محفوظ بجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8339 - 2025 / 5 / 11 - 02:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا يُعدّ التعليم مجرد قطاع خدمي، بل هو العمود الفقري لأي مشروع حضاري. فالمدرسة ليست مكانًا لتلقين الدروس فحسب، بل هي فضاء لصناعة الإنسان والمواطن والفاعل في التاريخ. وعندما تفشل المدرسة في أداء هذه الوظيفة المحورية، فإن النتيجة لا تقتصر على تلميذ ضعيف المستوى، بل تمتد لتشمل مؤسسات هشة ونخبًا عاجزة، ومجتمعًا يغرق في الرداءة والانحدار.
من التلميذ الضعيف إلى صانع القرار الكارثي
حين لا يتعلم الطفل التفكير النقدي، ولا يُربّى على قيم المواطنة والانتماء، فإن أول ما يفقده هو وعيه بمسؤوليته كفرد داخل المجتمع. لكنه لا يبقى طفلًا إلى الأبد، بل يكبر ويصبح ناخبًا، أو إداريًا، أو إعلاميًا، أو حتى مسؤولًا حكوميًا. وهكذا تصعد الرداءة لا لأنها تملك الكفاءة، بل لأنها وحدها التي تم إعدادها - عن غير قصد - لتملأ الفراغ.
المؤسسة التعليمية كمصنع للفشل العام
التعليم الرديء لا ينتج فقط متعلمين ضعفاء، بل يعيد إنتاج بيئة اجتماعية كاملة تحكمها الرداءة، وتغيب عنها الكفاءة. الإعلامي يضلّل لأنه لم يتعلم أمانة الكلمة، والأستاذ يكرّس الجهل لأنه هو نفسه نتاج منظومة فاشلة، والمسؤول يوقّع قرارات كارثية لأنه لا يملك أدوات الفهم والتحليل. النتيجة: دائرة مفرغة من الفشل تتكرر جيلاً بعد جيل.
الرداءة كنظام لا مجرد خلل
حين تُكرّس الرداءة، تتحول إلى منظومة قائمة بذاتها: تحمي نفسها، وتستنسخ نفسها، وتخوّن كل من يعارضها. في هذا السياق، يصبح المتفوق خطرًا، والمستقل مزعجًا، والمفكر مهددًا "للنظام العام". وتُستبدل الكفاءة بالولاء، وتُقمع الجرأة، ويُعاقب أصحاب النزاهة.
إصلاح التعليم ليس ترفًا بل ضرورة وجودية
لا مخرج من هذا النفق إلا بإصلاح جذري يبدأ من فلسفة التعليم وأهدافه، ويشمل إعادة تكوين المعلمين، وتحرير المناهج من الأدلجة، وربط المدرسة بالحياة بدل الشعارات. فإصلاح التعليم لا يعني فقط تحسين العلامات أو نسب النجاح، بل هو الشرط الأول لأي نهضة حقيقية.
لأنه ببساطة: عندما تفشل المدرسة، ينهار كل شيء. وعندما تُهمل العقول، تصعد الرداءة لتُدير المصير.
#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