أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلاقات الجنسية والاسرية - محفوظ بجاوي - في حضرة الخوف....يولد الصمت وتنطفىء الأحلام














المزيد.....

في حضرة الخوف....يولد الصمت وتنطفىء الأحلام


محفوظ بجاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8369 - 2025 / 6 / 10 - 00:39
المحور: العلاقات الجنسية والاسرية
    


ليست مأساتنا أننا نعيش تحت أنظمة قمعية، ولا أننا نحمل جوازات بلا وزن في مطارات العالم، بل إن المأساة الكبرى هي أننا نحمل الخوف كهوية، ونُورِّثه كما نُورِّث أسماء العائلة. منذ الصغر، تُسكب الجرعة الأولى في أفواهنا، لا ترفع صوتك، لا تسأل، لا تجادل، لا تخرج عن الصف، لا تحلم بأكثر من لقمة وقليل من الستر. هكذا نبدأ الحياة كأننا خُلقنا لنتوارى، لا لنظهر، لنتبع، لا لنقود، لنتنفس بصمت، لا لنصرخ بالحق.
يكبر الطفل محمّلاً بنصائح تُشبه الأصفاد، محاطًا بجدران من التلقين، محرومًا من نعمة الشك. حين يفرح، يُقال له: "اكتم فرحتك، قد تُحسد"، وحين يبكي، يُقال له: "اصمت، الرجال لا يبكون"، وحين يحاول أن يفهم، يُرمى بكلمة قاطعة: "عيب!". هكذا لا يبقى فيه من الطفولة إلا جسدها، أما العقل فمربوط عند عتبة الطاعة، والخوف يُسقَى له كالماء، حتى ينمو فيه لا كشعور طارئ، بل كجزء من تركيبه النفسي.
وحين يدخل المدرسة، لا يجد فسحة للحرية، بل امتدادًا لما سبق. يتعلم أن يردد لا أن يبدع، أن يحفظ لا أن يسأل، أن يخاف من الخطأ أكثر من الجهل. المعلّم لا يُعلّم، بل يأمر، والكتب ليست نوافذ على العالم بل جدران تُطبع فيها الإجابات الجاهزة. وإذا ما تجرّأ على كسر هذا النمط، على أن يخطئ مرة ليُفكّر ألف مرة، يُعاقب لا لجهله بل لجرأته.
ويمضي العمر على هذا المنوال، الإعلام يُخيفه، الشارع يُراقبه، المجتمع يُدين كل اختلاف فيه. ينظر حوله فيجد الجموع وقد اختارت السلامة على الكرامة، والمسايرة على المواجهة، والصمت على الصراخ. يشيخُ قبل أوانه، يختنق في لحظة كان يجب أن يحلّق فيها. يتزوج خوفًا من العنوسة، لا حبًا، يعمل خوفًا من الجوع، لا شغفًا، ويعيش ليموت بلا أثر. يُقنع نفسه بأن الحذر فضيلة، وأن العقل هو أن تعرف متى تصمت، ومتى تنحني، ومتى تتخلى عن نفسك.
لكن ما لا يعرفه، أن الخوف لا يحفظ الكرامة، بل يسرقها. أنه لا يمنح الأمان، بل يسجن الروح في قوقعة من الانكسار البارد. وأن الأمم لا تنهض بالخائفين، بل بأولئك الذين إذا خافوا، قالوا… وإذا وُجِهوا، واجهوا… وإذا خُيّروا بين الحياة في الظل والموت تحت الشمس، اختاروا أن يُحرقهم النور.
لن نخطو خطوة إلى الأمام ما دمنا نخشى السؤال، ونرتعب من التغيير، ونسكت عن الخطأ لأننا اعتدنا عليه. لن نبني وطنًا من بشرٍ يفضّلون الطمأنينة الكاذبة على الحقيقة القاسية، ولا من مجتمعات تُكافئ الخنوع وتُجرّم الجرأة.
التحرر لا يبدأ بثورة في الشارع، بل بثورة في داخلنا. بأن نُعيد تعريف أنفسنا خارج قواميس الخوف. بأن نربّي أبناءنا لا ليُطيعوا، بل ليحلموا. بأن نكسر هذا القيد الذي يلبس ثوب الأدب، ويُخفي داخله تركة طويلة من الذلّ المبرّر.
الخوف، إن استوطن القلوب، لا يُبقي شيئًا فيها إلا الذبول. فلنطرده، لا بصرخة عشوائية، بل بفكرٍ واضح، بوعيٍ صارم، بشجاعة من يعرف أن الحياة الحقيقية لا تُمنح، بل تُنتزع.



