أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العلم الذي يُغتال... وأمة تنزف ضوءها .














المزيد.....

العلم الذي يُغتال... وأمة تنزف ضوءها .


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8388 - 2025 / 6 / 29 - 08:27
المحور: قضايا ثقافية
    


في ليلٍ عربيٍّ طويل، نُسجت خيوطه من الهزائم والخذلان، تتناوب على كرامة الأمة سكاكين الزمن، وتنهال عليها الأيادي من كل صوب، لا رحمة في غرب، ولا عذر في شرق. أمةٌ، لو كانت تُقاس بعدد شهدائها من العلماء، لكانت الآن على رأس الأمم، تضيء عقول البشرية، وتفكك أسرار الكون، لكنها تُغتال كلما همّت بالنهوض، ويُقتل رجالها إذا أضاءت أفكارهم كما تُقتل النجوم حين تشع في سماء الظلام.
في عام 1950، ارتجّ الوجدان العربي على صدمة ليست ككل الصدمات، اغتيل فيها أحد أنقى العقول التي أنجبتها مصر والعالم الإسلامي، الدكتور علي مصطفى مشرفة، الرجل الذي وقف على حافة السر، وأطلّ على ما بعد الذرة، وهزّ بأبحاثه ضمير العالم الغربي، حتى قال عنه آينشتاين بعد اغتياله: "اليوم مات نصف العلم". كان مشرفة من أولئك القلائل الذين لا تتكررهم البشرية كثيرًا. رجل لا يعرفه المنبر السياسي ولا المنصات الإعلامية، بل يعرفه قلب الذرة، ومحافل الرياضيات، ومراكز البحث التي تتصبب فكرًا. أحد سبعة فقط في العالم أدركوا سر الذرة، وشارك آينشتاين في تطوير النظرية النسبية، وأثبتها رياضيًا أمام من أنكرها. لم يكن مجرد عالم، بل كان جسرًا بين الشرق والنور، بين الإسلام والعلم، بين الأمة ومكانتها. كان أول من بحث عن مقياس للفراغ، وضع تفسيرًا للإشعاع الشمسي، وابتكر نظرية الإشعاع والسرعة، تلك التي كانت سببًا رئيسيًا في اغتياله، كما وضع أساسًا لتفتيت ذرة الهيدروجين التي صُنعت منها القنبلة الهيدروجينية. هل يملك العقل العربي أن يذهب أبعد من هذا؟ نعم، لكنه إن فعل، قُطع رأسه.رشّح لنوبل رسميًا، لكن الطلقات كانت أسرع من المجد، والسم أسبق من الوسام. اغتيل لأنه لم يكن فقط عبقريًا، بل لأنه كان عربيًا مسلمًا عبقريًا، وهذه، في ميزان المستعمر، جريمة لا تُغتفر. لم يكن مشرفة الوحيد في هذا الطريق المفروش بالمشانق والتقارير السرية. فقد اغتيل قبله وبعده عشرات ممن أنجبهم ترابنا وعقولنا، لا لأنهم أخطأوا، بل لأنهم أصابوا، لا لأنهم خافوا، بل لأنهم أبوا أن يخافوا.
الدكتور يحيى المشد، العالم المصري الذي وهب علمه لخدمة المشروع النووي العراقي، وكان من أبرز العقول العربية في مجال الذرة، اغتيل في باريس لأن النور الذي يحمله لا يُرضي الظلام، ولأن معرفته بالمفاعلات والتحكم الذري كانت تؤسس لحلمٍ عربيٍّ مستقل، حلمٍ لا يُدار من واشنطن ولا يُراق من تل أبيب. سميرة موسى، الفيزيائية المصرية التي كانت تحلم بأن يكون العلم في متناول الجميع، دُفعت من قمة عالية في أمريكا لتسقط ويصعدوا هم. العالم اللبناني رمال رمال، قُتل في فرنسا بعد أبحاث في الإلكترونيات الدقيقة، والعالم المصري نبيل القليني، اختفى من موسكو ولم يُعرف له أثر بعد أن رفض التجنيس والتعاون، والعالم التونسي محمد الزواري، مهندس الطائرات المسيّرة، اغتيل في صفاقس بطلقات مُحكمة. وغيرهم كثير، سقطوا ضوءًا، سقطوا لأنهم عرب.
