أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - تَجَلّيات الحضارة الإغريقية بين وهج البدايات ومرآة التأثير العربي














المزيد.....

تَجَلّيات الحضارة الإغريقية بين وهج البدايات ومرآة التأثير العربي


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8412 - 2025 / 7 / 23 - 20:28
المحور: قضايا ثقافية
    


في مطالع الزمان، حين كانت البشرية تخطو أولى خطواتها نحو النور الفكري، بزغت من ضفاف بحر إيجة شمس حضارة حملت على أكتافها أعباء الفكر والبحث، وشقت للإنسان دربًا نحو التأمل والاكتشاف والجدل والدهشة، إنها الحضارة الإغريقية، ذلك النسيج الباذخ من العقل والحس، من الفن والعلم، من الفلسفة والملاحم. لم تكن الإغريقية حضارة حجارة فحسب، بل حضارة أسئلة، حضارة الإنسان في اشتباكه مع الكون، في صراعه مع قدره، في بحثه المحموم عن المعنى والغاية.نشأت هذه الحضارة بين طيات الجزر والمدن المتناثرة كالعقد الفريد على رقعة من الأرض عرفت لاحقًا ببلاد الإغريق، وبلغت ذروتها في القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، حين ارتقى سقراط بجراح السؤال، وبنى أفلاطون مدينته الفاضلة فوق حروف الفكرة، وسار أرسطو متأبطًا المنهج والمنطق، مؤسّسًا لعقل كوني جديد. لقد كانت أثينا، تلك المدينة الصغيرة، ميدانًا فسيحًا لصراع الحرية والمعرفة، حيث اخترعت الإنسانية نظامًا للحكم يُشبه الحلم: الديمقراطية، وحيث طوّع الإنسان الحجر ليصبح معبدًا، والشعر ليكون شريعة، والمسرح ليكون مرآة للروح.ومع سقوط المدن وسُبات الزمن، ظنّ البعض أن الإغريق قد مضوا وانتهوا، لكن حضارات لا تموت، بل تغيّر هيأتها وتهاجر بأفكارها، حتى تجد أرضًا جديدة تُعيد فيها ولادتها. وهكذا، حينما أُسدلت ستائر الظلام على أوروبا في عصورها الوسطى، كانت شُعلة الإغريق تتوارثها حضارة أخرى: الحضارة العربية الإسلامية، التي احتضنت رماد الماضي، ونفخت فيه الروح من جديد.في بغداد، حيث كانت العقول تُضيء الليل كما تفعل النجوم، أُنشئت دار الحكمة، وهناك بدأت رحلة الميراث الإغريقي نحو الضاد. تُرجمت كتب أفلاطون وأرسطو، وشرّحها ابن رشد، وراجعها الفارابي، وجدلها الكندي، ثم سار بها ابن سينا نحو أفق جديد من التأمل العقلي والتحليل المنطقي. لم يكتف العرب بالترجمة، بل أعادوا البناء، وأضافوا، وفسروا، واختبروا، وجرّبوا، حتى غدت النصوص اليونانية، وقد صُقلت بالعقل العربي، ذات وجه آخر أكثر نضجًا وحياة.لم تكن العلاقة بين الإغريق والعرب علاقة نقل جامد، بل علاقة تفاعل وتثاقف. فعلماء العرب الذين قرأوا أرسطو لم يُعيدوه كما هو، بل خالفوه وناقشوه، وحين ترجموا إقليدس وأرشميدس لم يركنوا للانبهار، بل طوّروا النظرية، ووسعوا الدلالة. لقد كانت الحضارة العربية الإسلامية ـ في ذلك العصر الذهبي ـ أشبه بمحرّك ضخم يحوّل الموروث الإغريقي إلى طاقة تدفع البشرية إلى الأمام، حتى إذا جاءت أوروبا عصر النهضة، لم تجد في متناول يدها إلا ترجمات العرب وشروحهم ومكتباتهم، فنهلت منها، وأقامت نهضتها على أساس لم تبنه وحدها.ولئن كانت الفلسفة والعلم أبرز تجليات هذا التبادل، فإن الفن والعمارة لم يكونا بعيدين عن هذه الرحلة. فقد تسربت إلى العمارة الإسلامية بعض السمات الهلنستية، ولكنها اختلطت بروح الزخرفة العربية، فكانت القباب والمنارات والنقوش، امتدادًا للمعابد القديمة ولكن بلغة جديدة. حتى في الموسيقى، وفي النثر الفلسفي، وفي العلوم التطبيقية، كانت الأصداء الإغريقية تجد طريقها في نهر الحضارة العربية الواسع، دون أن تذوب فيه، بل تُعاش وتُبعث وتُحاور.