محفوظ بجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8334 - 2025 / 5 / 6 - 08:27
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
جيل اليوم لا يشبه الأجيال السابقة، ولا يعيش في زمن يمكن تطويعه بالترهيب أو تهدئته بالخُطب والمواعظ. إنه جيل محاصر بكمّ هائل من المعلومات، محكوم بقسوة المنافسة، ومستهدف بشتى أنواع التضليل الرقمي والإيديولوجي. ومع ذلك، لا تزال المنظومة التعليمية في الجزائر تُدار وكأننا في زمن الطباشير والخرافة.
الأدهى من ذلك أن السلطة، بدل أن تُعِدّ هذا الجيل لأدوات العصر، تُعيد إنتاج جريمة تربوية ارتُكبت بحق أجيال سابقة، حين سُلّمت عقولهم للإخوان المسلمين، فحوّلوا المدارس إلى مصانع تلقين، لا مؤسسات تفكير. غُرست فيهم الشعارات بدل الأسئلة، واليقين بدل الشك المنهجي، فخرجوا إلى الحياة مُحمّلين بوهم "الأمة"، بينما هم في الحقيقة ضحايا لا يملكون أدوات قراءة واقعهم.
واليوم، نرى آثار تلك السياسة واضحة: تخلف فكري، هشاشة في الوعي، قابلية للاستقطاب، وغياب شبه تام للروح النقدية. تُقصى الفلسفة من المدارس أو تُقدَّم مشوّهة بلا روح، لأن السلطة تخشى عقلًا يُناقش، يُسائل، ويطالب. لكن الخطر الحقيقي ليس في تدريس الفلسفة، بل في غيابها.
جيل اليوم يستحق أكثر من ذلك. لا تظلموه مرّتين: مرة باسم الدين، ومرة باسم الخوف. افتحوا له أبواب الفلسفة، والتفكير الحر، والنقاش، والشك، والدليل، والتاريخ، والأدب. فالعقول التي تُدرَّب على التفكير، لا تُقاد، بل تقود.
إننا لا نناشد من أجل رفاهية فكرية، بل من أجل بقاء الدولة نفسها. فلا مستقبل لأمة تُسلّم أبناءها إلى الجهل المُمنهج، بينما العالم يُسلّح أبناءه بالعلم والعقل.
كفى استغباءً. وكفى تكرارًا لأخطاء قاتلة. حان الوقت لأن تكون المدرسة مصنعًا للوعي، لا مختبرًا لتفريخ الأوهام.
#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