#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من إستهلاك السلع إلى احتضار الفكر : حين نقتني كل شيء ونعرض ع ...
- التحرر من أسر الماضي: الطريق نحو نهضة حقيقية
- حين يُقصى العقل،وتُستبدل المعرفة بالوهم... يصبح الصمت جريمة.
- الممنوعات باسم الفضيلة: كيف تصنع القيود مجتمعا خائفًا ومقموع ...
- التعليم في أوطاننا... بين التلقين والجمود
- خراب العقول حين تغيب الفلسفة
- جذور ثابتة وهوية لا تُشترى: الجزائر وطن ضارب في التاريخ لايم ...
- الطاعة و الخضوع بين التنشءة والواقع الإجتماعي: قراءة في مواق ...
- في يوم الطالب:من جيل التحرير إلى جيل البناء... هل مازلنا أوف ...
- السياحة الدينية في الجزائر: كنوز مهدرة وفرص ضائعة
- لماذا أنا متشائم؟
- العقل المتهم... والدجل المحصَّن
- في المرآة لا أحد
- لم أُخلق لأربح بل لأصمد: قصة تشاؤم بلا هزيمة
- غريب بين وطنين
- ركضت طويلا، فوجدت نفسي في النهاية: الحسرات تطاردني، والزمن ل ...
- التعليم الرديء يصنع دولة فاشلة : حين تصعد الرداءة من القسم إ ...
- لأنني محفوظ بكم
- حين يصمت الوعي، ويتجمد الموقف....الحياد يصبح خيانة ناعمة!
- جيل يواجه المجهول : لا تُكرّروا خيانة العقول _أمة تطفيء مصاب ...


المزيد.....




- -اغتصاب وقتل وهروب-.. إعدام أمريكي بـ-الحقنة المميتة- بعد 30 ...
- ابسطهالك راجع تاني!
- فيديو -عراك امرأة وشرطي- منسوب لاحتجاجات لوس أنجلوس.. ما حقي ...
- مقتل امرأة وإصابة آخرين بهجوم مسيرة أوكرانية على محطة للوقود ...
- اعتقال وترحيل جندي بريطاني بعد اتهامه بجريمة اغتصاب في كينيا ...
- زيادة النساء في جيش الاحتلال تعزيز للقدرات أم حاجة طارئة؟
- شاهد.. أسباب تجنيد النساء بجيش الاحتلال
- العلاقة الحميمة وسعادة النساء.. عدد المرات الأمثل لممارستها ...
- موسكو تسجل رقما قياسيا في عقود الزواج
- الوكالة الوطنية للتشغيل..طريقة التسجيل في منحة المرأة الماكث ...


المزيد.....

- الجندر والجنسانية - جوديث بتلر / حسين القطان
- بول ريكور: الجنس والمقدّس / فتحي المسكيني
- المسألة الجنسية بالوطن العربي: محاولة للفهم / رشيد جرموني
- الحب والزواج.. / ايما جولدمان
- جدلية الجنس - (الفصل الأوّل) / شولاميث فايرستون
- حول الاجهاض / منصور حكمت
- حول المعتقدات والسلوكيات الجنسية / صفاء طميش
- ملوك الدعارة / إدريس ولد القابلة
- الجنس الحضاري / المنصور جعفر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلاقات الجنسية والاسرية - محفوظ بجاوي - في حضرة الخوف....يولد الصمت وتنطفىء الأحلام