أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -حين يكتب القيدُ البيان: الإعلام العربي بين بوق السلطان وصرخة الحقيقة-














المزيد.....

-حين يكتب القيدُ البيان: الإعلام العربي بين بوق السلطان وصرخة الحقيقة-


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8400 - 2025 / 7 / 11 - 12:07
المحور: قضايا ثقافية
    


ليست المشكلة في القلم، بل في اليد التي تقيده، ولا في الحرف بل في من يخشى أن ينطق، فحين يصبح الإعلامي العربي محاصرًا بين الاتهام الجاهز بالخيانة إن كتب، وبين الولاء المطلق إن سكت، تصبح السطور أرضًا ملغومة، وتغدو الكلمة جريمة مكتملة الأركان... تُدان قبل أن تُكتب، وتُحاكم قبل أن تُقرأ.في المنظومة العربية التي يحكمها الجبر لا الاختيار، والولاء لا الكفاءة، لا يُسمح للإعلامي أن يكون شاهدًا على الحقيقة. بل يُراد له أن يكون طبّالاً في مهرجانات التزييف، وراقصًا في سهرات التضليل، ومهرجًا في سيرك السلطة الذي لا يضحك فيه أحد سوى اللصوص. إن كتب الإعلامي عن الألم، اتُّهم بزرع الفتنة، وإن وصف الجوع، نُعت بالمندس، وإن صرخ من شدة القهر، وُصم بأنه عميل. فكيف يمكن للحق أن ينجو في بيئة تشرعن الباطل وتؤثثه بمذيعين و"محللين" و"مثقفين" مؤدلجين لا يعرفون من الحقيقة سوى طريقة دفنها.تحت عباءة الأنظمة العربية تتعرى الكرامة الإعلامية، ويُستبدل الشرف المهني بالولاء الشخصي، وتُكتب التقارير لا بالأرقام والحقائق، بل بما يرضي "المقام العالي"، وما يُسوّق لـ "الرؤية الحكيمة" التي تفتك بالشعوب كما يفتك السم بالحلق الجاف. الإعلامي الذي كان يُفترض أن يكون عين الناس، ولسانهم، وحامي ضميرهم، بات مجرد شاهد زور في قاعة المحكمة العربية الكبرى التي يُعدم فيها الصدق كل يوم شنقًا على شاشاتٍ ملوّنة، فيما يصفق الجمهور دون أن يدري لمن يصفق.وإذا تساءلتَ: لماذا يهاجر الإعلامي الشريف، والمثقف الصادق، والفنان النبيل؟ فالجواب لا يحتاج تحليلًا استراتيجيًا، ولا دراسة في فلسفة الإعلام، بل يكفيك أن تدخل إلى مؤسسة إعلامية رسمية لترى من يقف خلف الكاميرا ومن أمامها، من يكتب التقرير ومن يوقع عليه، من يجهد فكره ويرهق نفسه بحثًا عن المعلومة، ومن يسرق جهده ليظهر على الشاشة بربطة عنق وابتسامةٍ بلا روح. هناك، في الأستوديوهات المكيّفة، يجلس أنصاف الإعلاميين وأنصاف المثقفين بل وأنصاف البشر، ممن احترفوا التلوّن، وأتقنوا الرقص بين الحبال، وتعلموا كيف يكون المرء بوقًا وهو يظن نفسه عالِمًا.هؤلاء تجد عندهم السيارات الفارهة والبيوت المذهبة، وتسمع أسماءهم في الموائد السياسية كأنهم وزراء غير معلنين. لا لأنهم مبدعون، بل لأنهم عيون وأذناب ومخبرون، يقايضون الخبز بالمعلومة، ويبيعون الزملاء في مزاد القرب من صانع القرار. وهم لا يخجلون، بل يفخرون، ويطلبون التصفيق، بل ويُمنحون الجوائز! فيما يقف الإعلامي الحر عند أبواب المستشفى يبحث عن دواء لنفسه أو لطفله، ولا يجد غير راتبٍ هزيلٍ لا يسد جوعًا ولا يُغلق جرحًا.وهكذا، تتحول المؤسسات الإعلامية إلى قلاع فارغة من الفكر، مزدحمة بالألقاب، ويتحكم بها من لا يفقهون من الإعلام سوى شكله الخارجي، ومن الثقافة سوى ديكورات مكاتبهم، ومن الإبداع سوى صورهم وهم يبتسمون أمام عدسات النفاق. أما الإعلامي الصادق، الشجاع، الشريف، فهو دائمًا في آخر الصف، يُتهم بأنه "سلبي"، لأنه لا يصفّق، و"محبط"، لأنه يرفض النفاق، و"غير منسجم"، لأنه يرفض أن يكون دمية تُحركها أيدي الطغيان.
