أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - الفزاعة التي لبست عمامة الخلافة














المزيد.....

الفزاعة التي لبست عمامة الخلافة


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8385 - 2025 / 6 / 26 - 10:06
المحور: قضايا ثقافية
    


في ليلة مشوّهة الملامح، خرج شيء من الظلال، لا هو جيش، ولا هو فكرة، بل خيال مشبع بالدم، يتقن لغة القتل أكثر مما يتقن النطق بالشهادتين. كائن تسلل من فجوة في جدار التاريخ، يرتدي راية، ويتوشّح بالسواد، ويتحدث بلغة الأنبياء لكنه لا يعرف الرحمة. لم يأتِ وحده، بل جاءت معه قوافل الوهم، ومراكب الطمع، وعرّابو الخراب الذين خططوا لولادته على مهَل، ثم أطلقوه في رُبع الساعة الأخيرة، كما تُطلق الوحوش الجائعة من أقفاصها لتأكل كل ما يتحرك.لم تولد هذه الفزاعة في الكهوف كما يُشاع، بل وُلدت في مكاتب مكتومة الهواء، حيث يُنسج الخراب بخيوط الطوائف، وحيث يصبح الدين ورقة في مَزاد، لا ضوء فيه سوى نار الفتنة. ولم تكن الخلافة التي رُفعت فوق السيوف سوى غطاء لما تحت السيوف من صفقات، ومن ثارات، ومن مشتهيات قوم لا يؤمنون إلا بأن الأرض يجب أن تُطوى على مقاس عرقهم، وأن الدم العربي لا يستحق سوى أن يكون ماءً لطواحينهم.
خرج هذا الكائن في وضح الظلام، لا يقاتل العدو بل يذبح الأخ، لا يقتحم المعسكرات بل المساجد، لا يُهاجم إلا المدن التي يُقال فيها "الله أكبر" خمس مرات في اليوم. مدّ سكاكينه إلى الأحياء التي لا تزال تؤمن بأن الحياة حق، وأشهر أحكامه على الفقراء الذين كانوا يأملون بالخلاص. وما إن تمكّن من مفاصل الأرض، حتى فُتحت له الطرقات من حيث لا يُتوقّع، فاحتلّ المدن كما تُحتلّ الذاكرة، ثم تُرك في لحظةٍ ما ليحرق كل شيء.كل ذلك لم يكن محض مصادفة، بل كان عزفًا على وترٍ طائفي مريض، تشدّه أصابع تُتقن صناعة الأعداء الوهميين، وتدفع بالأبرياء إلى سكاكينهم كي تبرّر لنفسها مجيئها مدججة بالحقد، تُقسم أنها تحمي المقدّسات، بينما تُسقطها على رؤوس المصلّين. لم تكن الحرب على الفتنة بقدر ما كانت هي الفتنة بعينها، ولم تكن المعركة من أجل المذهب، بل كانت المذهب هو الوقود الذي احترق فيه الجميع.
وما إن بدأت بعض الأنظمة تنهض من تحت الرماد، تلمّ أشلاءها، وتبحث عن سردية وطنية جديدة تُنقذ ما تبقّى، حتى ارتعدت أطراف تلك الكائنات التي لا تعيش إلا في الفوضى، ولا تتغذى إلا من رائحة الحطام. أيقنت أن هناك من قرر أخيرًا أن يسترد أرضه من براثن الخراب، أن يبني وطنًا لا يُقسم على هويّات فرعية، ولا يُباع في سوق الطاعة العمياء.الغضب الذي اجتاح تلك العصابات لم يكن إلا جنون الخوف من زوال دورها، خصوصًا بعد أن هبّت عاصفة غير متوقعة وأحرقت معسكراتها التي كانت مختبئة في باطن الجبال. ضُربت المواقع التي طالما كانت مخازنًا للسلاح والعقيدة، واندثرت الأسماء التي كانت توجّه الذبح عن بُعد، وسقطت الوجوه التي كانت تلوّح بالشعارات الميتة، فإذا بالموت يسبقهم إلى أبواب المدن التي اعتقدوا أنها ستفتح لهم مرة أخرى.جنّ جنونهم، فعادوا يحملون الحقد في أيديهم المبتورة، يزرعون الألغام في طرقات العائدين من الحرب، ويذبحون على عتبات الأمل خوفًا من انتصار لا يشبههم. لم تكن عودتهم من أجل معركة شريفة، بل من أجل إثبات وجود، من أجل التشويش على النظام الجديد الذي بدأ يتكوّن من حطام الانهيار، ويخيف كل من لم يعتد أن يرى شرقًا عربيًّا من دون وصايات.