كلهم قُتلوا في صمت، دون محاكمات، دون تهم، إلا تهمة واحدة: أنهم حملوا النور في يد، والهوية في الأخرى. يا أمةً تُغتال حين تُفكر، وتُصفى حين تُبدع، ما زال لك بين الأمم ألف مكان إن شئتِ. وإن كان التاريخ قد كتب فصولًا من الظلام، فإن من كتبه لم يكونوا من أبنائك الصادقين، بل من أولئك الذين ارتدوا وجوهك ليقتلوك من الداخل. إن الذين اغتالوا مشرفة لا يريدون قتل رجل، بل يريدون قتل احتمال، احتمال أن يعود الشرق مصدرًا للنور.ولن تقوم لنا قائمة، ولن نستعيد ما كان لنا، إلا إن عدنا نؤمن بالعلم كما آمن الأنبياء بالرسالات، نرعاه ونحميه ونجعل له حرّاسًا كأننا نحمي وطنًا داخل عقل. فالوطن لا يكون بخطابات ولا أزياء ولا مهرجانات، بل بالعلماء الذين يصنعون المصير. كان مشرفة وحده، لكنه مثّل أمّة، واليوم نحن أمة، فهل يمكن أن نكون مشرفة جديد؟ لن يُهزم الظلام بكثرة البكاء، بل بقنابل من الفكر، ونيازك من البحث، وبعيون تسهر لا على الحدود، بل على المخابر.لقد حان الوقت أن ننتقل من "كنا" إلى "سنكون"، ومن رثاء الشهداء إلى حماية الأحياء. فإن خذلنا علماؤنا كما خذلنا قادتنا، فلن يبقى منا إلا صدى يتردّد في جنازات الأمم. العلماء لا يُقتلون، بل تُقتل بهم أمةٌ بأكملها. فلنحمِ ما بقي من الضياء… قبل أن يُطفأ آخر قنديل فينا.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقدة الخالدة: سردية الكراهية المتجذّرة ضد العرب منذ فجر ال ...
- -كمب ديفيد الإيراني: سلام يشبه الهزيمة أم هزيمة تُسوّق كسلام ...
- ترامب وصعود ميزان القوة الجديد: حين تعثّرت التنانين وتاهت ال ...
- في مطلعِ الهجراتِ تبكي السنون
- الفنُّ... رسائلُ الخلود في حضارة الرافدين
- الفزاعة التي لبست عمامة الخلافة
- التحية الأخيرة أمام الكاميرا: عندما يذوب الانضباط في حضرة ال ...
- -سلامٌ على شفرة السكين: حين يبتسم الدخان في الشرق الأوسط-
- ياسين خضر القيسي... طائر الإبداع ووجع الثقافة في زمن التبدّد ...
- ميرفت الخزاعي... فراشة السرد التي حلّقت من شط العرب إلى سماء ...
- بين قيدٍ وركام: المسرح العربي في متاهة الإحباط والفقدان .
- إيران ومضيق هرمز... حين تتدلّى يد الغريق فوق زر الحرب
- -فوردو تحت الجبل وتحت المطرقة: الضربة التي أطاحت بظل إيران ا ...
- -حين تهاوت قم من برج الطاووس... وانكسر قرن المجوس في مرآة ال ...
- حين استيقظَ الألمُ وبكى الخواء
- حين استيقظَ الألمُ وبكى الخواء .
- رماد الفتنة
- لا أحد يسمع الوجع
- -وطنٌ للبيع... من يشتري الذل-.
- على سفح التل… تُزهِرُ الحسرة وتُكمم الحقيقة.


المزيد.....




- تقرير: أمريكا اعترضت اتصالات لمسؤولين إيرانيين كشفت تقييمهم ...
- ماكرون يؤكد في مكالمة مع الرئيس الإيراني على ضرورة العودة إل ...
- إيران تنفي تهديد الوكالة الذرية وتشكك في مصداقية ترامب بشأن ...
- تصاعد هجمات المستوطنين بالضفة وجيش الاحتلال يعتقل العشرات
- -إثبات الوفاة- معاناة قانونية وإنسانية تؤرّق ذوي الشهداء وال ...
- الزرشك نكهة لاذعة وفوائد مذهلة.. كنز أحمر في مطبخك
- شيرين في مهرجان -موازين-.. تفاعل وانتقادات ودعم
- حكم بالسجن النافذ في حق صحافي فرنسي في الجزائر بتهمة تمجيد ا ...
- الجزائر: الحكم على صحافي رياضي فرنسي بسبع سنوات سجن بتهمة تم ...
- غروسي: إيران قد تستأنف تخصيب اليورانيوم -في غضون أشهر-


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العلم الذي يُغتال... وأمة تنزف ضوءها .