في هذا المناخ، لا عجب أن يهجر الطموح بلاده، وأن تحمل الموهبة حقيبتها وتسافر إلى فضاء أكثر رحمة. فالغربة التي تؤلم الجسد أرحم من الوطن الذي يُغتال فيه الضمير، والبرد الذي في المنافي أدفأ من دفءٍ زائفٍ تصنعه أبواق المنافقين في ظل السلطان.لكن، السؤال الذي يجب أن يُطرح: من الذي يكمّ الأفواه؟ من الذي يقتل الحقيقة؟ أهو النظام؟ أم المنظومة؟ أم نحن جميعًا حين نصمت على هذه المسرحية السمجة؟ لماذا نرضى أن يُهان المفكر، ويُجاع المثقف، ويُجتثّ الفنان، في حين يتصدر المشهد أولئك الذين لا موهبة لديهم سوى التملّق؟ لماذا يغدو الإعلام في بلادنا سيفًا على الحقيقة بدل أن يكون درعًا لها؟ ولماذا لا زال الإعلام العربي، في معظمه، يُدار بعقلية "دسّ السم في العسل"، فيكتب التقرير المحترف شكلاً، الفارغ مضمونًا، الموجّه لقتل كل فكرٍ مخالف؟..هذا الخلل ليس فقط إعلاميًا، بل حضاري، ثقافي، أخلاقي، يضرب عصب المجتمعات العربية كلها، ويجعل من التقدّم سرابًا، ومن التنمية كذبةً موسمية، ومن النهضة مشروعًا مؤجلًا إلى حين… وحين لا يأتي.الإعلام العربي لا يحتاج فقط إلى حرية، بل إلى تطهير، إلى إعادة تعريف لدوره، ومكانته، ومن يمسك بمقوده. لأن الكلمة حين تُقمع، تتحول إلى صرخة، وحين تُكبت، تُبعث في شكل لعنات، وحين تُمنع، تعود عبر طرقٍ لا تتقنها الأنظمة مهما بلغت من بطش… لأن الحقيقة، كالشمس، قد تُحجب يومًا، لكنها لا تُطفأ.وفي النهاية، سيكتب القيد البيان، ويصرخ الحجر في وجه الجلاد، ويستيقظ الإعلام من سباته حين يُرفع عن صوته ثقل الرقيب، وحين يُعاد للكرامة المهنية حقها في الصدارة لا في الصف الأخير… وعندها فقط، سيصبح الإعلام منارة لا مزرعةً للببغاوات.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -كردستان.. نداء القلب الواحد-
- انتفاضة الظل على صانعه: العراق بين احتضار النفوذ وولادة القر ...
- حين يُدفن الحرف حيًّا... مرثية التعليم في العراق
- -الريح تهدر من الجنوب... هل آن أوان النهاية-
- العزف على وتر الدم... حين تتحول المواكب إلى نارٍ تأكل الوطن
- وهج الدم الهادر… دروس الحسين التي لا تموت
- -رقصة النهاية في ميدان الدخان: أوكرانيا بين أنياب الدب وأطيا ...
- طعنة غُربة
- حين تُطوى الراية قبل أن تذبل... عن إعادة رسم خرائط القوة بين ...
- الفنان العراقي.. صوت الوطن المنفي
- -حين يصير المجد تهمة... ويُؤخذ التاريخ من مأتمٍ لا ينتهي-
- -حين تعزف الدولة على لحن فنائها: عزاءٌ لوطنٍ يُقصف من داخله-
- العراق… صندوقٌ فارسيُّ الأختام
- الطبيب الذي خلع عباءته… وصار جزارًا في معطفٍ أبيض .
- -ويحَ مَن آذى عائشة... فالعرضُ عرضُ نبيٍ والأذى أذًى للسماء- ...
- -مزرعة البروكرات... حين أُطفئت شموعُ العقل وأُشعلت قناديلُ ا ...
- العلم الذي يُغتال... وأمة تنزف ضوءها .
- العقدة الخالدة: سردية الكراهية المتجذّرة ضد العرب منذ فجر ال ...
- -كمب ديفيد الإيراني: سلام يشبه الهزيمة أم هزيمة تُسوّق كسلام ...
- ترامب وصعود ميزان القوة الجديد: حين تعثّرت التنانين وتاهت ال ...


المزيد.....




- خبير يبين لـCNN ما وراء تكثيف موسكو لضرباتها في أوكرانيا ودف ...
- انتشار فيروسي لفيديو بزعم أنه لـ-فتاة مسّتها روح شيطانية في ...
- قتال عنيف في مدينة الفاشر بين الجيش السوداني وقوات الدعم الس ...
- تقرير: الرئيس مسعود بزشكيان أصيب خلال الحرب مع إسرائيل
- إسبانيا: أمطار غزيرة في إقليم كاتالونيا تتسبب بفقدان شخصين و ...
- وفاة عامل مكسيكي في كاليفورنيا إثر عملية دهم لإدارة الهجرة
- حزب أسكتلندي يدعو الحكومة البريطانية للاعتراف -فورا- بفلسطين ...
- الجيش الأوكراني: أكثر من مليون قتيل وجريح روسي منذ بداية الح ...
- باكستان تنفي تعرضها لضغوط أميركية للاعتراف بإسرائيل
- مشاهد توثق استهداف السرايا تجمعات للاحتلال وخطوط الإمداد بخا ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -حين يكتب القيدُ البيان: الإعلام العربي بين بوق السلطان وصرخة الحقيقة-