أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محفوظ بجاوي - خراب العقول حين تغيب الفلسفة














المزيد.....

خراب العقول حين تغيب الفلسفة


محفوظ بجاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8357 - 2025 / 5 / 29 - 08:37
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


حين يُستبدل العقل بالصوت المرتفع
في كل أمة لحظة مفصلية، تقف فيها على العتبة بين النهضة والانحدار، بين العقل والصوت، بين السؤال والصدى. ولعلّ من أبلغ مؤشرات هذه اللحظة، أن نرى انحسار الفلسفة، وتمدّد البلاغة؛ أن نرى الفيلسوف يُقصى إلى الظل، والخطيب يُقدّم إلى المنبر؛ أن تُغتال الأسئلة باسم الإجماع، وتُخنق الأفكار بذريعة الثوابت.
الفلسفة لا تموت لأن الحياة لفظتها، بل لأن المجتمع نفاها. لا تختفي لأن أسئلتها عبثية، بل لأن عقولنا لم تَعُد مستعدة لمواجهتها. نحن من قررنا طرد الفيلسوف من ساحاتنا العامة، من مدارسنا، من إعلامنا، بل ومن وعينا. ونحن من زرع في الأجيال المتعاقبة أن التفكير الزائد خطر، وأن السؤال فتنة، وأن الشك كفر.
في المقابل، احتُفِي بالخطيب، لا لأنه أضاء الطريق، بل لأنه أراح المستمعين من عناء التفكير. صوته قوي، ألفاظه بليغة، يستحضر الآيات والأمثال، لكنه نادرًا ما يترك لك سؤالًا. هو يزوّدك بإجابات جاهزة، وأحيانًا بمشاعر مشحونة، لكنه لا يعينك على البحث، ولا يشجعك على التأمل، بل على التصفيق.
هل ماتت الفلسفة؟ لا. لقد تم نفيها رمزيًا، وتمّ تجفيف منابعها من الداخل:
ماتت في المدرسة، حين تحوّلت إلى مجرد مادة تُحشى لأجل الامتحان.
ماتت في الجامعة، حين صار المفكّر موظفًا يخشى الخروج عن النص.
ماتت في الإعلام، حين تم تهميش من يُفكّر لصالح من يُؤثّر.
ماتت في البيت، حين صرنا نعتبر الطفل الذكي متمرّدًا، والناقد وقحًا.
وإن أردنا تسميةً أدق: لم تمت الفلسفة، بل مات احترامنا لها.
في المجتمعات التي تجاوزتنا، ظل الفيلسوف جزءًا من النسيج الثقافي، وظل السؤال الفلسفي محترمًا، وظل التعليم يؤسّس للعقل، لا للاتباع. هناك، لا يُتَّهم المفكر بإثارة الشبهات، بل يُحتفى به لأنه يوقظ الوعي. هناك، لا يُقصى النقد، بل يُعتبر أعلى درجات المواطنة.
أما نحن، فكلّما ظهر صوت عقلاني، قيل له: “دعك من الفلسفة، نحن نحتاج إلى حلول واقعية”، وكأنّ الفكر ترف، لا أداة بناء. وكأنّ النقد تآمر، لا ممارسة حضارية.
نخشى العقل لأننا لم نعتد أن نواجه أنفسنا. نخشى السؤال لأننا ورثنا ثقافة الجواب الواحد. نخشى الفيلسوف، لأنه لا يمنحنا الطمأنينة، بل يُقلقنا باسم الحقيقة.
هل يمكن إنقاذ الفلسفة في أوطاننا؟ نعم، ولكن بشروط.
ليس بإعادة مادة الفلسفة إلى المناهج فحسب، بل بإعادة روح السؤال إلى المدرسة.
ليس بإشراك المفكر في الإعلام فقط، بل بخلق إعلامٍ لا يخاف من الفكرة.
ليس بتأسيس مراكز للفكر، بل بإزالة الوصاية عنه.
ليس بمجرد طباعة الكتب، بل بتكوين جمهور يحترم العقل، ولا يطرده من دائرته.
إن أمة تُقصي الفيلسوف، هي أمة تدفن عقلها حيًّا.
وإن وطنًا يُعلّي صوت الخطيب على صوت المفكر، يُمهّد لثقافة الهتاف، لا لنهضة الإنسان.
الفلسفة لا تزدهر حيث يعلو الصراخ، بل حيث يُسمح للصمت أن يُنصت للتأمل.
ولا تُزهر في أرضٍ تخاف السؤال، بل في بيئة تُكرّم العقل وتُحرّض على النقد.
لن نُعيد للحياة معناها، ما لم نُعِد للفكر مكانته.
ولن نخطو إلى الأمام، ما دمنا نُصفّق لكل من يرفع الصوت، ونُقصي من يرفع العقل.



#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جذور ثابتة وهوية لا تُشترى: الجزائر وطن ضارب في التاريخ لايم ...
- الطاعة و الخضوع بين التنشءة والواقع الإجتماعي: قراءة في مواق ...
- في يوم الطالب:من جيل التحرير إلى جيل البناء... هل مازلنا أوف ...
- السياحة الدينية في الجزائر: كنوز مهدرة وفرص ضائعة
- لماذا أنا متشائم؟
- العقل المتهم... والدجل المحصَّن
- في المرآة لا أحد
- لم أُخلق لأربح بل لأصمد: قصة تشاؤم بلا هزيمة
- غريب بين وطنين
- ركضت طويلا، فوجدت نفسي في النهاية: الحسرات تطاردني، والزمن ل ...
- التعليم الرديء يصنع دولة فاشلة : حين تصعد الرداءة من القسم إ ...
- لأنني محفوظ بكم
- حين يصمت الوعي، ويتجمد الموقف....الحياد يصبح خيانة ناعمة!
- جيل يواجه المجهول : لا تُكرّروا خيانة العقول _أمة تطفيء مصاب ...
- من المعلم إلى الواعظ: كيف فقدت المدرسة الجزائرية رسالتها الت ...
- الأنتماء اللامشروط وخيانة الوطن : حين يصبح الوطن محطة لا أصل ...
- الدبلوماسية الجزائرية بين الأمس واليوم : من الاتزان إلى الار ...
- من الذاكرة : قصتي مع أمي وأبي
- العقيدة الموروثة : حين يصبح الإيمان قيدًا بدلًا من أن يكون و ...
- من ذاكرتي : عندما لا تغادرنا الأوجاع


المزيد.....




- صانعة المحتوى اللبنانية عبير الصغير تحتفل بخطوبتها في أجواء ...
- صانعة المحتوى عبير الصغير تحتفل بخطوبتها.. تفاصيل حصريّة عن ...
- -بخطوة نادرة-.. مسؤول يكشف لـCNN: وزير الخارجية السعودي سيزو ...
- ترامب: بكين -انتهكت بالكامل- الاتفاق مع واشنطن بشأن الخفض ال ...
- -برا وبحرا وجوا-.. -نيويورك تايمز- تكشف بنودا من مذكرة أوكرا ...
- الولايات المتحدة.. سحب طماطم ملوثة بالسالمونيلا قد تفتك بالم ...
- السيسي يتلقى اتصالا من رئيس وزراء اليونان بعد أزمة دير سانت ...
- تحذيرات من -أسلوب جديد- لسرقة أموال المصريين عبر الهواتف
- -سبيس إكس- تخطط لإرسال روبوتات إلى المريخ
- كاتس يهاجم ماكرون: اعترافكم بفلسطين مجرد ورق يلقى بمزبلة الت ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محفوظ بجاوي - خراب العقول حين تغيب الفلسفة