محفوظ بجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8390 - 2025 / 7 / 1 - 10:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يقول عالم الاجتماع إميل دوركايم: "عندما نتكلم، فالمجتمع هو من يتكلم فينا." هذه العبارة تحمل في طياتها عمقًا فكريًا هائلًا حول العلاقة الجدلية بين الفرد والمجتمع، وكيف أن أفكارنا ومعتقداتنا ليست دائمًا ملكًا لنا، بل هي نتاج لتأثيرات اجتماعية وثقافية متشابكة.
فالفرد في مجتمعه يعيش حالة من الانصياع غير الواعي، حيث تتشكل هويته الفكرية والثقافية تحت ضغط عوامل خارجية كثيرة، تكاد تحكم كل تفاصيل حياته الفكرية. ومن هنا تأتي الحاجة الماسة للتحرر من ثلاثة "سجون" أساسية تعيق استقلالية الفكر وتجعلنا سجناء لعادات وتقاليد وأفكار مكررة.
السجن الأول هو سجن العقل المحفوظ، حيث نجد أنفسنا نردد أفكارًا جاهزة، محفوظة سلفًا في أذهاننا دون تمحيص أو نقاش. هذه الأفكار قد تكون موروثة من الأسرة، أو المدرسة، أو الإعلام، ولا نقوم أبداً بمراجعتها أو تحديها. إنّ قبول هذه الأفكار كما هي، دون تفكير نقدي، يجعل العقل سجينا بحد ذاته، ويحول دون ولادة أفكار جديدة تتناسب مع متطلبات عصرنا.
أما السجن الثاني فهو سجن الآخر، وهو سجن نفسي واجتماعي يتمثل في نظرة الناس إلينا، ورغبتنا في رضاهم والقبول الاجتماعي. فكما قال الفيلسوف سارتر: "الآخر هو الجحيم". نحن كثيراً ما نخشى أن نحيد عن المألوف خوفًا من الرفض أو السخرية، وبهذا نقتل في أنفسنا الإبداع والتمرد الضروري للتطور. هذا السجن يجعل الإنسان مقيدًا بأفكار ومواقف ليست ملكه، بل ما يريده الآخرون له.
وأخيرًا، هناك سجن البيئة والثقافة التي نشأنا فيها، حيث تُفرض علينا قيود غير معلنة عبر التقاليد والعادات، والتوقعات الاجتماعية. هذا السجن أحيانًا أكثر تعقيدًا، لأنه يتغلغل في أعماق هويتنا ويُعطينا شعورًا زائفًا بالانتماء، بينما يقيد طموحاتنا وأفكارنا. الخوف من "ماذا سيقول الناس؟" يعوق كل محاولة للحرية الفكرية، ويحولنا إلى أسرى للجمود الثقافي.
إن لم نتحرر من هذه السجون الثلاثة، سنظل نحارب طواحين الهواء، مدافعين عن أفكار لا تتسم بالعقلانية أو المنطق، بل أحيانًا تأخذنا إلى التطرف والجمود الفكري الذي يقتل الحوار والتقدم.
إنها دعوة إنسانية صادقة لنقف جميعًا على عتبة التحرر الفكري الحقيقي، لنبني حضارة إنسانية تستند إلى العقل والحرية والابتكار. لنغادر عصور الظلام ونخطو بثقة نحو عصور الأنوار، دون تردد أو خوف.
فالفكر الحر هو الطريق الوحيد لبناء مجتمع مزدهر قادر على مواجهة تحديات العصر.
#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