أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -حين انطفأت شمعة بغداد ونام الجمل في الظلام-














المزيد.....

-حين انطفأت شمعة بغداد ونام الجمل في الظلام-


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8404 - 2025 / 7 / 15 - 13:01
المحور: قضايا ثقافية
    


ذات وجع، ذات شتاء، ذات صيف... لا فرق، فالحرارة تسكن في العظام، والبرد يسكن في البطون، والناس بين لفحة تموز وزمهرير كانون لا يملكون سوى عيون تحدق بمدفأة خامدة ومروحة نائمة على سرير الفقر. الكهرباء؟ آهٍ من الكهرباء، قصة عشقٍ من طرفٍ واحد، نرسل لها المليارات، فترد علينا بالظلام، نخطب ودها بالعقود، فتخوننا في العهود، نرفع لها الأبراج فتهوي كأنها أعواد ثقاب، ونرسم لها المحطات فتتبخر كأنها سراب في وزارة تُشبه مقهى بلا ضوء، وزراء يخططون لإنارة القمر ويعجزون عن إضاءة فانوس طفل في مدينة الثورة.
ماذا حصل؟ وهل تسأل نملة عن خرائب الفيلة؟ من كان يصدر الكهرباء صار يستورد الظلام مغلفاً بختم "صُنع في الخارج"، ومن كان يمنح الماء للضفاف صار يشتريه بامتنان من الصهاريج. عشرون عامًا أو يزيد، والكلاب تُطارد ذيولها، والمواطن يطارد موعدًا لا يأتي مع الطاقة، ميزانيات تنهض بها قارات، تحولت إلى أعمدة خشبية تنقضّ على أسلاك عارية، في مسرحية عبثية تبدأ بلا بداية ولا تنتهي.
أموالٌ لو وُظّفت بعقلٍ ورؤية، لكان في صحرائنا لكل جمل مروحةٌ تُداعبُ سنامه وتُهدهده بنسيمٍ بارد وهو يستمع لنشرة أخبار المشاريع المنجزة! لكن بدلاً من ذلك، صارت المشاريع كالحكايات، تبدأ بالحماسة وتنتهي بعبارة: "المشروع قيد الإنجاز منذ ٢٠١٠".
أما الماء، فكان أيام زمان ينساب عذبًا في الأزقة مثل نشيد عراقي قديم، اليوم يأتي كأنه مغسول بدموع المجاري، فيه من طعم المجازر أكثر من طعم النهر، ماءٌ إذا رأيته استغفرت، وإذا شربته استفرغت، وإذا غسلت به صحنك صار الطبق أثقل ذنبًا. والكلور؟ أرخص من شاي الكافتريا، لكن يبدو أن عند الحكومة حساسية من الرخص، فلا ترضى إلا بكل ما هو باهظ، حتى وإن كان الخراب.وعندما تضيق بك الدنيا وتذهب لتدفع "جباية البلدية"، تنظر لك الموظفة من خلف الزجاج وكأنك ذاهب لتستجدي السماء، فتقول لك: "الرسوم الجديدة ٦٥ ألف دينار كل ٣ أشهر"، فتسألها: "لماذا؟"، فترد: "أمر من فوق". هذا "الفوق" صار مثل سقف مائل، كل شيء يسقط منه على رؤوسنا: الضرائب، الفواتير، القرارات، وحتى المزاج السيئ!..يُقال إن الصومال بدأت تتخلص من صندوق النقد، ونحن ما زلنا نغرق فيه كأنه حوض سباحة بلا إنقاذ، حتى الصومال يا قوم! الدولة التي كانت مرادفًا للجوع، بدأت تتنفس اقتصادًا ونحن نتنفس ديونًا، وسوريا التي ما زالت ركامًا بدأت تشعل أعمدة النور،ونحن نُطفئ شمعة بعد شمعة.أما مصر، "أم الدنيا" التي كنّا نُضحك على كهربائها، صارت تُصدر لنا الفولتات، ونحن نعيد شحن علاقتنا بجيراننا كي يمنّوا علينا بساعات قليلة.وماتت أحلامنا كما مات حلم الجمل في الصحراء .. لكن لا شيء يدور سوى وعود السياسيين، وكل ما يسير معه، يسير على الظلام.هؤلاء الذين باعونا "أحلام وطن" هم أنفسهم الذين يشترون لأبنائهم جوازات سفر أجنبية، ليهربوا من وطن قالوا إنه "أعظم من الحلم". أي حلم؟ العراق؟ ذاك العراق الذي تحول من بيت الحكمة إلى غرفة انتظار في صالة طوارئ الأمم؟ أي خيانة هذه التي تجعل من ابن الوطن أشد حرصًا على حدود دولة غريبة من حرصه على وطنه؟ يعطيها النفط، والماء، والكهرباء، والروح، ويقول: "استثمري بي، فحكومتي لم تفعل!"....جحا لو عاش هنا لباع حماره واشترى "مولدة"، والبخلاء لو زاروا وزاراتنا لبكوا من البذخ الذي يُصرف كي يُقال: "ها نحن نعمل!"، أي عمل؟ العمل الوحيد الذي نجح هو إعادة تدوير نفس الوجوه التي حكمتنا منذ ٢٠٠٣ حتى تعب المرآة من عكس صورهم.الناس هنا لا يعيشون، بل يتحمّلون الحياة كما يتحمّل الحمار كيس الإسمنت، لا أحد يشتكي لأنه يعرف أن الشكوى لمن؟ للحكومة؟ كأنك تشكو العطش لسراب. في هذا البلد، أصبح المواطن مثل زر الكهرباء... يُضغط عليه كل لحظة ولا يضيء شيئًا.وفي النهاية، لا أحد يعرف هل نحن دولة؟ أم متحف؟ أم نكتة؟ كل ما نعرفه أننا من وطنٍ يُطفئ نوره بيديه، ثم يسأل: "لماذا نحن في الظلام؟"...فيا أبناء الحكمة البائدة، ويا ورثة جحا ونوادر البخلاء، ويا أنتم يا من جعلتم من العراق شمعة محترقة في مهب ريح... ناموا ولا تقلقوا، فقد دخلنا في عصر الظلام الإلكتروني، وسنُصدر قريبًا "ماءً ملوثًا وكهرباءً مقطوعة وابتسامة صفراء"... صنع في العراق، وبفخر!



