أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - الحسينُ بين دمعِ الخلود... وبدعِ الجهالة














المزيد.....

الحسينُ بين دمعِ الخلود... وبدعِ الجهالة


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8402 - 2025 / 7 / 13 - 21:28
المحور: قضايا ثقافية
    


في أرضٍ لا تجفُّ فيها المآذنُ من صوتِ التهليل، ولا تغفو تربتُها عن أنينِ الشهداء، كانت كربلاءُ موعدًا بين السماء والأرض، بين الدمِ والرسالة، بين السيوفِ التي تثخنُ الصدورَ، والقلوبِ التي لا تساوم على الحقّ. هنا، حيث توقّف الزمنُ باكيًا على مشهدِ الحسين، لا ليرثي جسدًا قُطع، بل ليبكي عدالةً ذُبحت، ومبدأً دُفن تحت سنابك الجهل.ولأن المصيبةَ لم تكن كأيّ مصيبة،فدموعُها لم تجف، ولم تنقطع مواويلُ الحزنِ في أروقةِ العاشقين لهذا الإمام، لكنّ بين الوفاءِ والانحرافِ خيطًا رقيقًا، متى انقطعَ، صار المجدُ مَسخرة، والرسالةُ مَطيةً للجهلاء.إننا لا نكتب هنا على الحسين، فالحروفُ تقف خجلى عن وصفِ من أنار بدمه دروبَ الحرية، لكننا نكتب عن الذين جعلوا من مصيبتهِ ميدانًا للبهلوانيات، ومن حزنِه ثيابًا للوحل، لا لدمعٍ يطهّر القلوب، بل لمشهدٍ يهزأ به العالم.فما بين من يلطمُ خده حتى يتورم، ومن يَضربُ نفسه بالسيوف، ومن يغمسُ جسده بالطين، ومن يسيرُ على النار، لم يبقَ للحسين من نهضتهِ إلا ما يُعرض في نشرات الأخبار على أنه جنونٌ جماعي باسم الدين. وكأن الطينَ يُقربنا من طهرِ كربلاء، أو أن السياطَ على الظهور تُجدد فينا الحزن، في حين أن الحسين نهضَ ليكسرَ أغلالَ العقول لا ليُسلّمها إلى خرافةٍ تغتالُ الوعي.كان الحسين مدرسةً للثبات، والوعي، والبصيرة، لا مسرحًا للبكاءِ الطائش، ولا زفةً تُطبلُ فيها الطبول لطقوسٍ لا نعرفُ من أيّ هندٍ جاءت، ولا من أيّ غلوٍ استُنبطت.أيليقُ بالحسين، وهو الذي أبى أن يُبايع الباطل، أن يكون اسمه مطيّةً للذين يستثمرون في الجهل؟..وهل كان يرضى أن يخرج أتباعُه في مواكبَ يشتمها العقلاء قبل الجهلاء، لمجرد تقليدٍ أعمى لم يُعرف عن أهل البيت، ولا عن فقههم، ولا عن ورعهم؟..إنَّ أكثرَ ما أساءَ للحسين ليس رصاصُ يزيد، بل بعضُ من ادّعى حبه فأخرجه من ضوء الرسالةِ إلى نفقِ التخريف، ومن رحابةِ الإسلامِ إلى زواريب البدعة.فالحسين لم ينتصر بالجسد، بل بالفكر. لم يكن قائدَ طقوس، بل قائد نهضة. لم يُقتل لينقلبَ عزاؤهُ إلى أسواقٍ ومنافساتِ مواكب ومراسم تطغى فيها المظاهر على المواقف، وتُنسى فيها وصايا الإمام في صدقِ الكلمة، ونُبلِ الهدف، وحكمةِ الموقف.نحن لا نُعيبُ البكاءَ الشريف، ولا نحجرُ على منكسري القلوب حين تذكر كربلاء، ولكننا نُعاتب من جعل من الحزنِ تجارةً، ومن الدمعِ مهرجانًا، ومن العزاءِ مسرحًا للارتجال الطقوسيّ.
فهل الحسين بحاجةٍ لمن يجلدهُ بالسلاسل، أم بحاجةٍ لمن يُجلدهُ بالصوتِ على منابر الحق؟
هل رسالته أن يُغطى الجسدُ بالطين، أم أن تُغسل العقول من جهلٍ أبقاها في الوحل؟..في زمنٍ تعصف فيه الفتن بالعراق، وتمتدُّ أذرعُ الطائفية لتخنقَ حلم الوحدة، يصبح من الواجب أن نُراجع أنفسنا. لا لنُصادر مشاعرَ أحد، بل لنُهذبها بما يليقُ بسيد الشهداء...فمن أحبّ الحسين، فليقرأه جيدًا، لا من فوقِ المنابر، بل من عمقِ الموقف.من أحبّ الحسين، فليحمل قضيته لا رمحه، حكمته لا حزنه فقط، صموده لا مواكبه، صلاته لا نحيبه.
