أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العقدة الخالدة: سردية الكراهية المتجذّرة ضد العرب منذ فجر التاريخ .














المزيد.....

العقدة الخالدة: سردية الكراهية المتجذّرة ضد العرب منذ فجر التاريخ .


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8387 - 2025 / 6 / 28 - 15:00
المحور: قضايا ثقافية
    


منذ أن انهارت أسوار المدائن وتبعثرت تيجان كسرى تحت أقدام رجالٍ حفاة خرجوا من قلب الصحراء بنورٍ جديد، لم تهدأ تلك النار التي سكنت صدور البعض، أولئك الذين اعتادوا أن يروا العرب أتباعًا لا قادة، هامشيين لا محورًا، صدى لا صوتًا. كان سقوط الإمبراطورية الفارسية على يد الخليفة العادل عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أشبه بزلزالٍ في العقل المجوسي، لم تُطفأ ارتداداته حتى اليوم، بل ازداد لهيبها في دواخل من اتخذوا من الكراهية ميراثًا، ومن الانتقام مذهبًا، ومن التاريخ مقصلة لتمزيق الذاكرة العربية.
منذ ذلك اليوم، لم تكن العلاقة سوى محاولة دؤوبة للثأر، وإنْ تلثّمت برداء الطقوس أو تستّرت بشعارات العدل. لم يكن الإسلام في أعينهم دينًا سماويًا حمل رسالة للإنسان، بل كان عندهم انقلابًا بدويًا أطاح بحضارتهم، فتوهموا أنهم أبناء الشمس التي أُطفئت على يد بدو الجزيرة، فكان لا بدّ لهم من إعادة إشعالها ولو على جثث الأبرياء.لم تكن الدولة القرمطية سوى أول نُسخة فعلية من هذا الحقد المقنع، فقد جاءت من رحم تلك العقدة المتأصلة، فهجموا على الحرم، وسفكوا دماء الحجيج، وسرقوا الحجر الأسود، وأرسلوا للعالم الإسلامي كله بيانًا دمويًا صريحًا: أن لا قدسية لكم، ولا مكان لأرضكم الطاهرة. كانت تلك اللحظة ليست لحظة تمرّد ديني أو صراع فكري، بل انتقامًا قوميًا صرفًا، نزع عنه كل حجاب، ولبس درع الكراهية دون مواربة.ومع الزمن، تعلم الحقد أن يكون أكثر دهاءً، فدخل من باب العاطفة، العاطفة التي إن لم تُضبط بالحكمة، صارت سلاحًا عشوائيًا يطعن صاحبه. كان الحسين عليه السلام رمزًا للعدل والإباء، لكنه تحوّل عند من أرادوا الاتجار بدمه إلى منصة خطاب، وإلى شعيرة تُستدعى حين يريدون أن يُراق دم جديد. أصبحت مظلوميته كأنها أداة لاستنهاض أحقاد مدفونة، وأضفيت على طقوسها طاقة من الجنون العاطفي تُغرق الأتباع في بحار من اللطم لا تؤدي إلى حق، بل إلى تمزيق أمة بأكملها.وفي وسط ذلك، يبرز السؤال الذي يخنق كل ذي عقل: كيف يُصوّر علي بن أبي طالب، عليه السلام، وهو أسد الله الغالب، في سرديات تروي أنه شهد كسر ضلع فاطمة ولم يتحرك؟ أهذا المعنى يُقنع عاقلًا؟ وهل يُعقل أن يقف رجلٌ نزلت فيه آيات البطولة عاجزًا عن الدفاع عن عرضه، وهو الذي تربى في حجر النبوة؟ كيف يُراد منا أن نؤمن بسرديات لا تُقنع حتى من نسجها؟ إن الذي يقبل بذلك لا يسيء إلى علي وحده، بل إلى نبل الرسالة كلها، وإلى العقل الذي به نُميز.وتمادت العقدة حتى وصلت إلى أقدس المقدسات، إذ لم يسلم منها حتى رسول الله صل الله عليه وسلم، ففي غياهب نصوص مزيفة اتُّهم بالخوف والجبن، وبلغ الافتراء حدّ المساس بعرضه الشريف. أيّ منطق يُجيز ذلك؟ أيُّ قلب يرضى أن يُلصق بالرسول، من يُفترض أن يكون قدوتنا، ما لم تقله حتى ألسنة الكافرين؟ إنها محاولة خبيثة لتشويه صورة القائد العربي الذي هزّ عروش الظلم بالكلمة والسيف، ونقش على جبين الدهر أول دولة جمعت بين الحضارة والعدالة.لكن تلك العقدة المجوسية لم تعد مقصورة على الماضي، بل لبست حُلّة العصر، وتزينت بلغة الحداثة، وانطلقت نحو تخريب النسيج العربي من الداخل، لا بالسيف، بل بالفكر، لا بالقوة، بل بالمؤامرة الناعمة. تحت لافتة المقاومة، سقطت عواصم عربية، وباسم نصرة القضية، انهارت مدن، وغُرر بشعوب، وخُدعت عقول. إنهم يستخدمون غزة منصة للمتاجرة، وفي الوقت ذاته يسلّطون بنادقهم على صدور أبناء الضفة، وعلى أعناق اليمنيين والسوريين والعراقيين واللبنانيين. كأن دم العرب هو التذكرة الوحيدة التي تضمن لهم عبورًا إلى وهم المجد القديم.وقد وقف العرب، على مر التاريخ، في أكثر من محطة إلى جانب من خذلهم، قدموا لهم أرضهم، ومالهم، ودافعوا عنهم كما يدافع المرء عن ضلعه، ومع ذلك لم يُقابلوا إلا بالجحود، وكأن قدر العرب أن يُعطوا دون أن يُشكروا، وأن يُذبحوا بأيدٍ تستظل بشعاراتهم. أي مفارقة هذه أن يُتّخذ الضعف العربي ذريعة للقتل بدل أن يكون دعوة للتضامن؟ أي عقل يُسوّغ أن تُرمى الأمة بالانقسام، بينما المنقسمون عنها هم من يطعنون في عرض نبيها، ويسبّون صحابته، ويقدّسون من طعن بهم؟
