أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العراق حين يقصف قلبه: من يقصف الكرد














المزيد.....

العراق حين يقصف قلبه: من يقصف الكرد


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8406 - 2025 / 7 / 17 - 13:56
المحور: قضايا ثقافية
    


ليس أشد وجعًا على وطنٍ من أن ينقلب على ذاته، أن يوجه مدافعه نحو ضلعٍ من أضلعه، نحو الجبل الذي ظل يسند جسده في كل انكسار، نحو الكرد الذين كانوا على الدوام شوكة في حلق الغزاة، وسياجًا صلبًا في وجه كل من حاول أن ينال من وحدة هذا العراق المصلوب على خرائط التاريخ والخذلان.أي معنى أن تقصف دولةٌ شعبها؟...أي منطقٍ هذا الذي يبرر تحويل الجبال إلى رماد، وبيوت الكادحين إلى ركام، والمدارس إلى أطلال، والحقول إلى رماد يتناثر مع الريح؟
أي تفسير يمكن أن يمنحه لنا التاريخ حين يسجل أن العراق، لا عدوًّا من وراء الحدود، بل العراق نفسه قصف مناطقه الكردية، بذريعة حقوقٍ لم تُعرّف، واتهامات لم تثبت، وذرائع لا تصمد أمام حقائق التاريخ ومروءة الجغرافيا؟....لقد كان الشعب الكردي على مدى عقود، شعبًا نبيلاً صبورًا، لم يكن يوماً عدوانيًا، لم يتجاوز على غيره، بل كان دائمًا ذلك الحضن الدافئ، الصدر المفتوح لكل من احتمى به من عربٍ، وتركمان، وسريان، وكل من أتعبه العنف أو أضناه الظلم في بلادٍ تقاسمتها العواصف.من الذي أعطى الإذن بالقصف؟ ومن الذي تجرّأ أن يقطع عن الكرد لقمة العيش؟..هل أتاكم نبأ من سبق من الحكومات؟..لم يحدث في تاريخ العراق، حتى في أيام الشدة، أن قُطع قوت شعبٍ بكامله، لم تُقطع الرواتب، بل كانت تصل وتزيد، لأن المسألة لم تكن يومًا صدقة من الدولة، بل استحقاقًا طبيعيًا لشعبٍ هو أحد أعمدةالوطن، وأحد أوتاده المتجذرة في عمق الأرض.لكننا اليوم أمام مفارقة مخيفة: بدل أن تعتذر الحكومات عن التاريخ الثقيل من القهر والتهميش، تتورط في مزيد من التنكيل، تقصف الجبال والقرى، وتقطع الرواتب عن الموظفين، وكأنها تقول: "اذهبوا إلى المجهول... هذا جزاؤكم لأنكم بقيتم مخلصين لوطن لم يكن دائمًا مخلصًا لكم".الكرد لم يرفعوا سلاحًا إلا في وجه الظلم، ولم يخونوا عهدًا مع الشركاء إلا حين خُذلوا، ولم يحيدوا عن الدفاع عن كرامتهم حتى في أقسى اللحظات.هم من قاتل مع الجميع، وفتحوا بيوتهم للنازحين من الجنوب والغرب، حين ضاقت الأرض بأهلها.
هم من احتضن الجريح، وأكرم الضيف، وكانوا على الدوام مشروعَ سلامٍ لا فتنة.ولم تكن قيادتهم إلا حكيمة في أشد اللحظات اضطرابًا، دعت إلى الحوار، واحتوت الأزمات، وحافظت على الدم، حتى حين كان يُسال ظلماً.فأي خيانة نرد بها على هذا الاحتواء؟..أي عدالة تجيز أن يُقطع الراتب عن مدرسٍ لم يقاتل، عن طبيبٍ يعالج الجميع بلا تفرقة، عن جندي يحرس الحدود؟..هل أصبحت لقمة الكرد ورقة سياسية؟ وهل صار الجوع وسيلة عقاب جماعي، في عراقٍ يفترض أنه تحرر من دكتاتوريات الأمس؟!..إن قطع الرواتب لا يقل قبحًا عن القصف، فالرغيف حين يُجتزأ يتحول إلى صرخة، والراتب حين يُحجب يصبح لعنة على من منعه، فكيف إذا اجتمع القصف والجوع؟..من الذي ربّى أبناءه في أحضان كردستان؟..من الذي فرّ إليها من جحيم الحروب؟..من الذي نام في دفء سكنها حين كان وطنه يحترق؟..إنه العراقي بكل ألوانه، من الموصل والبصرة والناصرية وبعقوبة والرمادي.
