أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - عباس الويس.. لوكس التحدي في عتمة السرد














المزيد.....

عباس الويس.. لوكس التحدي في عتمة السرد


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8408 - 2025 / 7 / 19 - 14:59
المحور: قضايا ثقافية
    


ثمة أقلام لا تُكتب بالحبر، بل بالوجع، بالضوء المقطر من جراح الوطن، وثمة أدباء لا يمتهنون الحكاية بل يُولدون منها، يعيشون داخل السرد كما يعيش الطفل في رحم أمه، لا ينفصل عن نبضها، ولا يكتب إلا ليمنح العالم معنى أكثر صدقاً من الواقع. ومن هذه القامات الإبداعية المتوهجة، يبرز القاص العراقي عباس خضير الويس، ابن ديالى، الذي لم يكتفِ بأن يكون شاهداً على الألم، بل قرر أن يوثّقه، أن يمنحه لساناً ناطقاً، وقلباً نابضاً، وعيناً تبكي حين ينطفئ النور في (كرفان) بعيد، أو حين يعلو صراخ المولد على بكاء طفل وُلد بقلب مثقوب.عباس الويس ليس مجرد أديب، بل حالة سردية فريدة، من طينة أولئك الذين لا يسيرون خلف الحداثة، بل يصنعونها، يشكلونها من نبض الأرض وهموم الناس، ويكتبون حروفهم كأنها طينٌ عراقي يُبنى به بيت من الكرامة والجمال. وهو إذ يكتب، يفعل ذلك بعينين مفتوحتين على الهاوية، وبقلبٍ لا يزال يؤمن، رغم كل شيء، أن العراق يستحق ضوءاً غير هذا الذي تومضه شرارات المولدات، وأن الفجر ليس حلماً، بل استحقاقاً يجب أن يُنتزع من فم الظلام.ولد الويس عام 1955، في أرض تتنفس التاريخ وتُثمر على ضفافها شجرة البرتقال والمقاومة، وترعرع بين زوايا الألم والجمال، بين برد الفقر ودفء الحلم. تخرج من معهد الإدارة، ولكن روحه كانت تُدار من شغف القص، لا من دفاتر الأرقام. عضويته في اتحاد الأدباء والكتاب في العراق منذ العام 1998 ليست مجرد عضوية إدارية، بل وثيقة انتماء حقيقي لعالم الإبداع، وثمرة سنوات من الترحال بين المجلات والصحف والمنابر التي نشر فيها صوته المتفرد، بدءًا من مجلة الإذاعة والتلفزيون، ومجلة المرأة، إلى مجلة ديالى وألق وتامرا، مرورًا بالصحف الكبرى كالجمهورية والقادسية والراصد، حتى وصوله إلى المنصات الأدبية في إيطاليا وكوسوفا وألمانيا وبنغلادش والهند، في ترجمة رمزية لحقيقة أن الصوت الصادق لا يعرف حدوداً ولا لغات.لكن الإبداع الحق لا يُقاس بعدد ما نُشر، بل بعمق ما كُتب، وهنا تتجلى عبقرية عباس الويس. فهو لا يكتب ليحاكي اللغة، بل ليشظيها، ليعيد ترتيب العالم عبر الحكاية. في مجموعته القصصية البديعة "حالة طارئة"، الصادرة عن دار الشؤون الثقافية عام 2002، يعبر الويس عن اللحظة العراقية كما لو أنها عتبة وجودية، يقف عليها الإنسان بين موتٍ مؤجل، وولادة لم تكتمل. يقول في قصته المعنونة باسم المجموعة:
( "احتبست دموعه في عينيه في اللحظة نفسها التي توقف فيها صوت المولد العملاق الذي يغذي كرفانات العمال البعيدين بالكهرباء... كان قد وصل تواً من إجازته الدورية التي قضاها في المستشفى إلى جنب زوجته وطفله البكر الذي وُلد بقلب مثقوب.")
