلقت الضربات، كانت لا تزال قادرة على الإنهاك، على توسيع الجبهات، على جرّ إسرائيل إلى معارك في الضاحية والأنبار والضاحية الجنوبية وكل زقاق موحل في الذاكرة الشيعية. ولم تكن إسرائيل ترغب أن تتحول حربها "المحددة" إلى ركام مفتوح، لا تعرف فيه من يقاتلك، ومن يفاوضك، ومن يطعن من الخلف. وهكذا قبلت إسرائيل السلام وهي على القمة، حتى لا تجد نفسها فجأة في القاع، وهذا ليس ضعفاً بل ذكاء استراتيجي لا يفهمه إلا من خبر الحروب وأدمن الفقد.أما الطرف الآخر في الصورة، إيران، فهي تجلس اليوم في المفاوضات لا كمحاورٍ متكافئ، بل كطرفٍ يتلمّس شروط النجاة. طاولة ترامب لا تُشبه طاولة فيينا، ولا تُوزع فيها الملفات بالتساوي. إنها أشبه بجلسة محاكمة دولية لنظامٍ لم يعد لديه سوى أن يتظاهر بالكبرياء، بينما تُنتزع مخالبه واحدة تلو الأخرى. فهل وقعت طهران على الاستسلام؟ إن لم توقع بالقلم، فقد وقّعت بيدها المربوطة. لم تعد تملي الشروط، بل تقرأ ما يُملى عليها، وتبحث بين السطور عن ما يمكن أن يُبقي النظام قائماً ولو بوجهٍ شاحب.
شروط اللعبة الجديدة واضحة: لا سلاح نووي، لا أذرع تمتد خلف الحدود، لا خطاب موت لإسرائيل، لا عراق تابع، ولا سوريا موالية، ولا لبنان مخطوف. كل شيء يعود إلى البيت الأبيض، ولكن من بوابة تل أبيب. لم تعد واشنطن تراعي التحالفات الرمزية، ولا تبحث عن توازن القلق، إنها تسعى لحسم كامل المعادلة: أمن إسرائيل مقابل صمت الجميع.لقد سقطت حماس، أو هُشّمت أذرعها، وضُرب حزب الله في عمقه، وانهار بشار الأسد في آخر قلاع الرمق، وتلقت إيران الضربة المؤلمة التي لم تعلن عنها كاملة، ولكن آثارها ظاهرة في لغة خطابها المرتبك. حتى العراق، الذي كان يوماً ملعباً لملالي قم، بدأ يخرج من العباءة السوداء، نحو مشهدٍ رمادي تهيمن عليه واشنطن بوجوه عراقية، لكن بعيون إسرائيلية حادة.ما يجري ليس هدنة بل إعادة كتابة للشرق الأوسط، وفق معجم ما بعد النكسة وما بعد الربيع. النظام الجديد ليس عربياً ولا إسلامياً، بل أميركي – إسرائيلي النزعة، يرى في إيران دولة مارقة يجب تطويعها، وفي العرب مشاريع مشتتة يجب تنظيمها تحت المظلة الأمنية الكبرى. إنه سلام المنتصر، يُقدَّم على طبق الدمار، ويُلف بورق الدبلوماسية.أما من يسأل عن هشاشة هذا السلام، فلينظر إلى العيون التي تتربص، والقلوب التي لم تنسَ، والمقاتلين الذين لا يزالون في الظل. فالتاريخ في هذه البقعة من الأرض لا يُكتب بالمداد وحده، بل بالدم والعقيدة والرفض. السلام هنا لا يُولد في مؤتمرات، بل في قبور الشهداء، وفي عيون الأمهات، وفي أغاني المساء التي تتمنى الانتقام.
لكن رغم كل ذلك، يبقى هذا "السلام على شفرة السكين" هو الحقيقة الماثلة، ولو إلى حين. فربما يكون الخطأ الأكبر لإيران أنها لم تستوعب في الوقت المناسب أنها تعيش زمنًا لم يعد فيه للثأر مكان، وزمنًا لا يعترف إلا بموازين القوة المجردة. وربما يكون الخطأ الأكبر لإسرائيل أنها ظنت أنّ نجاتها العسكرية يمكن أن تثمر استقرارًا طويل الأمد في أرضٍ تعرف أنَّ النار فيها لا تموت، بل تتوهج تحت الرماد.وفي الختام، حين يُفرض السلام لا يُبنى على رغبة الشعوب، بل على خوف الأنظمة من مزيد من الحروب. وإيران اليوم، خرجت من هذه الجولة مجبرة على أن تُسلّم نفسها للنظام الجديد، وإسرائيل خرجت بنصر لا تريده أن يتحول إلى لعنة. أما الشرق الأوسط، فما زال يجلس على لغمٍ من الذكريات، ويتنفس هدنةً تُشبه ما بعد الزلزال… هدوءٌ ثقيل لا يشبه الطمأنينة، بل انتظارٌ لما لا يُقال.فهل ينتهي الحريق حقًا… أم أننا فقط أعدنا ترتيب الجمر؟