إن العلاقة بين الحضارة الإغريقية والحضارة العربية ليست فصلًا من فصول التأريخ الثقافي فحسب، بل هي مرآة تعكس تلك القدرة الإنسانية الهائلة على أن تتوارث الشعوب الحكمة كما تتوارث الأرض والماء، وأن تمد الحضارات جسورًا من العقل تتجاوز الدين والعرق والجغرافيا. فالفكر لا وطن له، والعقل حين يُضاء، لا يسأل من أوقده، بل يُضيء ما حوله فحسب.
واليوم، ونحن نقرأ كتب أفلاطون وأرسطو وسقراط في جامعات العالم، لا نقرأها بلغتها الإغريقية الأصلية وحدها، بل نقرأها أيضًا بما فسره ابن رشد، وما فهمه الفارابي، وما استوعبه ابن سينا، وما دونه العرب في خزائنهم، لنفهم أن الإرث الإنساني حين يُصان، لا يظل حكرًا على أمة، بل يصبح ملكًا للإنسانية جميعًا.وهكذا، تبقى الحضارة الإغريقية نجمة ساطعة في سماء التاريخ، ويظل العرب، في عصورهم الذهبية، رُسلًا أوفياء لذلك النور، إذ حافظوا عليه وورّثوه، وأضافوا إليه من روحهم، حتى لا يطفئه الظلام. وبين أثينا وبغداد، وبين الفلسفة والمنطق، بين الحكمة والمعرفة، خطّ الإنسان رحلة العقل، وبنى صرح الحضارة الذي نعيش ظلاله حتى اليوم.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضحكة التريليون… وبكاء الخدعة الكبرى
- ملحمة جلجامش أقدم من تراتيل أنخيدوانا… ولكن لكل بداية معراجه ...
- إنخيدوانا وصوت الأدب الأول من معابد العراق
- عباس الويس.. لوكس التحدي في عتمة السرد
- حين احترقنا.. كان المسؤول يُهدي -لكزس- لعشيقته
- بُكاءُ الجَمرِ في نُزولِ المطرِ المُتَرب
- العراق حين يقصف قلبه: من يقصف الكرد
- تحت الطاولة... فوق الأعناق: حين تفاوض إيران على رقاب عشاقها
- حمورابي حين خطّ القانون على صخرة العدالة
- -حين انطفأت شمعة بغداد ونام الجمل في الظلام-
- الحسينُ بين دمعِ الخلود... وبدعِ الجهالة
- -غريبٌ في دفتر الوطن-
- -حينَ يتقاضى الغريب وتُسلب يدُ الحارس خبزَها-
- خرابٌ بني على الوهم: سردية الفوضى ومأساة الدولة الموءودة
- -حين يكتب القيدُ البيان: الإعلام العربي بين بوق السلطان وصرخ ...
- -كردستان.. نداء القلب الواحد-
- انتفاضة الظل على صانعه: العراق بين احتضار النفوذ وولادة القر ...
- حين يُدفن الحرف حيًّا... مرثية التعليم في العراق
- -الريح تهدر من الجنوب... هل آن أوان النهاية-
- العزف على وتر الدم... حين تتحول المواكب إلى نارٍ تأكل الوطن


المزيد.....




- ما هي الخيارات البديلة لإرجاع الرهائن وإنهاء حكم حماس والتي ...
- اجتماع اسطنبول: إيران تحث الترويكا الأوروبية على عدم تفعيل - ...
- لا يريدون التوصل لاتفاق-.. شاهد ما قاله ترامب عن حركة حماس أ ...
- بيان سوري-أميركي-فرنسي: اتفاق على عقد مشاورات بين دمشق و-قسد ...
- فرنسا تدق ناقوس الخطر.. أول عجز سكاني في البلاد منذ 80 عاماً ...
- ترحيب عربي وتنديد أمريكي باعتراف فرنسا بـ -دولة فلسطين-، و10 ...
- هل تؤثر أحداث السويداء على مسار رفع العقوبات الأمريكية عن سو ...
- طهران بعد اللقاء مع الترويكا الأوروبية: المحادثات كانت -جادة ...
- -اغتيالات دقيقة واختراقات ذكية-.. هل فقدت طهران السيطرة أمام ...
- ألمانيا -لا تعتزم الاعتراف بدولة فلسطينية في الأمد القريب-


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - تَجَلّيات الحضارة الإغريقية بين وهج البدايات ومرآة التأثير العربي