محفوظ بجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8340 - 2025 / 5 / 12 - 08:58
المحور:
سيرة ذاتية
كنتُ أركض… لا أدري خلف ماذا بالضبط. أحلامٌ؟ وعود؟ فرص؟ لا أعلم. عيناي مفتوحتان، لكنني لم أكن أرى، فقط ألاحق شيئًا يتفلّت مني كلما اقتربت. كلما حسبتُ أنني أمسكت به، شعرتُ كأن هناك يدًا خفية تسحبه من بين أصابعي.
تعلّمتُ الكثير، بل لهثتُ خلف المعرفة، وتعلّمت أشياء لم أستعملها يومًا، وأخرى ظننت أنها مفاتيح المستقبل… لكنها لم تفتح إلا أبواب الخيبة. كنت أظن أن الاجتهاد وحده كافٍ، وأن النوايا الطيبة تضمن لك النهاية السعيدة… لكنني كنت مخطئًا.
ركضتُ في كل الاتجاهات. خطّطت، أجّلت، صرفت، وقلت لنفسي دائمًا: "ما زال هناك وقت". لكن الحياة لا تُمهل. مرت السنوات، وأخذت معها أشياء كثيرة: حماسي، طاقتي، وحتى يقيني.
المال؟ كان يأتي ويذهب. لم أكن مبذّرًا، ومع ذلك لم يثبت في يدي. كأن شيئًا ما يهرب به، كأنني كنت موعودًا بالركض لا بالوصول. أحيانًا، كنت أشعر وكأن قوة ما تمنعني من الاستقرار، تدفعني بعيدًا عن الطمأنينة، وتسحبني نحو الحيرة، نحو التعب الذي لا يُثمر.
واليوم…
أجد نفسي أمام المرآة، أنظر لوجهٍ لم أعد أعرفه. متى كبرت؟ متى أصبحتُ بهذا الضعف؟ متى صار هذا الجسد مثقلًا بالسنين؟ لا بيت أقول إنه لي، لا حساب بنكي يُطمئنني، ولا حتى كرسيّ أريح عليه هذا الجسد المتعب.
ليس لي أي رغبة في الشكوى، ولا أبحث عن الشفقة، لكنني أخاف. أخاف المرض، أخاف العجز، أخاف لحظة أحتاج فيها شيئًا بسيطًا فلا أجده… مجرد دواء، أو سقف ألوذ به من قسوة الأيام.
لا أملك الآن سوى هذه الذكريات، التي تُوجعني أكثر مما تُعزّيني. وكلما حاولت أن أستعيد بعض الأمل، يعود إليّ صوت داخلي يهمس: "أنت لم تُحصّن نفسك… لم تُعدّ العدّة." كنت أظن أن الزمن كريم، لكنّه أتى وأخذ، دون أن يمنحك ما توقعت.
لهذا، أقولها لكم:
لا تتركوا أنفسكم في مهبّ الأيام. لا تؤجلوا بناء مستقبلكم لصالح أحد، ولا تجعلوا من قلوبكم الطيبة سببًا في خرابكم.
ابنوا لأنفسكم شيئًا، ركنًا، سندًا، أيّ كيان مادي يحفظ كرامتكم حين يهدأ كل شيء.
لأن الكرامة في الشيخوخة ليست كلمة، إنها مال يكفيك، وسقف يحميك، وخزانة فيها ما يُغنيك عن انتظار المساعدة.
ابنوا لأنفسكم بيتًا، حسابًا، استثمارًا… وابنوا حول قلوبكم عقولًا تحميها من خيبات التضحية الزائدة.
فالعمر لا ينتظر، والزمن لا يلتفت خلفه.
" كم كبرتُ فجأة دون أن أدري،
وتركتُ روحي خلفي تركض في العتمة،
تبحث عن حياة لم أزرها يومًا،
وعن بيت لم أبنه، وكرامة لم أحفظها. "
#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