أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - حين يُدفن الحرف حيًّا... مرثية التعليم في العراق














المزيد.....

حين يُدفن الحرف حيًّا... مرثية التعليم في العراق


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8396 - 2025 / 7 / 7 - 17:33
المحور: قضايا ثقافية
    


لم يكن التعليم في العراق رفاهية أو ترفًا يومًا ما، بل كان من مفاخر الوطن الكبرى، يوم كان التلميذ يلبس ثوبه المكوي ويشد على حقيبته بثقة، وفي عينيه حلم وأمل وكرامة. لم تكن المدارس مباني فقط، بل كانت مؤسسات تبني العقول وتزرع الوعي وتحرس الوجدان، وكان المعلم في موقعه المقدّس، لا يُهان ولا يُهمل ولا يُقايض بلقمة ولا يُرهن بسياسة. أما اليوم، وقد غرق العراق في ركامه، فإنك إن نظرت إلى حال التعليم فلن تجد سوى أنقاض الأحرف وخرائب المعاني، مدارس ابتدائية تئنّ تحت السقوف الآيلة للسقوط، صفوف تفتقد المقاعد والمراوح والرحمة، ومعلمون يطاردهم الفقر من سبورة إلى وظيفة إضافية، وتلاميذ كأنهم ضحايا حرب لا طلاب علم، يشربون من ماء المجاري ويتلقون دروسهم في العراء أو بين الجدران المهشّمة.في الجامعات كان العراق يتصدر، وكان الطالب العراقي يجد مقعدًا له في التصنيفات العالمية إلى جانب كبريات جامعات الشرق الأوسط، بل ويتفوّق، وكانت شهادته جواز عبور إلى العالم، أما الآن فقد سقط هذا الجواز في بئر النسيان، ومعه سقط التصنيف العالمي للجامعات العراقية حتى لم يعد يُذكر منها شيء إلا في سجلات الدول التي تتعامل معها بشك، أو تُعادل شهاداتها بتحفّظ. صارت الكليات مرتعًا للوساطات، والدرجات تُشترى، والمناهج تستنسخ، والرسائل الجامعية تُعدّ في المكاتب التجارية مثلما تُصنّع القمصان الرخيصة في الأسواق، لا فكر، لا اجتهاد، لا تجربة علمية تُبنى، بل وهم تعليمي كبير عنوانه "شهادة من أجل الوظيفة" حتى وإن لم يفهم الطالب من تخصصه إلا اسمه.أما التعليم المهني، ذلك الذي كان يُخرّج الفنيين والحرفيين ممن يشغّلون المصانع ويصنعون الحياة، فقد أُهمل حتى لفظ أنفاسه، تُرك بدون رعاية أو خطة، فلم يعد يُقبل عليه إلا من لفظهم النظام العام، لا باعتباره مجالًا متميزًا، بل كمنفى أكاديمي، حتى كأن العراق لا يحتاج مهندسًا تقنيًّا ولا نجارًا ولا مصلّح آلات، بل يحتاج فقط خريجي إدارة الأعمال واللغة الإنكليزية ممن لا يُجيدون الإدارة ولا يفهمون الإنكليزية، فكأن التعليم المهني خطيئة لا تُغتفر في نظر السياسات العقيمة.من المسؤول؟ أهو الجهل الذي تسلل إلى الوزارة، أم هي المؤامرة المدروسة التي أرادت للعراق أن يتحوّل إلى سوق استهلاكي لا يقرأ ولا يكتب؟ هل هو الفساد الذي نخر المؤسسات حتى أوصل المناهج إلى الهزال، والمدارس إلى الخراب، أم أنه نهج مقصود لتدمير البنية التحتية للوعي، وقطع الحبل السري بين الأجيال والهوية؟ كيف أصبحنا نعيش في زمن تُبنى فيه المدارس الأهلية مثل المقاهي، والجامعات الخاصة تنتشر كالعقاقير المزوّرة، دون رقابة أو ضمير، فيما التعليم الحكومي يحتضر؟ أين اختفت روح التربية؟ وأين ذهبت هيبة المدرسة؟ لماذا صار الأهل يرسلون أبناءهم إلى المدارس وكأنهم يزجّون بهم في مشروع ترفيهي غير مضمون النتائج؟،،المدارس الأهلية الآن هي المشروع الأكثر ربحًا، لا لأنها أرقى، بل لأنها البديل الوحيد عن الدمار، لكنها أيضًا ليست بحل، بل هي تاجر حرب يبيع الماء للمحاصَرين، لا يسقيهم حبًّا بل يُديم عطشهم حتى لا تنقطع الحاجة. الجامعات الأهلية الخاصة باتت بابًا خلفيًا لمن لا يستوفي شروط القبول، لكنها أيضًا لا تخرّج نخبة، بل تدفع بشهادات فارغة إلى سوق بلا وظائف، وأدمغة بلا معرفة، وتاريخ بلا جذور.
