أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العراق… صندوقٌ فارسيُّ الأختام














المزيد.....

العراق… صندوقٌ فارسيُّ الأختام


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8390 - 2025 / 7 / 1 - 07:55
المحور: قضايا ثقافية
    


لم تكن الصناديق يومًا في العراق صندوقَ الاقتراع كما ينبغي أن تكون، بل تحوّلت إلى صناديق طاعةٍ مطليةٍ بلون الولاية الفارسية، تصبّ فيها رغباتٌ مزوّقة بطلاء الديمقراطية، وتخرج منها نتائج معلّبة على شكل مرشحين لا يملكون من الوطنية إلا ما يملكه حجرٌ في حقل الغير. انتخابات؟ أيّ انتخاباتٍ هذه التي تبدأ إرادتها من قم، وتُختتم على طاولات فنادق بغداد؟
منذ عشرين عامًا والعراق يدور في نفس الحلقة المشؤومة. تغيّر الوجوه لا يعني تبدّل الإرادات، والصناديق لا تُفتح لتفرز اختيارات الشعب، بل لتُفرغ فيها أوامر الوليّ وأتباعه ومصالح المليشيات وأموال الفساد. من يظنّ أن أحدًا في الحكومة صعد من دون رضى فارس فهو إما واهمٌ أو شريكٌ في الكذبة الكبرى. الأمر لم يعد سرًا، بل أصبح عُرفًا سياسيًّا تمارسه السلطة بأريحيةٍ وسط صمتٍ أمريكيٍّ بارد، ومباركةٍ عربيةٍ جبانةٍ تتوسّل الرضا الإيراني وكأنها تسعى لأمانٍ في حضن الغدر.كان المفترض أن تكون صناديق الاقتراع بوابةً للتغيير، لكنها في العراق تحوّلت إلى حفرٍ تُدفن فيها أحلام الفقراء وتُصنّع فيها قوائم الموالين. تُجرى الحملات وتُعلّق اليافطات وتُنشَر الصور وتُستدرّ العواطف، بينما النتيجة محسومةٌ سلفًا. تجري الانتخابات، لكنها لا تُنتج برلمانًا، بل تُفرز مجلسَ تابعين، لا يتجرأ أحدهم أن يرفع رأسه خارج دائرة الضوء المرسوم له من وراء الحدود.من المؤلم أن ما يُقال عن "انتخابات نزيهة" و"إرادة شعب" في العراق ما هو إلا غلافٌ إعلاميٌّ هشّ، تغلّفه التقارير الدولية بماء الكلمات الدبلوماسية، بينما الحقيقة صادمة ومجرّدة: لا صوت يعلو على إرادة الخارج، ولا صندوق يُفرز إلا بما يخدم مصالحه.
والمفارقة أنّ هذه المسرحية تتكرّر كل دورة انتخابية: تملأ الساحات شعارات التغيير، ويُمنّى الناس بالأمل، وتغزو البرامج شاشات التلفاز، بينما اللاعب الخفيّ يحرك الخيوط، ويستنسخ التجربة ذاتها بنسخٍ أكثر وقاحةً وعلنية. لا جديد سوى الوجوه، أما النصّ فقديم، حفظه العراقيّون عن ظهر قلب. فكما بدأت اللعبة منذ عشرين عامًا، فإنها مستمرةٌ على ذات السيناريو، لم تتبدل إلا أدوات التجميل.وقد يخدع البعض نفسه بالقول إن التزوير مقصور على طائفةٍ دون أخرى، لكن الواقع أكثر تعقيدًا وأشدّ ألمًا. الجميع مشتركٌ في مسرح العبث، السنة قبل الشيعة، والأكراد قبل العرب، والتخادم بين الجميع يجري تحت الطاولة باسم "التوافق"، وهو في الحقيقة "تقاطع مصالح". ليس هناك بريءٌ في هذا المشهد، كلّهم مدانون بالتواطؤ، وكلهم يشتركون في الفتنة، وكلهم ساهموا في تقسيم العراق وتمزيق نسيجه، لا فرق بين عمامةٍ سوداء وبدلةٍ رسمية.ما يُدار في العراق ليس سوى امتدادٍ لمشروعٍ قديم تحلم به طهران، حيث يكون العراق تابِعًا لا شقيقًا، خادمًا لا شريكًا، ممرًّا للمخطط لا جدارًا له. ويبدو أن هذا الحلم الفارسي قد وجد له تربةً خصبةً من الخنوع، وحقلاً واسعًا من الجبناء، عربًا وأعاجم، تركوا العراق يواجه قدره منفردًا، بينما هم يُحيّون الخصم ويعانقون رايته في قم وطهران.