أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محفوظ بجاوي - التعليم في أوطاننا... بين التلقين والجمود














المزيد.....

التعليم في أوطاننا... بين التلقين والجمود


محفوظ بجاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8358 - 2025 / 5 / 30 - 19:03
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ما من أمة ارتقت، وما من حضارة نهضت، إلا وكان التعليم عمادها، والمعرفة سُلّمها، والعقل حادي ركبها. فبالعلم تُشيَّد المدنيات، وتُؤسَّس الدول، وتُصان القيم، وتُفتَح أبواب المستقبل على مصاريعها. غير أنّ القوم، في ديارنا، لم يُدركوا بعدُ هذا الأصل المتين، ولم يجعلوا من التعليم مشروعًا وطنيًا جامعًا، بل تركوه نهبًا للعشوائية، وأسيرًا للجمود، رهينًا للتلقين الأجوف. الطفل منذ نعومة أظفاره يُلقّن أن الخطأ عيب، وأن السؤال جريمة، وأن التفكير المختلف ضرب من الوقاحة. فإذا أبدى الطفل رأيًا، قيل له: "اصمت، لا تُجادل". وإذا أخطأ في جواب، ضحكوا منه، أو عاتبوه بعبارات تحفر في وجدانه: "ألم تستمع؟ ألم تحفظ؟".
وهكذا، ينشأ فكرٌ مكموم، وعقلٌ مرتجف، يخاف المبادرة، ويتجنب السؤال، ويتربّى على الخضوع. يُصبح الخطأ مصدر خجل، لا فرصة تعلُّم، ويتحوّل الامتحان إلى شبح، والمعلم إلى سلطة لا تُناقش، والجواب الصحيح إلى قيد ذهبيّ على حرية التفكير. وإذا نظرنا في حال المعلمين، وجدنا أن كثيرًا منهم، مع كامل الاحترام، لم يُعدّوا ليكونوا مشاعل فكر، ولا مشرفين على نموّ العقول، بل جرى إعدادهم بمنطق إداري بحت. دخلوا المهنة لا بدافع الشغف، بل أحيانًا اضطرارًا، ووجدوا أنفسهم في صفوفٍ يُطلب منهم فيها "ضبط النظام"، لا إشعال الأسئلة، وتقديم المعلومة، لا تحرير الفكر.
وفي ظلّ هذا المناخ، يغدو المعلم نفسه مأسورًا داخل دوائر الخوف والتكرار. فهو، وإن امتلك شيئًا من الطموح الفكري، يَئِس من نظام لا يُكافئ الاجتهاد، ولا يُفسح للمبادرة، ولا يحمي حرية التجريب. أضف إلى ذلك أن المناهج الدراسية، في معظم دولنا، كُتبت بعقلية الماضي، لا بروح الحاضر ولا بعيون المستقبل. هي نصوص أشبه بما يُحشى في القِرَب القديمة: جامدة، محفوظة، بعيدة عن واقع الطالب، منفصلة عن حاجاته، لا تسعى إلى تدريب ذهنه على التفكير، بل تحشوه بالمعلومات كما يُملأ الصندوق، دون أن تُعلّمه كيف يفتح ذلك الصندوق أصلًا.
ولا عجب إن كانت المدرسة، في ظلّ هذا كلّه، مكانًا طاردًا للروح، خاليًا من الدهشة، باهتًا في شكله ومضمونه. فهي جدران صارمة، وسبّورات باردة، ومقاعد متقاربة تُكدّس التلاميذ، وتَخنق الخيال. ليس فيها مختبرات حيّة، ولا مكتبات نابضة، ولا أنشطة تُنعش العقل والجسد معًا. الطالب يدخلها طفلًا حيويًا، ويخرج منها شابًا مطبوعًا، يُجيد الصمت والتكرار، ويخاف التجريب والتفكير.
ثم إذا تخرّج – إن تخرّج – وامتلك شيئًا من التميز أو الحسّ النقدي، صُدم بسوق عمل لا يعترف بالموهبة، ولا يقدّر الكفاءة، بل يُقيم الأمور على أساس الوساطة والانتماء والولاء. فلا يجد المبدع مكانًا، ولا يجد الحالم أفقًا، ويجد الحاصل على شهادة عليا نفسه في طابور البطالة، بينما يتقدّم من لم يعرف من العلم غير اسمه.
ما نعيشه اليوم ليس أزمة مناهج فقط، ولا قصورًا في تمويل التعليم، بل هو خلل عميق في فلسفة التعليم ذاتها. نحن لا نُربّي مفكرين، بل نُخرّج حافظين. لا نعلّم السؤال، بل نُقدّس الجواب. لا نُطلق العقول، بل نُطوّقها بإجابات مقدّسة لا تقبل الشكّ ولا التعديل.



#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خراب العقول حين تغيب الفلسفة
- جذور ثابتة وهوية لا تُشترى: الجزائر وطن ضارب في التاريخ لايم ...
- الطاعة و الخضوع بين التنشءة والواقع الإجتماعي: قراءة في مواق ...
- في يوم الطالب:من جيل التحرير إلى جيل البناء... هل مازلنا أوف ...
- السياحة الدينية في الجزائر: كنوز مهدرة وفرص ضائعة
- لماذا أنا متشائم؟
- العقل المتهم... والدجل المحصَّن
- في المرآة لا أحد
- لم أُخلق لأربح بل لأصمد: قصة تشاؤم بلا هزيمة
- غريب بين وطنين
- ركضت طويلا، فوجدت نفسي في النهاية: الحسرات تطاردني، والزمن ل ...
- التعليم الرديء يصنع دولة فاشلة : حين تصعد الرداءة من القسم إ ...
- لأنني محفوظ بكم
- حين يصمت الوعي، ويتجمد الموقف....الحياد يصبح خيانة ناعمة!
- جيل يواجه المجهول : لا تُكرّروا خيانة العقول _أمة تطفيء مصاب ...
- من المعلم إلى الواعظ: كيف فقدت المدرسة الجزائرية رسالتها الت ...
- الأنتماء اللامشروط وخيانة الوطن : حين يصبح الوطن محطة لا أصل ...
- الدبلوماسية الجزائرية بين الأمس واليوم : من الاتزان إلى الار ...
- من الذاكرة : قصتي مع أمي وأبي
- العقيدة الموروثة : حين يصبح الإيمان قيدًا بدلًا من أن يكون و ...


المزيد.....




- بعد رد حماس.. هل توسع إسرائيل عملياتها بغزة؟
- مسيرة في تونس دعما لفلسطين
- -غير مقبول- - ويتكوف ينتقد رد حماس على المقترح الأمريكي لغزة ...
- أردوغان: نعمل على تنظيم اجتماع روسيا وأوكرانيا في إسطنبول لض ...
- -معاريف-: اغتيال محمد السنوار خلق ثلاث مشاكل لحماس مع قطر وم ...
- القوات الروسية تحرر بلدة -زيلونوي بولي-
- القوات الإسرائيلية تعتدي على موظف نظافة جنوب نابلس (فيديو)
- تأجيل زيارة الوزراء العرب إلى رام الله
- نتنياهو يعاود طعن حماس وينتهز الفرصة لإرضاء ويتكوف وواشنطن.. ...
- الجيش الإسرائيلي ينذر سكان خان يونس وبني سهيلا وعبسان ويطلب ...


المزيد.....

- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محفوظ بجاوي - التعليم في أوطاننا... بين التلقين والجمود