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ياسين خضر القيسي... طائر الإبداع ووجع الثقافة في زمن التبدّد ...
- ميرفت الخزاعي... فراشة السرد التي حلّقت من شط العرب إلى سماء ...
- بين قيدٍ وركام: المسرح العربي في متاهة الإحباط والفقدان .
- إيران ومضيق هرمز... حين تتدلّى يد الغريق فوق زر الحرب
- -فوردو تحت الجبل وتحت المطرقة: الضربة التي أطاحت بظل إيران ا ...
- -حين تهاوت قم من برج الطاووس... وانكسر قرن المجوس في مرآة ال ...
- حين استيقظَ الألمُ وبكى الخواء
- حين استيقظَ الألمُ وبكى الخواء .
- رماد الفتنة
- لا أحد يسمع الوجع
- -وطنٌ للبيع... من يشتري الذل-.
- على سفح التل… تُزهِرُ الحسرة وتُكمم الحقيقة.
- -الرگيّة التي فضحت نظام الحكم!-
- -سايكس بيكو الجديدة تحت توقيع ترامب... الشرق الأوسط يتهيأ لز ...
- -السماء تكتب بلون النار: مآلات الشرق في عصر الحرب الذكية-
- في حضرة العشيرة والطائفة: حين يتوارى الوطن خلف عباءة السلطة ...
- -حين صار عيد الصحافة مأتماً: من منابر الكلمة إلى مزامير الخر ...
- الوتر الذي أضاء العالم: موسيقى نصير شمة بين الحلم والدهشة .
- -الشرق الأوسط الجديد: رقصة الأفاعي على رماد الخراب-
- -وصار جلده رسالة-


المزيد.....




- -مجموعة جبناء-.. شاهد انفعال ترامب تعليقًا على تقرير CNN بشأ ...
- ترامب يشعل تفاعلا بكشف ما قاله لبوتين عندما عرض الأخير المسا ...
- إيرانيون بمظاهرة تؤيد الحكومة لـCNN: وقف إطلاق النار ليس كاف ...
- ماذا لو فقدت وظيفتك؟ توصيات خبراء للحفاظ على صحتك العقلية وإ ...
- أبرز النقاط حول وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل
- ما بعد الهدنة: خطوات تصعيدية إيرانية تجاه الوكالة الذرية وجد ...
- تقرير استخباراتي أمريكي يُشكك في التدمير الكامل للبرنامج الن ...
- حذر وترقب بشأن صمود وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل سبعة من جنوده في جنوب قطاع غزة
- -إف بي آي- كثف التركيز على مكافحة الإرهاب بعد ضربة إيران


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -سلامٌ على شفرة السكين: حين يبتسم الدخان في الشرق الأوسط-