والأدهى من كلّ ذلك أن أمريكا، التي كانت تملأ الدنيا وعودًا بالديمقراطية والحرية، أصبحت متفرّجةً باردةً على ما يُفعل بالعراق، بل تبارك من بعيد كلّ ما يرسّخ الهيمنة الإيرانية. صمتها لم يعد حيادًا، بل صار تواطؤًا ناعمًا، وتواطؤها لم يعد خفيًّا، بل صار سياسةً تُنفّذ على عينك يا تاجر.أمّا العرب، فهم إما منشغلون بحروبهم الداخلية، أو منبطحون على أعتاب فارس يطلبون الأمان ويمدّون خدماتهم دون خجل، كأنّ العراق ليس جارًا لهم، وكأنّ النار في بيته لن تصل إليهم يومًا ما.وهكذا، تسير اللعبة القذرة في العراق: صناديق تُدار من الخارج، مرشحون يُنتقون من الخارج، حكومةٌ تُفرض من الخارج، والداخل يُجرّ إلى حروبه الداخلية ليبقى مشغولًا عن عدوه الحقيقي. ويبقى العراقيّ، ذلك المواطن المصلوب على جدار الانتظار، يحلم بوطنٍ لا تُكتب نتائجه في طهران، ولا تُوقّع قراراته في السفارات، وطنٌ يعود له صوته وصندوقه وكرامته... لكنه حلم مؤجل في ليلٍ طويل، لا تشرق فيه الشمس إلا حين يقول الشعب كلمته، لا عبر الصندوق، بل عبر الوعي والرفض والمواجهة.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطبيب الذي خلع عباءته… وصار جزارًا في معطفٍ أبيض .
- -ويحَ مَن آذى عائشة... فالعرضُ عرضُ نبيٍ والأذى أذًى للسماء- ...
- -مزرعة البروكرات... حين أُطفئت شموعُ العقل وأُشعلت قناديلُ ا ...
- العلم الذي يُغتال... وأمة تنزف ضوءها .
- العقدة الخالدة: سردية الكراهية المتجذّرة ضد العرب منذ فجر ال ...
- -كمب ديفيد الإيراني: سلام يشبه الهزيمة أم هزيمة تُسوّق كسلام ...
- ترامب وصعود ميزان القوة الجديد: حين تعثّرت التنانين وتاهت ال ...
- في مطلعِ الهجراتِ تبكي السنون
- الفنُّ... رسائلُ الخلود في حضارة الرافدين
- الفزاعة التي لبست عمامة الخلافة
- التحية الأخيرة أمام الكاميرا: عندما يذوب الانضباط في حضرة ال ...
- -سلامٌ على شفرة السكين: حين يبتسم الدخان في الشرق الأوسط-
- ياسين خضر القيسي... طائر الإبداع ووجع الثقافة في زمن التبدّد ...
- ميرفت الخزاعي... فراشة السرد التي حلّقت من شط العرب إلى سماء ...
- بين قيدٍ وركام: المسرح العربي في متاهة الإحباط والفقدان .
- إيران ومضيق هرمز... حين تتدلّى يد الغريق فوق زر الحرب
- -فوردو تحت الجبل وتحت المطرقة: الضربة التي أطاحت بظل إيران ا ...
- -حين تهاوت قم من برج الطاووس... وانكسر قرن المجوس في مرآة ال ...
- حين استيقظَ الألمُ وبكى الخواء
- حين استيقظَ الألمُ وبكى الخواء .


المزيد.....




- قصة -الصندوق الأسود- لعصر حسني مبارك
- قواعد أميركية جديدة تدفع سائقي الشاحنات المكسيكيين لتعلم الإ ...
- عاجل | مصادر في مستشفى ناصر: 5 شهداء وعشرات المصابين بنيران ...
- طالب بـ10 مليارات دولار..ترامب يقاضي وول ستريت جورنال ومردوخ ...
- إعلام سوري.. تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء
- -فاجعة الكوت-.. العراق يعلن نتائج التحقيق الأولية بالحريق
- قاض أمريكي يرفض دعوى ترامب ضد الصحفي بوب ودورد مفجر فضيحة -و ...
- المبعوث الأمريكي يعلن -اتفاق سوريا وإسرائيل على وقف إطلاق ال ...
- السويداء.. بين المطرقة الإسرائيلية والدعم الأميركي للشرع
- إيران تعيد ترتيب أوراقها.. مؤشرات العودة إلى المواجهة


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العراق… صندوقٌ فارسيُّ الأختام