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحسينُ بين دمعِ الخلود... وبدعِ الجهالة
- -غريبٌ في دفتر الوطن-
- -حينَ يتقاضى الغريب وتُسلب يدُ الحارس خبزَها-
- خرابٌ بني على الوهم: سردية الفوضى ومأساة الدولة الموءودة
- -حين يكتب القيدُ البيان: الإعلام العربي بين بوق السلطان وصرخ ...
- -كردستان.. نداء القلب الواحد-
- انتفاضة الظل على صانعه: العراق بين احتضار النفوذ وولادة القر ...
- حين يُدفن الحرف حيًّا... مرثية التعليم في العراق
- -الريح تهدر من الجنوب... هل آن أوان النهاية-
- العزف على وتر الدم... حين تتحول المواكب إلى نارٍ تأكل الوطن
- وهج الدم الهادر… دروس الحسين التي لا تموت
- -رقصة النهاية في ميدان الدخان: أوكرانيا بين أنياب الدب وأطيا ...
- طعنة غُربة
- حين تُطوى الراية قبل أن تذبل... عن إعادة رسم خرائط القوة بين ...
- الفنان العراقي.. صوت الوطن المنفي
- -حين يصير المجد تهمة... ويُؤخذ التاريخ من مأتمٍ لا ينتهي-
- -حين تعزف الدولة على لحن فنائها: عزاءٌ لوطنٍ يُقصف من داخله-
- العراق… صندوقٌ فارسيُّ الأختام
- الطبيب الذي خلع عباءته… وصار جزارًا في معطفٍ أبيض .
- -ويحَ مَن آذى عائشة... فالعرضُ عرضُ نبيٍ والأذى أذًى للسماء- ...


المزيد.....




- تحوّل مغاير كليًا.. شاهد كيف ردت روسيا على عزم ترامب تزويد أ ...
- -أخيراً، ترامب يتوصل إلى الطريق لإيقاف آلة الحرب الروسية- - ...
- اتفاق لوقف إطلاق النار في السويداء.. وإسرائيل تأمر بمهاجمة ق ...
- إسبانيا تطلب تعليق اتفاق الشراكة الأوروبي مع إسرائيل مادامت ...
- للمرة الأولى.. فرنسا تمنح حق اللجوء لجميع الغزيين غير المشمو ...
- 3 حالات خلال 10 أيام.. انتحار الجنود يكشف عمق الأزمة النفسية ...
- احتفال في مدينة يوتوبوري السويدية بمناسبة الذكرى 67 لثورة 14 ...
- ثورة الخصوبة في الشرق الأوسط .. أطفال أقل مشاكل أكثر؟
- الولايات المتحدة: إجلاء 500 شخص على الأقل من منطقة غراند كان ...
- نيس: --صدمة كبيرة-- بعد منح محكمة فرنسية كنيسة أرثوذكسية ومق ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -حين انطفأت شمعة بغداد ونام الجمل في الظلام-