ليس في الأمر طائفية، بل استعادة لحقائق مغيبة تحت رماد الخوف والمجاملات. إنها عقدة استعصت على الزمن، وتسربت في الكتب والمنابر، فتكوّنت منها سردية كاملة تلبست الدين، لكنها كانت في جوهرها ترفض العروبة، وتخاف من بعثها. لقد كان الخوف من نهضة العرب دافعًا لكل محاولات التشويه، فالذي كُسر قبل ألف عام لا يريد لمن كسره أن ينهض من جديد.وها نحن اليوم نقف على مفترق، لسنا فيه مجرد ضحايا، بل شهود على ما يُراد لهذه الأمة. فالعدو لم يعد خارجيًا فقط، بل يسكن بيننا، يتحدث لغتنا، ويتقن التسلل إلى وجداننا. إن أعداء العرب لم يتوقفوا يومًا عن بث سمومهم، لا بالسيف وحده، بل بالمأساة التي أُعيد إخراجها عشرات المرات حتى غدت أداة قتل، لا أداة وعي. ومثلما سرقوا منا الحجر الأسود، يحاولون الآن سرقة وعينا، وجعلنا غرباء في أوطاننا.
إن أعظم ما نملكه اليوم ليس العاطفة، بل اليقظة. فالعاطفة إذا سقطت في يد الحاقد تحوّلت إلى قنبلة، أما الوعي فهو الحصن الأخير. وحين نُدرك أن استهداف رموزنا ليس اجتهادًا دينيًا، بل محاولة لسلخنا من تاريخنا، نبدأ من جديد معركة الوعي، معركة لا تحتاج إلى سيف، بل إلى بصيرة، وقلم، وضمير حي. فالتاريخ لا يرحم أمة تنسى من قتلها، ولا يُنصف شعبًا صمت طويلًا عن من يطعن قلبه، ويزعم أنه يُقبّله.
نحن أمة لم تمت، رغم كل شيء. أمة يُراد لها أن تنسى، لكنها ما زالت تتذكّر، تُغدر، لكنها ما زالت تُعطي، تُطعَن، لكنها ما زالت تحلم. ومن عرف الموت في سبيل عرضه وأرضه، لن يموت مرتين، ولن يسمح لمن خان أول مرة أن يخونه ثانية.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -كمب ديفيد الإيراني: سلام يشبه الهزيمة أم هزيمة تُسوّق كسلام ...
- ترامب وصعود ميزان القوة الجديد: حين تعثّرت التنانين وتاهت ال ...
- في مطلعِ الهجراتِ تبكي السنون
- الفنُّ... رسائلُ الخلود في حضارة الرافدين
- الفزاعة التي لبست عمامة الخلافة
- التحية الأخيرة أمام الكاميرا: عندما يذوب الانضباط في حضرة ال ...
- -سلامٌ على شفرة السكين: حين يبتسم الدخان في الشرق الأوسط-
- ياسين خضر القيسي... طائر الإبداع ووجع الثقافة في زمن التبدّد ...
- ميرفت الخزاعي... فراشة السرد التي حلّقت من شط العرب إلى سماء ...
- بين قيدٍ وركام: المسرح العربي في متاهة الإحباط والفقدان .
- إيران ومضيق هرمز... حين تتدلّى يد الغريق فوق زر الحرب
- -فوردو تحت الجبل وتحت المطرقة: الضربة التي أطاحت بظل إيران ا ...
- -حين تهاوت قم من برج الطاووس... وانكسر قرن المجوس في مرآة ال ...
- حين استيقظَ الألمُ وبكى الخواء
- حين استيقظَ الألمُ وبكى الخواء .
- رماد الفتنة
- لا أحد يسمع الوجع
- -وطنٌ للبيع... من يشتري الذل-.
- على سفح التل… تُزهِرُ الحسرة وتُكمم الحقيقة.
- -الرگيّة التي فضحت نظام الحكم!-


المزيد.....




- رئيس الأركان الإيراني يتصل بوزير الدفاع السعودي.. ما السبب؟ ...
- ترامب: نتنياهو-بطل- ومحاكمته -مهزلة- قد تؤثر على المفاوضات م ...
- جندي إسرائيلي رفض الخدمة بغزة: يريدون تدمير حماس لكنها لا تز ...
- محارب ذكي وواقعي… أول مسلم يقترب من قيادة نيويورك
- جيش الاحتلال يعلن اغتيال حكم العيسى
- صحف عالمية: إسرائيل انقسمت مجددا بشأن غزة وترامب خلق وضعا هش ...
- حكم العيسى.. من هو القيادي البارز في -حماس- الذي أعلنت إسرائ ...
- نهائي درامي - إنجلترا تهزم ألمانيا وتتوج بأمم أوروبا تحت 21 ...
- هل تنجح مساع واشنطن لوقف الحرب في السودان ؟
- اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية تطال الجنود الإسرائيليي ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العقدة الخالدة: سردية الكراهية المتجذّرة ضد العرب منذ فجر التاريخ .