هذه ليست مجرد جملة افتتاحية، بل مرآة لعراقٍ مثقوب القلب، لأبٍ عراقي عاد من المستشفى ليجد في الصمت صوتًا آخر للفجيعة، في انقطاع الكهرباء دلالة على انقطاع الحياة نفسها. وهكذا يمسك الويس بلغة شعرية عالية النبرة، تنقل الحزن لا بالصراخ، بل بالهمس، وتجعل من كل جملة خيطًا في نسيج وطني متين، من الألم والكرامة معًا.ولأنه ينتمي إلى جيل يعرف أن الأدب ليس زينة للغلاف، بل موقف أخلاقي وروحي، يكتب الويس عن السلطة كأنها غول أسطوري، ويصف وجع النساء والفقراء وكأنهم أولياء الأرض الذين أنكرهم الزمن، لكنه يخلدهم في قصصه. لا يخشى في قصّه أحداً، لأنه لا يكتب على مقاس أحد، بل يكتب بجرأة المثقف الذي يرى أن الصمت خيانة.في مجموعته المقبلة "رمانة الدم"، التي تضم خمس عشرة قصة، يتابع الويس مشروعه السردي في الحفر داخل الجراح، لا بوصفها نكبات، بل بوصفها علامات حياة، بصمات شعبٍ لا يموت رغم كل المحارق، يستلهم من ذاكرته المشروخة تاريخاً من الطغاة والفقراء، من الأحلام المقموعة، ومن الدماء التي تُزهق باسم الوطن وتُنسى.ومع كل ذلك، يبقى الويس، رغم انكساراته، مشروعًا مستقبلياً للأمل، رجلًا يؤمن بأن ما نعيشه "حالة طارئة"، لا أكثر، وأن العراقيين الذين اخترعوا "اللوكس" ليتحدوا عتمة الحكومات، قادرون على إشعال شمعة أكبر، تنير مستقبل الأجيال.ليس غريبًا أن يكون عباس الويس من بيت عرف بالثقافة والسمعة الطيبة في ديالى، فالتاريخ لا يخذل جذوره، ولا الشعر يخطئ في اختيار أهله. لقد عاش مرارة الحياة كإنسان قبل أن يُنضجها على الورق كأديب، خاض صراعات الفكر الظلامي، ودفع أثمانًا باهظة من عمره وروحه، لكنه ظل واقفًا، يكتب، ويصر على أن ما نمر به ليس قدَرًا، بل نازلةٌ لا بد أن تُرفع.هذا هو عباس الويس... صوت من ضوء، ونبض من تراب العراق، شاعر الحكاية، وراوي النور في زمن الظلام.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين احترقنا.. كان المسؤول يُهدي -لكزس- لعشيقته
- بُكاءُ الجَمرِ في نُزولِ المطرِ المُتَرب
- العراق حين يقصف قلبه: من يقصف الكرد
- تحت الطاولة... فوق الأعناق: حين تفاوض إيران على رقاب عشاقها
- حمورابي حين خطّ القانون على صخرة العدالة
- -حين انطفأت شمعة بغداد ونام الجمل في الظلام-
- الحسينُ بين دمعِ الخلود... وبدعِ الجهالة
- -غريبٌ في دفتر الوطن-
- -حينَ يتقاضى الغريب وتُسلب يدُ الحارس خبزَها-
- خرابٌ بني على الوهم: سردية الفوضى ومأساة الدولة الموءودة
- -حين يكتب القيدُ البيان: الإعلام العربي بين بوق السلطان وصرخ ...
- -كردستان.. نداء القلب الواحد-
- انتفاضة الظل على صانعه: العراق بين احتضار النفوذ وولادة القر ...
- حين يُدفن الحرف حيًّا... مرثية التعليم في العراق
- -الريح تهدر من الجنوب... هل آن أوان النهاية-
- العزف على وتر الدم... حين تتحول المواكب إلى نارٍ تأكل الوطن
- وهج الدم الهادر… دروس الحسين التي لا تموت
- -رقصة النهاية في ميدان الدخان: أوكرانيا بين أنياب الدب وأطيا ...
- طعنة غُربة
- حين تُطوى الراية قبل أن تذبل... عن إعادة رسم خرائط القوة بين ...


المزيد.....




- فسيفساء بومبيي الإيروتيكية.. كنز سرقه النازيون قبل 80 عامًا ...
- فرنسا وإسبانيا تكافحان حرائق الغابات وسط ظروف جوية صعبة.. شا ...
- رصاص بالحذاء وطيار واجه الموت.. ما قصة أول اختطاف طائرة في ا ...
- هل مهاجمة ترامب لمؤيديه المطالبين بالكشف عن قائمة -عملاء إبس ...
- -محاولة للسيطرة على الدولة-.. اتهامات جديدة للرئيس الكوري ال ...
- مقتل 32 فلسطينياً بنيران إسرائيلية خلال تواجدهم قرب مركز توز ...
- الكونغو الديمقراطية وحركة -إم23- توقعان اتفاق سلام في الدوحة ...
- غياب العين الأميركية في سيناء.. فجوة رقابية تربك إسرائيل
- مفاجأة بفضيحة كولدبلاي.. زوج السيدة الخائنة -رئيس تنفيذي-
- فيديو..-سيارة مجهولة- تصدم حشدا في لوس أنجلوس


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - عباس الويس.. لوكس التحدي في عتمة السرد