أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - حين تُطوى الراية قبل أن تذبل... عن إعادة رسم خرائط القوة بين رماد البنادق ومزامير النسيان














المزيد.....

حين تُطوى الراية قبل أن تذبل... عن إعادة رسم خرائط القوة بين رماد البنادق ومزامير النسيان


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8393 - 2025 / 7 / 4 - 16:44
المحور: قضايا ثقافية
    


في لحظة لم تكن محسوبة في رزنامة التوازنات القديمة، انحنت بندقيةٌ كانت تُعدّ من قِبل العيون المتربصة عنوانًا للممانعة، وأُغلقت أبواب ترسانةٍ ثقيلةٍ قيل إنها كانت تحرس الجنوب من عودة الذئب المستتر في جلد الدولة العبرية، فإذا بها تُسلَّم، لا إلى خزائن الوطن، بل إلى ظلها، إلى ذاتها وقد خفّ وهجها، كأنَّ اليد التي رفعتها ذات تموز، هي نفسها التي تنزلها، ولكن بلا تصفيق، ولا خطاب نصر، ولا دمعة شرف واحدة.
هي لحظة ما بعد الحرب، لكنها ليست لحظة السلام. بل لحظة تسليم رمزي، أبكم، ثقيل، يحمل من الدلالات ما يعجز عن تفكيكه ضجيج التصريحات. فحين تُسلّم راية المقاومة إلى المقاومة ذاتها، بعد أن قضمت النار ضلوع بيروت، وتكسّرت على جدارها أسماء من صُنّفوا "قادة"، تُفهم الرسالة لمن يقرأ بين دخان الانفجارات وبين أنين القرى المنسية. الراية نُكّست، أو ربما أُخفِيَت، لأن المسرح بات يتطلب مشهدًا جديدًا، بلا أبطال قدماء، وبلا شعارات لا تصلح لزمن إدارة الخرائط بالبزنس لا بالبندقية.
لقد استُهلكت الأوراق واحدة تلو الأخرى، حتى تلك التي نُسجت بخيوط الدم، وطُبعت عليها صور الشهداء وعبارات العز. وما تسليم السلاح، إلا مشهد من مسرحية طويلة، كتبت فصولها في مكاتب أكثر نظافة من الخنادق، وأكثر دهاءً من المدافع.لكن القصة لا تبدأ هنا، بل تعود إلى ما بعد سقوط بغداد، حين انفلق الجدار العربي، وسالت الجيوش كالرمل بين أصابع المحتل. يومها، لم يكن "التحرير" سوى قناع لتثبيت المذهب بالعنف، وإعادة طلاء التاريخ بألوان المظلومية المسمومة. ظهرت الأذرع، نبتت كالفطر، وتمددت، وادّعت الشرعية بـ"الثأر"، فحكمت باسم "النيابة عن الغائب"، وسرقت البلاد باسم انتظار الخلاص. إيران، في ذلك الزمن، لم تكن دولة، بل فكرة متسللة تتغذى على انهيار الحدود، وتشتري الوقت بسُحب الدخان والصرخات في المآتم.ولم يكن حزب الجنوب إلا رأس رمحٍ في معادلة أرادتها طهران طويلة النفس. فمن العراق إلى الشام، ومن صنعاء إلى بيروت، كانت "البندقية العقائدية" هي جواد الميدان، لا لأنها الأقوى، بل لأنها الأذكى في استغلال الفراغ. وكم ملأ هذا الجواد ساحات، وكم تنكّر لرفاق الأمس، وكم وُظِّف في مشاريع لا يُعرف إن كانت لحماية الأرض، أم لحراسة الولاية.
لكن الزمن دار، والدم أصبح عبئًا، والسلاح أصبح مكلفًا سياسيًا. وفي زمن الاقتصاد المنهار، والعملة التي تعانق الحضيض، والمجاعات المؤجلة في الأزقة، بات الصوت العالي مدعاة للريبة، والصرخة المقاومة مثار سخرية بين شعب يبحث عن رغيفٍ لا عن خطاب.وهنا تحديدًا، جاء تسليم السلاح الثقيل — لا كتنازل، بل كإيحاء بأن الدور شارف على نهايته، أو أُعيدت برمجته ليتناسب مع شرق أوسطٍ لا يتسع إلا لمن لا لون له، لا مذهب، لا خطاب. شرق أوسط تمحى منه الشعارات كما تمحى الجغرافيا، ليُعاد رسمه بأدوات أكثر نعومة، وأكثر إيلامًا.السؤال الذي يطفو في العتمة الآن: هل انتهى دور إيران؟ أم أنها تعود إلى غرف التحكم لا ساحات القتال، تمسح ما تراكم من حطبٍ وتحاول إشعال نارٍ جديدة بنوع آخر من البنزين؟ يبدو أنها – وقد جرّبت العسكر والعقيدة والدعاية – باتت تفكر بلغة الأسواق لا الجبهات. تعيد تدوير رجالها، تصنع ساسة من الميليشيات، وتحوّل القائد إلى مستشار، والمقاتل إلى ناطق رسمي.
بل ربما أدركت أن الإسلام السياسي، بنسختيه السنية والشيعية، بات خارج اللعبة، وأن زمنه انتهى بين طعنة الإخفاق العربي وتهوّر المشروع الطائفي. فها هو يُطوى كما تُطوى أعلام المهزومين، لا لأنهم هُزموا بالسلاح، بل لأنهم أفلسوا أخلاقيًا، وخسروا ثقة الجماهير، وأُسقطوا في ميزان التوازنات العالمية.بين جراح لم تندمل، وأوهام لم تتحقق، ومشاريع توسعية لم تُفلح إلا في خراب الداخل، يقف المشهد على حافة التحول. سلاح يسقط لا في معركة، بل في مساومة. وقوة تتراجع لا بفعل الهزيمة، بل بفعل الحسابات. أما الشرق الأوسط، فهو يُولد من جديد، لا كما حلمت به الشعارات، بل كما تريده عواصم القرار. وربما، في هذا المخاض المؤلم، لا مكان بعد اليوم لأولئك الذين أحبّوا البندقية أكثر من الوطن، وراهنوا على الطائفة أكثر من الإنسان، وخسروا الجميع في سبيل "الوليّ".