كلهم عرفوا أن كردستان ليست مجرد إقليم، بل مأوى، ووطن ضمن الوطن، يحمل وجع العراق كاملاً ويصبر عليه...أيها السادة في القرار، إن الشعب الكردي ليس بحاجة إلى منّة من أحد، بل يطالب بحقه الكامل، في ثروات العراق، في حصته العادلة من الميزانية، في احترام تاريخه ونضاله وتضحياته...إنه شعبٌ كان يستحق أن يُكافأ، لا أن يُعاقب...كان حريًّا بالعراق أن يتعلم من كردستان معنى التعايش، ومعنى التسامح، لا أن يقصفها بحجة القانون، وهو نفسه لم يحترم القانون يوم أدار ظهره للاتفاقات.لماذا لا يعود القوت كما كان؟...لماذا لا تُرفع اليد الثقيلة عن الجبل؟..لماذا لا يعود الحوار بدل الطائرات، والتفاهم بدل التهديد؟..كردستان ليست خارجة عن العراق، بل هي القلب حين يصمت الجميع، والعقل حين تجن العواطف. أعيدوا الرواتب قبل أن يجف الحليب في صدور الأمهات.أوقفوا القصف قبل أن تتحول الحجارة إلى دموع.اجعلوا من الكرد جسرًا لا خصمًا، واحفظوا هذا الشعب النبيل الذي ظل وفيًا حتى وهو ينزف.العراق لا يُشفى بقصف الكرد، بل يُشفى حين يعود الكرد إلى صدارة القرار، شركاء لا تابعين، أصلًا لا زوائد.
وحين يكتب التاريخ هذه الأيام، سيضع علامة استفهام كبرى على دولة قصفت شعبها... وسيسأل الأجيال القادمة: من يقصف نفسه ليطالب بحقٍ عند نفسه؟..وحين لا يجد الجواب، سيقول:إنها مأساة العراق حين صار الجبل متهمًا، والجائع مذنبًا، والوفي خائنًا.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحت الطاولة... فوق الأعناق: حين تفاوض إيران على رقاب عشاقها
- حمورابي حين خطّ القانون على صخرة العدالة
- -حين انطفأت شمعة بغداد ونام الجمل في الظلام-
- الحسينُ بين دمعِ الخلود... وبدعِ الجهالة
- -غريبٌ في دفتر الوطن-
- -حينَ يتقاضى الغريب وتُسلب يدُ الحارس خبزَها-
- خرابٌ بني على الوهم: سردية الفوضى ومأساة الدولة الموءودة
- -حين يكتب القيدُ البيان: الإعلام العربي بين بوق السلطان وصرخ ...
- -كردستان.. نداء القلب الواحد-
- انتفاضة الظل على صانعه: العراق بين احتضار النفوذ وولادة القر ...
- حين يُدفن الحرف حيًّا... مرثية التعليم في العراق
- -الريح تهدر من الجنوب... هل آن أوان النهاية-
- العزف على وتر الدم... حين تتحول المواكب إلى نارٍ تأكل الوطن
- وهج الدم الهادر… دروس الحسين التي لا تموت
- -رقصة النهاية في ميدان الدخان: أوكرانيا بين أنياب الدب وأطيا ...
- طعنة غُربة
- حين تُطوى الراية قبل أن تذبل... عن إعادة رسم خرائط القوة بين ...
- الفنان العراقي.. صوت الوطن المنفي
- -حين يصير المجد تهمة... ويُؤخذ التاريخ من مأتمٍ لا ينتهي-
- -حين تعزف الدولة على لحن فنائها: عزاءٌ لوطنٍ يُقصف من داخله-


المزيد.....




- بسبب -كثرة المصافحات-.. البيت الأبيض يكشف سبب ظهور كدمات على ...
- للمرة الأولى في الإتحاد الأوروبي.. سلوفينيا تمنع وزيرين إسرا ...
- مراسلون بلا حدود: ترامب يستلهم أساليب الأنظمة الاستبدادية
- حرب غزة تسبب مشاكل عقلية لآلاف الجنود الإسرائيليين
- مسؤول سوري: القصف الإسرائيلي يعرقل البحث عن الأسلحة الكيميائ ...
- -عدالة مُضللة-.. كيف دمرت خوارزميات البريد البريطاني حياة ال ...
- بيت ديفيدسون ينتظر مولوده الأول من شريكته إلسي هيويت
- راجت إحدى أغانيها على تيك توك مؤخرا.. وفاة كوني فرانسيس عن ع ...
- أردوغان: الهجمات الإسرائيلية على سوريا تُهدد المنطقة بأكملها ...
- محلل درزي سوري لـCNN: إسرائيل لا تحمي الدروز.. وتستخدم السوي ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العراق حين يقصف قلبه: من يقصف الكرد