أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محفوظ بجاوي - السياحة الدينية في الجزائر: كنوز مهدرة وفرص ضائعة














المزيد.....

السياحة الدينية في الجزائر: كنوز مهدرة وفرص ضائعة


محفوظ بجاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8346 - 2025 / 5 / 18 - 09:35
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لو فتحت الجزائر أبوابها للسياحة الدينية بعقلية حضارية منفتحة، لتحوّل خط سوق أهراس – عنابة إلى قبلة لملايين الكاثوليك حول العالم، تمامًا كما هي مكة للمسلمين.
هذه الأرض التي وُلد فيها وعاش القديس أوغسطين، أحد أعمدة الفكر الإنساني والفلسفة المسيحية، تحمل في طياتها تاريخًا غنيًا وعميقًا يمكن أن يشكل جسرًا ثقافيًا وروحيًا بين الجزائر والعالم.
أوغسطين، ذلك الفيلسوف واللاهوتي الذي وضع أسسًا للفكر الغربي، لم يكن مجرد شخصية تاريخية عابرة، بل هو رمز حضاري خالد، يستحق أن يُحتفى به في وطنه الأصلي، فتُحيى مساراته ويُعاد إحياء تراثه ليكون مصدر فخر وطني، وأداة جذب ثقافي وسياحي عالمي.
لكن للأسف، ما زالت الجزائر تغفل عن هذا الكنز العظيم، تاركة إياه مهجورًا تحت وطأة أيديولوجيات ضيقة ترى في التنوع الثقافي تهديدًا لسرديتها الموحدة. تلك الأيديولوجيات التي تحصر الهوية في قالب أحادي، تحجب عنّا حقيقة أننا بلد متعدد الأبعاد، تاريخيًا، وروحيًا، وحضاريًا؛ بلد جمع بين الحضارات، ونحت في صخور الذاكرة الإنسانية أسماء كبيرة. وهنا تكمن المأساة؛ إذ نهمل كنوزنا باسم أيديولوجيات تُقيِّد الفكر ولا توسّع الآفاق، بينما يستثمر العالم هذه الكنوز ليحوّلها إلى "حجٍّ ثقافي" يعزز مكانته الاقتصادية والحضارية.
في دول عديدة، أثبتت السياحة الدينية قدرتها على إحداث تغيير اقتصادي واجتماعي جذري. فالمملكة العربية السعودية، التي تستضيف ملايين الحجاج سنويًا في مكة والمدينة، لا تقتصر على الفوائد الروحية فحسب، بل تحوّلت إلى رافد اقتصادي ضخم يعزز الاقتصاد الوطني ويخلق فرص عمل. وكذلك تستفيد إيطاليا من حركة السياحة الدينية في الفاتيكان وروما، حيث تنشط قطاعات الفن والتراث والضيافة. وفي الهند، يزور ملايين الناس المواقع الدينية سنويًا، مما يساهم بشكل فعّال في الاقتصاد، ويوسّع نطاق التبادل الثقافي.
أما في الجزائر، فتوجد مواقع تاريخية ودينية عديدة يمكن تطويرها بما يضع البلاد على خريطة السياحة العالمية. يمكن أن تتحول مدن مثل سوق أهراس وعنابة إلى محطات حيوية للسياح الباحثين عن الجذور والتاريخ، من خلال إعادة تأهيل المواقع، وتحسين البنية التحتية، وتسهيل الوصول إليها، وتنظيم فعاليات ثقافية ودينية تجذب الزوار.
إن الاستثمار في السياحة الدينية هو استثمار في المستقبل؛ لأنه لا يدرّ فقط أموالًا طائلة تفوق عائدات الغاز والبترول، بل يعزز صورة الجزائر كبلد حضاري متعدد الأبعاد، قادر على الحوار مع العالم. وفي ظل التحديات الاقتصادية الراهنة، يصبح هذا القطاع ركيزة أساسية في استراتيجية التنمية الوطنية.
في النهاية، السياحة الدينية ليست مجرد رحلة إلى أماكن مقدسة، بل هي تجربة روحية وثقافية تنمّي الفكر وتغذّي الروح. فتح الجزائر لهذا المجال بعقلية متفتحة هو بوابة لإعادة اكتشاف الذات وتعزيز مكانتها في العالم، بعيدًا عن أيديولوجيات ضيقة تمنع التنمية وتحبس الأفكار.
كنيسة سانت أوغسطين وحدها يُتوقَّع أن تستقطب 4 ملايين سائح سنويًا، ومحور طاغاست، تيفست، مادور وغيرها، سيشهد إقبالًا بملايين الزوار.
المصالحة مع التاريخ، بعيدًا عن التوظيف الأيديولوجي والديني المتطرف، كفيلة بجعلنا وجهة سياحية عالمية، كما هو الحال في اليونان، تركيا، إيطاليا، إسبانيا، أمريكا، الهند، الصين، وروما.
ونأخذ العبرة من جارتنا تونس، التي تستثمر بذكاء في السياحة الدينية، عبر "حج الغريبة" اليهودي في جزيرة جربة، والذي يُستقطب إليه أكثر من مليوني سائح سنويًا، في نموذج حي على كيفية تحويل حدث ديني إلى قوة جذب ثقافي واقتصادي وترويجي هائل.
لقد آن الأوان أن نكفّ عن التعامل مع تاريخنا كعبء، وأن نراه ككنز ورافعة. فالأمم العظيمة لا ترتقي إلا حين تصالح بين ماضيها ومستقبلها، والسياحة الدينية هي أحد تلك الجسور الذهبية التي إن أُحسن عبورها، فتحت لنا أبواب العالم، لا كوجهة فقط، بل كقوة ناعمة فاعلة ومؤثرة في الحضارة الإنسانية.



