محفوظ بجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8341 - 2025 / 5 / 13 - 22:42
المحور:
سيرة ذاتية
لماذا أنا؟
لماذا تعكس كلماتي ظلًّا ثقيلًا، ونظرتي للحياة تميل نحو الانكسار أكثر من النور؟
لا أعرف إن كان الأمر عائدًا لطفولةٍ قاسية، أم لتربيةٍ خلت من الحنان، أم هو التعليم الذي زرع فينا الطاعة بدلًا من الفهم، والخوف بدلًا من الشجاعة.
وربما... لأنني كنت منذ البدء مشروع خيبة يسير على قدمين.
قرأت كثيرًا للفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور. كان الظلام في كلماته يشبهني، واليأس فيها لا يغريني، بل يفسرني. يقول إن الرغبة هي أصل المعاناة، فكلما أردنا شيئًا، تأهّب الألم ليحتفل بخسارتنا. كان شوبنهاور يكتب وكأنما يمسك بمصباحٍ صغير في نفقٍ روحي، يضيء لي العتمة لا لأخرج منها، بل لأعرف شكلها الحقيقي.
ثم، ربما تكمن الإجابة في داخلي، في ذلك الجزء العسكري من شخصيتي.
رأيت نفسي دومًا جنديًّا خاسرًا، خرج من كل المعارك حيًّا، لكنه لم يربح يومًا شيئًا لنفسه.
كنت أقاتل، وأمنح، وأمضي. لم أنتظر شيئًا، لأنني كنت أعرف أن لا شيء يُمنَح مجانًا لمن هم مثلي.
وُلدتُ في المدينة الكبيرة، وفي أحد أحيائها عرفت طعم الازدحام والحياة المزدوجة بين الحلم والخوف.
ثم عشتُ وقتًا في شرقها، حيث الناس يركضون خلف الرغيف، ولا يدرون أن الجوع أحيانًا يسكن الروح لا الجسد.
وبعدها... تونس.
أرض الجمال، وأول خفقة حبٍّ حقيقية لبلدٍ ليس وطني، لكنه احتواني كأنني منه.
هناك وُلدت سارة، ابنتي الموهوبة. مازوزتي الصغيرة، النور الذي أضاء لي حياة كنت أظنّ أن لا نور فيها. سارة، التي حملت من اسمها، ومن سيرتا التي أحب، كل ملامح المدينة التي لم تمنحني إلا الظلال، لكنها أعطتني فيها نجمة واحدة.
واليوم، أكمل طريقي بين الأوطان.
بين سقفٍ ثقيل في شمال السويد، في مدينة هارنوساند، حيث الجمال صامتٌ والهدوء مؤلم، وبين ذاكرة تجرّني كلما ظننت أنني استقررت.
كل مكانٍ فيه شيءٌ مني، وكل مكان لا يملكني.
أعيش كأنني ضيف في العالم، لا أحد ينتظرني، ولا طريق يناديني. فقط الكلمات، تخرج من صدري لتحميني من الصمت.
أنا لست متشائمًا لأنني ضعيف.
أنا متشائم لأنني رأيت الحقيقة... ولست ممّن يزيّنون القبح بالشعر.
أنا المتعب الذي لم يستسلم، والصامت الذي لم ينكسر.
أنا محفوظ،
أكتب لأنني ما زلت أقاتل،
وأفكر، لأن الفكرة وحدها آخر ما تبقّى لي.
#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