أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -حين يصير المجد تهمة... ويُؤخذ التاريخ من مأتمٍ لا ينتهي-














المزيد.....

-حين يصير المجد تهمة... ويُؤخذ التاريخ من مأتمٍ لا ينتهي-


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8392 - 2025 / 7 / 3 - 08:43
المحور: قضايا ثقافية
    


في دهاليز الذاكرة الموشومة بالحبر والدم، تسير الأمم كما تسير القوافل في الفيافي، بعضها يخطّ أثرًا على الرمل، وبعضها يشقّ مجرى في الصخر. هناك من يصنع من الخراب سلّمًا للقيام، وهناك من ينكأ جراح التاريخ ليهدم البنيان على أهله. وفي خضمّ هذا التداخل بين المجد والعداء، بين البناء والهدم، يطلُّ زمنٌ لُفّ بالسكوت عن فضائله، واشتدت الألسن في سُبابه حتى صارت الحقيقة مشنوقة على أكتاف الافتراء، إنه ذلك الزمن الذي ما إن تُذكر فيه الدولة حتى يُذكر فيه التأسيس، وما إن يُقال فيه الحكم حتى يُقال فيه العدل والنظام، لا من باب التقديس، بل من باب الإنصاف المطمور.
لم تكن تلك الحقبة عبثًا في مسار الزمن، ولا رقصة عابرة في كرنفال التاريخ، بل كانت شجرة سقيت من ماء النبوّة، وأثمرت وعيًا سياسيًا لم يُجَارَ في زمانه، ولا بُذَّ في بُنيانه. قامت، لا على تمائم الكهان، بل على ركيزة الدولة، ومفهوم التنظيم، وبناء المؤسسات، وعسكرة الحدود، وتعريب الدواوين، وإرساء العملة، وتشييد المدن، وتوحيد الخطاب، وتثبيت الإسلام كهوية عابرة للقبيلة، جامعة للأمم. لكنها في عيون البعض كانت خنجرًا، لا لأنها خنجر، بل لأنهم أبوا أن تُبنى الدولة على غير أيديهم، وأن تُسَيّر بغير عُقَدهم المظلمة.ثمّة من لم يستوعب أنّ البناء لا يعني الاصطفاف خلف الهوى، وأنّ السياسة ليست طقسًا من التنجيم، بل ميزانٌ بين الممكن والمقدّس. فراحوا يصبّون جام حقدهم على أول حجر في صرح الخلافة بعد الراشدين، متناسين أن البحر الذي تجرأ على الروم في عقر دارهم لم يكن يتبع نرجسية سلاطين، بل كان صوتًا لصدى الدعوة، وحلمًا تمدد من حجرة النبي إلى أطراف الصين والأندلس. لم يكن ذنب ذاك الزمن أنه لم يكن يحبو كما تحبوا أحلامهم، ولم يكن عليه أن يعتذر لأنه لم يكن امتدادًا لخرافاتهم الملفوفة بعباءات الشعارات.ولأنهم لم يستطيعوا نقض لبنات الدولة، راحوا يستحضرون من كربلاء مشهدًا مأساويًا جُبل بالحزن النبوي، ليحملوه على أعواد الثأر، ويصبّوا من خلاله حقدهم المذهبي المغلّف بالدين. نعم، الحسين ابن النور، سيد الشهداء، عنوان العدل والكرامة، لا خلاف في مقامه ولا شمس تعلو على شمسه، لكنه لم يكن معول هدم لخلافة، بل كان صوتًا في صميم الإصلاح، إصلاحٍ لم يُكتب له الاكتمال، فامتطوه بعد قرون لينقضوا أصل البناء لا لبّ القضية. وهل يُعقل أن يتخذوا من مأساة الحسين جسرًا لهدم دولة فتحت الأرض بنور الرسالة؟! هل الحسين كان ليرضى أن يُحرق بسيفه الجدار الذي سُند الإسلام عليه؟! أم أنه، لو نطق بلسانه الطاهر، لقال إن من يحرف القضية لصالح الفتنة ليس من آل البيت ولا من شيعتهم، بل من سلالة الحقد الفارسي الذي لم يهضم للعرب قيادتهم، ولا للإسلام امتداده.ولم يكن العجب في الخصومة، فكل دولة كُتبت على جدارها ألف طعنة، لكن العجب أن ينقلب الحداد إلى موالٍ، وينسى الناس أنّ من صان اللغة، وحفظ القرآن، ونشر الإسلام، وسنّ القضاء، وأسس الدولة، لم يكن إلا تلك السلالة التي اتُهمت زورًا بالشهوات، وبُترت فضائلها من كتب التاريخ لصالح كتب العزاء المفتوح منذ ألف عام، تلك الكتب التي كتبتها الأقلام المرتعشة خلف أبواب طهران، لا لتبكي الحسين، بل لتطعن الأمة في خاصرتها.
فليعلم الذين يصطنعون الشهادة مدخلًا للفتنة، أن الحسين لا يُباع في سوق الطعن على الأمويين، ولا يُشترى بالدموع المتكررة في مآتم المساء، فالحسين فوق الطوائف، كما كان جده فوق العرش، ومن أحبّه بحق لا يتخذه ذريعة للهدم، بل يصونه كما يُصان الأصل، ويعترف أن من أسس الدولة، مهما أخطأ، قد حفظ الدعوة من التمزق، وسار بها بين رماح الفرس والروم حتى لا تموت.أما من أراد أن يقرأ التاريخ بعين واحدة، فليعلم أن الشهادة لا تعني الانتقام، وأن العدل لا يكون بتشويه وجه من أقام البناء، فلو كُتب على الدولة أن تُوزن بكربلاء وحدها، لما بقيت دولة على وجه الأرض لم تُهدم باسم الدم. ولكنها السنن، وسنة الله أن لا يُخلف الوعد، ولا يُهدم الصرح من حجارة المجد إلا إن أصرّ الناس على دفن فضائلهم في كفن الكراهية.
فيا من تطعنون، هل بينكم من بنى ما بنوه؟ أم إنكم لا تزالون ترفعون الشعار وتبكون على الأطلال، في حين أن الأمة تنام على ترابٍ لا يحرسه إلا الحنين؟!