#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا أنا متشائم؟
- العقل المتهم... والدجل المحصَّن
- في المرآة لا أحد
- لم أُخلق لأربح بل لأصمد: قصة تشاؤم بلا هزيمة
- غريب بين وطنين
- ركضت طويلا، فوجدت نفسي في النهاية: الحسرات تطاردني، والزمن ل ...
- التعليم الرديء يصنع دولة فاشلة : حين تصعد الرداءة من القسم إ ...
- لأنني محفوظ بكم
- حين يصمت الوعي، ويتجمد الموقف....الحياد يصبح خيانة ناعمة!
- جيل يواجه المجهول : لا تُكرّروا خيانة العقول _أمة تطفيء مصاب ...
- من المعلم إلى الواعظ: كيف فقدت المدرسة الجزائرية رسالتها الت ...
- الأنتماء اللامشروط وخيانة الوطن : حين يصبح الوطن محطة لا أصل ...
- الدبلوماسية الجزائرية بين الأمس واليوم : من الاتزان إلى الار ...
- من الذاكرة : قصتي مع أمي وأبي
- العقيدة الموروثة : حين يصبح الإيمان قيدًا بدلًا من أن يكون و ...
- من ذاكرتي : عندما لا تغادرنا الأوجاع
- هواري بومدين وصناعة الرموز : حين يصبح التاريخ أداة للشرعية ا ...
- رغم إنك كبير يا وطني....
- أحمد أويحيى: رجل الدولة الذي خسرته الجزائر
- الركود الفكري في الجزائر: تحديات المجتمع في عصر الجمود


المزيد.....




- تحليل.. قطر تعمل كأمم متحدة مصغرة.. وترامب يتمنى أن تكون أمر ...
- مديرية أمن طرابلس تعلن إعادة فتح الطرق المغلقة (فيديو+صور)
- بوتين يحدد أهداف الكرملين في حرب أوكرانيا: القضاء على أسباب ...
- كشمير: عودة سكان القرى الحدودية إلى بيوتهم المدمرة بعد الاشت ...
- مخيم اليرموك: عاصمة الشتات الفلسطيني تنهض من بين الركام ودون ...
- مصرع 17 شخصا بينهم أطفال في حريق مروع بمدينة حيدر أباد الهند ...
- ليبيا.. عصيان للطلبة حتى انسحاب المسلحين من محيط جامعة طرابل ...
- النيجر تستعد لاستقبال 4 آلاف مهاجر مرحلين من الجزائر
- الرئاسة اللبنانية توضح حقيقة لقاء عون وزعيم دروز إسرائيل (صو ...
- ثوران بركان -كيلاويا- في هاواي


المزيد.....

- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محفوظ بجاوي - السياحة الدينية في الجزائر: كنوز مهدرة وفرص ضائعة