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفنان العراقي.. صوت الوطن المنفي
- -حين يصير المجد تهمة... ويُؤخذ التاريخ من مأتمٍ لا ينتهي-
- -حين تعزف الدولة على لحن فنائها: عزاءٌ لوطنٍ يُقصف من داخله-
- العراق… صندوقٌ فارسيُّ الأختام
- الطبيب الذي خلع عباءته… وصار جزارًا في معطفٍ أبيض .
- -ويحَ مَن آذى عائشة... فالعرضُ عرضُ نبيٍ والأذى أذًى للسماء- ...
- -مزرعة البروكرات... حين أُطفئت شموعُ العقل وأُشعلت قناديلُ ا ...
- العلم الذي يُغتال... وأمة تنزف ضوءها .
- العقدة الخالدة: سردية الكراهية المتجذّرة ضد العرب منذ فجر ال ...
- -كمب ديفيد الإيراني: سلام يشبه الهزيمة أم هزيمة تُسوّق كسلام ...
- ترامب وصعود ميزان القوة الجديد: حين تعثّرت التنانين وتاهت ال ...
- في مطلعِ الهجراتِ تبكي السنون
- الفنُّ... رسائلُ الخلود في حضارة الرافدين
- الفزاعة التي لبست عمامة الخلافة
- التحية الأخيرة أمام الكاميرا: عندما يذوب الانضباط في حضرة ال ...
- -سلامٌ على شفرة السكين: حين يبتسم الدخان في الشرق الأوسط-
- ياسين خضر القيسي... طائر الإبداع ووجع الثقافة في زمن التبدّد ...
- ميرفت الخزاعي... فراشة السرد التي حلّقت من شط العرب إلى سماء ...
- بين قيدٍ وركام: المسرح العربي في متاهة الإحباط والفقدان .
- إيران ومضيق هرمز... حين تتدلّى يد الغريق فوق زر الحرب


المزيد.....




- ماذا قال ترامب عن مقتل أمريكي على يد مستوطنين في الضفة الغرب ...
- أحمد الشرع: وساطة أمريكية وعربية وتركية أنقذت المنطقة من مصي ...
- مصدر لـCNN: إدارة ترامب تستعد لإتلاف 500 طن من المساعدات الغ ...
- اتفاق بين حكومة دمشق وقيادات درزية محلية لوقف إطلاق النار في ...
- ترامب يقر بأن إقالة رئيس -الاحتياطي الفيدرالي- قد تسبب اضطرا ...
- مصدر يكشف لـCNN عن تطور في -مفاوضات غزة- بشأن الخلاف حول تمر ...
- ستارمر يطالب بمحاسبة وزراء حزب المحافظين بعد تسريب بيانات بر ...
- كيف يتوزع النسيج الديني والعرقي في سوريا؟
- الشرع: الدروز جزء من سوريا وإسرائيل تريد تفكيك شعبنا
- الجزائر: دخول القانون الجديد لمكافحة المخدرات والمؤثرات العق ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - حين تُطوى الراية قبل أن تذبل... عن إعادة رسم خرائط القوة بين رماد البنادق ومزامير النسيان