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -حين تعزف الدولة على لحن فنائها: عزاءٌ لوطنٍ يُقصف من داخله-
- العراق… صندوقٌ فارسيُّ الأختام
- الطبيب الذي خلع عباءته… وصار جزارًا في معطفٍ أبيض .
- -ويحَ مَن آذى عائشة... فالعرضُ عرضُ نبيٍ والأذى أذًى للسماء- ...
- -مزرعة البروكرات... حين أُطفئت شموعُ العقل وأُشعلت قناديلُ ا ...
- العلم الذي يُغتال... وأمة تنزف ضوءها .
- العقدة الخالدة: سردية الكراهية المتجذّرة ضد العرب منذ فجر ال ...
- -كمب ديفيد الإيراني: سلام يشبه الهزيمة أم هزيمة تُسوّق كسلام ...
- ترامب وصعود ميزان القوة الجديد: حين تعثّرت التنانين وتاهت ال ...
- في مطلعِ الهجراتِ تبكي السنون
- الفنُّ... رسائلُ الخلود في حضارة الرافدين
- الفزاعة التي لبست عمامة الخلافة
- التحية الأخيرة أمام الكاميرا: عندما يذوب الانضباط في حضرة ال ...
- -سلامٌ على شفرة السكين: حين يبتسم الدخان في الشرق الأوسط-
- ياسين خضر القيسي... طائر الإبداع ووجع الثقافة في زمن التبدّد ...
- ميرفت الخزاعي... فراشة السرد التي حلّقت من شط العرب إلى سماء ...
- بين قيدٍ وركام: المسرح العربي في متاهة الإحباط والفقدان .
- إيران ومضيق هرمز... حين تتدلّى يد الغريق فوق زر الحرب
- -فوردو تحت الجبل وتحت المطرقة: الضربة التي أطاحت بظل إيران ا ...
- -حين تهاوت قم من برج الطاووس... وانكسر قرن المجوس في مرآة ال ...


المزيد.....




- مديرة الاستخبارات الأمريكية تتهم مسؤولين بإدارة أوباما بـ-فب ...
- بريطانيا تفرض عقوبات على ضباط استخبارات روس.. وتوجه رسالة إل ...
- ما هي خلفية الأزمة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر؟
- المرصد السوري: السويداء أفرغت من سكانها
- من هم العشائر في السويداء؟
- سفير أميركا بتركيا: إسرائيل وسوريا تتوصلان لوقف إطلاق النار ...
- سوريا وإسرائيل تتوصلان لوقف لإطلاق النار بدعم أردني تركي
- استطلاع: غالبية الإسرائيليين يؤيدون صفقة تبادل شاملة وإنهاء ...
- رويترز: الكونغو ستوقع بالدوحة اتفاق لإنهاء القتال مع المتمرد ...
- أنغام تفتتح مهرجان العلمين بعد تجاوز أزمتها الصحية


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -حين يصير المجد تهمة... ويُؤخذ التاريخ من مأتمٍ لا ينتهي-