هكذا، تحتشد الأمية من جديد على بوابات الوطن، وتزحف على خرائط القرى والمدن، في مشهد يثير الذهول، كيف لبلد أنفق على التعليم لعقود، وكان يملك أقوى قاعدة معرفية في المنطقة، أن ينحدر حتى يصبح نصف سكانه من الأميين أو شبه المتعلمين؟ كيف سمحنا للتعليم أن يُهدم، ونحن نعلم أن هدم التعليم لا يقل فداحة عن تفجير سد أو إحراق حقل نفط؟،،الطفل الذي كان يكتب "أحب العراق" صار اليوم لا يُجيد تهجئة اسمه، والمدرّس الذي كان يدرّس العلوم بالفخر، صار يبحث عن عمل إضافي لسد الرمق، والمدير الذي كان يزرع النظام والنظافة صار يدير مدرسة بدون ماء أو كهرباء.
لقد انهار التعليم، ليس بفعل القذائف وحدها، بل بفعل الإهمال والتجهيل والتسييس، بفعل تلك السياسات التي حرمت العقل من الخبز والمعرفة معًا، وأطلقت العنان لمن لا يؤمن بالعلم ولا يُجيد الحساب إلا بلغة الربح والخسارة، لتقرير مصير الأجيال.اليوم، إن أردت أن تعالج فساد بلد، فلا تبدأ من النفط، ولا من الجمارك، ولا من القضاء، بل ابدأ من التعليم، أصلح المدرسة والجامعة، سيصلح كل شيء بعدها. وإن أردت أن تُجهز على وطن، فابدأ من المدرسة، اجعلها هشة، اجعل المعلم يائسًا، والطالب تائهًا، وعندها لن يُقاومك أحد، لأن الشعوب الجاهلة لا تثور، بل تُصفق لجلاديها.فهل كان خراب التعليم في العراق خطأ غير مقصود؟ أم هو باب من أبواب الهدم الشامل؟ هل كان سقوط التعليم مظهرًا من مظاهر التدهور العام، أم هو الهدف ذاته؟ أسئلة تفتح أبواب وجع لا تنتهي، وصرخات مدفونة في صدور المعلمين والطلبة والآباء، تبحث عن إجابة من ضمير لم يعد موجودًا، وعن وطن لم يعد يعرف نفسه... إلا في كتب التاريخ المنسية.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الريح تهدر من الجنوب... هل آن أوان النهاية-
- العزف على وتر الدم... حين تتحول المواكب إلى نارٍ تأكل الوطن
- وهج الدم الهادر… دروس الحسين التي لا تموت
- -رقصة النهاية في ميدان الدخان: أوكرانيا بين أنياب الدب وأطيا ...
- طعنة غُربة
- حين تُطوى الراية قبل أن تذبل... عن إعادة رسم خرائط القوة بين ...
- الفنان العراقي.. صوت الوطن المنفي
- -حين يصير المجد تهمة... ويُؤخذ التاريخ من مأتمٍ لا ينتهي-
- -حين تعزف الدولة على لحن فنائها: عزاءٌ لوطنٍ يُقصف من داخله-
- العراق… صندوقٌ فارسيُّ الأختام
- الطبيب الذي خلع عباءته… وصار جزارًا في معطفٍ أبيض .
- -ويحَ مَن آذى عائشة... فالعرضُ عرضُ نبيٍ والأذى أذًى للسماء- ...
- -مزرعة البروكرات... حين أُطفئت شموعُ العقل وأُشعلت قناديلُ ا ...
- العلم الذي يُغتال... وأمة تنزف ضوءها .
- العقدة الخالدة: سردية الكراهية المتجذّرة ضد العرب منذ فجر ال ...
- -كمب ديفيد الإيراني: سلام يشبه الهزيمة أم هزيمة تُسوّق كسلام ...
- ترامب وصعود ميزان القوة الجديد: حين تعثّرت التنانين وتاهت ال ...
- في مطلعِ الهجراتِ تبكي السنون
- الفنُّ... رسائلُ الخلود في حضارة الرافدين
- الفزاعة التي لبست عمامة الخلافة


المزيد.....




- فيضانات تكساس تقتل أطفالا وتُفقد العشرات في دقائق
- كيف وصلنا إلى أول لوح من الشوكولاتة؟
- كيف تسبب لقاء على قناة إماراتية بموجة غضب في مصر وإسرائيل؟
- قتيل في غارة إسرائيلية على سيارة جنوب لبنان
- بزشكيان يتهم إسرائيل بمحاولة اغتياله ويشترط للتفاوض مع واشنط ...
- هل تُقر تركيا إجازة صلاة الجمعة للموظفين؟
- -مات وهو ينقذ الفتيات-.. صحف أميركية تنقل قصصا -مروعة- بعد ف ...
- على الهواء مباشرة.. جدل -فضيحة اللوحة- يلاحق إعلامية شهيرة
- مذكرة: واشنطن تلغي تصنيف جبهة النصرة كمنظمة إرهابية أجنبية
- مصر.. اندلاع حريق كبير في -سنترال رمسيس- بالقاهرة


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - حين يُدفن الحرف حيًّا... مرثية التعليم في العراق