إننا حين نرفضُ الطقوسَ الدخيلة، لا نهينُ الحسين، بل نُنصفه. حين نُحذرُ من الغلو، لا نخونُ القضية، بل نُحميها.ولأن العراقَ اليوم بأمسّ الحاجةِ إلى العقل، لا إلى العويل؛ إلى التوحد لا التمزق؛ إلى المضمون لا الشكل، فليكن الحسين كما أراده الله: منارةً للعدل، لا مشهدًا غريبًا تُؤخذ عليه طائفة بأكملها.أيها الأحبة، إن الحسين ليس طقوسًا تُعرض، بل فكرٌ يُغرس.ليس مشهدًا يُعاد، بل موقفٌ يُستعاد.فلا تُخرِجوا الحسينَ من محرابِ الحق إلى أزقة الغلو.كونوا كما كان، لا كما يشتهيه أعداؤه.وليكن الحسين منبرَ علمٍ لا منبرَ بدع.من أراد أن يُبكي الحسين، فليبكِ جهلَنا.
ومن أراد أن يُعزّيه، فليكن سلوكه حُجةً له، لا عليه.الحسين باقٍ... لكن على من يعي البقاء.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -غريبٌ في دفتر الوطن-
- -حينَ يتقاضى الغريب وتُسلب يدُ الحارس خبزَها-
- خرابٌ بني على الوهم: سردية الفوضى ومأساة الدولة الموءودة
- -حين يكتب القيدُ البيان: الإعلام العربي بين بوق السلطان وصرخ ...
- -كردستان.. نداء القلب الواحد-
- انتفاضة الظل على صانعه: العراق بين احتضار النفوذ وولادة القر ...
- حين يُدفن الحرف حيًّا... مرثية التعليم في العراق
- -الريح تهدر من الجنوب... هل آن أوان النهاية-
- العزف على وتر الدم... حين تتحول المواكب إلى نارٍ تأكل الوطن
- وهج الدم الهادر… دروس الحسين التي لا تموت
- -رقصة النهاية في ميدان الدخان: أوكرانيا بين أنياب الدب وأطيا ...
- طعنة غُربة
- حين تُطوى الراية قبل أن تذبل... عن إعادة رسم خرائط القوة بين ...
- الفنان العراقي.. صوت الوطن المنفي
- -حين يصير المجد تهمة... ويُؤخذ التاريخ من مأتمٍ لا ينتهي-
- -حين تعزف الدولة على لحن فنائها: عزاءٌ لوطنٍ يُقصف من داخله-
- العراق… صندوقٌ فارسيُّ الأختام
- الطبيب الذي خلع عباءته… وصار جزارًا في معطفٍ أبيض .
- -ويحَ مَن آذى عائشة... فالعرضُ عرضُ نبيٍ والأذى أذًى للسماء- ...
- -مزرعة البروكرات... حين أُطفئت شموعُ العقل وأُشعلت قناديلُ ا ...


المزيد.....




- ترامب يقرر إرسال صواريخ باتريوت إلى أوكرانيا
- مقتل العشرات في اشتباكات مسلّحة جنوب سوريا
- وفاة محمد بخاري رئيس نيجيريا السابق عن 82 عاما بعد مسيرة حكم ...
- سوريا: اشتباكات دامية بين الدروز والبدو في السويداء تسفر عن ...
- قتلى وجرحى خلال اشتباكات طائفية في السويداء، فماذا يحدث في ا ...
- ماكرون يقرر زيادة الإنفاق الدفاعي بـ4 مليارات دولار في 2026 ...
- عباس: حماس لن تحكم غزة والحل الوحيد تمكين الدولة الفلسطينية ...
- مورسيا : مدينة يقطنها مهاجرون من شمال أفريقيا تهتز على وقع ا ...
- ماكرون يعلن عن خطة لتسريع الإنفاق العسكري في فرنسا
- تحطم طائرة في مطار ساوثند شرقي لندن وإغلاق المطار حتى إشعار ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - الحسينُ بين دمعِ الخلود... وبدعِ الجهالة