كانت المدن تتعافى، وكانت الشعوب تنسى طعم الهتاف الطائفي، وكانت الحياة تعود على مهل، لكن الكائن الذي وُلد من رحم الدم لم يحتمل النور. عاد يصرخ باسم الله، لكنه لا يعرف الله، عاد يدّعي النبوة وهو لا يعرف حتى الحروف، عاد يهاجم العابرين، لأن لا شيء يهدّد مشروعه أكثر من فكرة أن تعود البلاد لأهلها.هكذا صُنع الوحش، وهكذا يُعاد تشغيله في كل مرة يُهدّد فيها مشروع الخراب بالفشل. لا وطن له، ولا مذهب، ولا قداسة. هو مجرّد خنجر مغروس في قلب الأمة، متى ما أراد اللاعبون الكبار أن يُدوّخوا المنطقة، أطلقوه من غمده.لكن هذه المرّة، يبدو أن اللعبة انكشفت. لم تعد العيون تُخدع بالعمائم السوداء، ولم تعد الشعارات كافية لحشد المقاتلين. الأرض بدأت ترفضهم، والناس بدأوا يتقيّؤون الكذب الذي أُجبروا على ابتلاعه لعقود.المدن التي بكت، بدأت تبتسم. والساحات التي صمتت، بدأت تغنّي للحرية. والدم الذي أريق، صار لغة للوعي، لا وقودًا للانتقام. أما الفزاعة... فهي تتآكل في الظل، تنتظر قطيعًا جديدًا، لكن القطيع هذه المرّة استيقظ.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحية الأخيرة أمام الكاميرا: عندما يذوب الانضباط في حضرة ال ...
- -سلامٌ على شفرة السكين: حين يبتسم الدخان في الشرق الأوسط-
- ياسين خضر القيسي... طائر الإبداع ووجع الثقافة في زمن التبدّد ...
- ميرفت الخزاعي... فراشة السرد التي حلّقت من شط العرب إلى سماء ...
- بين قيدٍ وركام: المسرح العربي في متاهة الإحباط والفقدان .
- إيران ومضيق هرمز... حين تتدلّى يد الغريق فوق زر الحرب
- -فوردو تحت الجبل وتحت المطرقة: الضربة التي أطاحت بظل إيران ا ...
- -حين تهاوت قم من برج الطاووس... وانكسر قرن المجوس في مرآة ال ...
- حين استيقظَ الألمُ وبكى الخواء
- حين استيقظَ الألمُ وبكى الخواء .
- رماد الفتنة
- لا أحد يسمع الوجع
- -وطنٌ للبيع... من يشتري الذل-.
- على سفح التل… تُزهِرُ الحسرة وتُكمم الحقيقة.
- -الرگيّة التي فضحت نظام الحكم!-
- -سايكس بيكو الجديدة تحت توقيع ترامب... الشرق الأوسط يتهيأ لز ...
- -السماء تكتب بلون النار: مآلات الشرق في عصر الحرب الذكية-
- في حضرة العشيرة والطائفة: حين يتوارى الوطن خلف عباءة السلطة ...
- -حين صار عيد الصحافة مأتماً: من منابر الكلمة إلى مزامير الخر ...
- الوتر الذي أضاء العالم: موسيقى نصير شمة بين الحلم والدهشة .


المزيد.....




- رئيس CIA الأسبق يعلق لـCNN على جدل الضربات الأمريكية على الم ...
- جنرال أمريكي عن الضربات على المنشآت النووية الإيرانية: -عملت ...
- الجيش الإسرائيلي يقتل فتى في الـ15 من عمره في بلدة اليامون ب ...
- حملة -تحالف أبراهام- الإسرائيلية تثير الجدل بين الناشطين الع ...
- إيران: مجلس صيانة الدستور يقر قانون تعليق التعاون مع الوكالة ...
- كييف ومجلس أوروبا يوقعان اتفاقا لإنشاء محكمة خاصة بالحرب في ...
- غموض يلف تأثير الضربات الأمريكية على المنشآت النووية الإيران ...
- ما هي أهمية مشروع خط انابيب الغاز «قوة سيبيريا 2» بالنسبة إل ...
- سقوط أكثر من 50 قتيلا فلسطينيا بنيران إسرائيلية في قطاع غزة ...
- ريبورتاج: -قلبنا معهم-... كيف تنظر الجالية العربية بالولايات ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - الفزاعة التي لبست عمامة الخلافة