أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محفوظ بجاوي - الممنوعات باسم الفضيلة: كيف تصنع القيود مجتمعا خائفًا ومقموعا؟















المزيد.....

الممنوعات باسم الفضيلة: كيف تصنع القيود مجتمعا خائفًا ومقموعا؟


محفوظ بجاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8360 - 2025 / 6 / 1 - 10:03
المحور: المجتمع المدني
    


تواجه المجتمعات المحافظة العديد من القيود التي تُفرض على الأفراد باسم الحفاظ على القيم الدينية والاجتماعية. تتنوع هذه الممنوعات بين التحكم في سلوكيات الأفراد، وفرض قيود على التعبير، والحد من الحرية الشخصية. وفي جوهر هذه الممارسات، يقبع خوف عميق من مواجهة الرغبات والغرائز الإنسانية التي تُعتبر في بعض الأحيان تهديدًا للنظام الاجتماعي أو للسلطة القائمة.
في هذا المقال سنتناول ستة موضوعات رئيسية تمثل هذه الممنوعات بشكل واضح: رمضان والمفطر، إغلاق المرقصات، إسكات الأصوات المعارضة، منع الخمر، الحجاب وحرية المرأة، والرقابة الاجتماعية على السلوكيات الفردية.
الصيام في رمضان والمفطر: قمع الرغبة أم عقاب؟
الصيام في شهر رمضان من أعظم الشعائر الدينية، إذ يمثّل فترة تهذيب للنفس وضبط للرغبات، لكنه في الوقت نفسه يُستخدم كأداة ضغط اجتماعي على الذين لا يصومون لأسباب متعددة. إن اعتبار المفطر مجرمًا أو مذنبًا يعكس ظاهرة قمع للرغبة الإنسانية الطبيعية، وتحويل الصيام من ممارسة روحية إلى وسيلة للسيطرة والمراقبة الاجتماعية. هذا السلوك يعكس خوف المجتمع من انفلات النفس البشرية وانحرافها عن القواعد المفروضة.
في المجتمعات التي تعتمد على الرقابة الصارمة، قد يتحول المفطر إلى "مجرم"، ليس لأنه أذنب، بل لأن وجوده يذكّر الجميع بوجود رغبات مكبوتة لا يريدون الاعتراف بها. بهذا يتحول الصيام إلى سجن روحي، يقتل المشاعر ويكبت النفس.
إسكات الأصوات المعارضة: جرح حرية الفكر
تتعرض الأصوات المختلفة، خصوصًا اللادينيين والعلمانيين والمنتقدين، للإسكات في المجتمعات التي تخشى التشكيك في معتقداتها. إن هذه الممارسة تُضعف حرية التعبير، وتُحرم المجتمع من فرصة التطور الفكري والحوار البناء. إسكات الآخر ليس دفاعًا عن عقيدة أو دين، بل هو تعبير عن هشاشة البنية الفكرية، ورغبة في الحفاظ على السلطة والسيطرة عبر القمع الفكري.
الحرية الفكرية هي حجر الزاوية لأي مجتمع متطور، وإسكاتها يعني منع المجتمع من البحث عن الحقيقة، ومن التطور الذي يأتي عبر طرح الأسئلة، ومناقشة الأفكار بحرية وشفافية. إغلاق باب الحوار يؤدي إلى بقاء المجتمع في دائرة ضيقة من التفكير، تعجز عن استيعاب التنوع والاختلاف، مما يزيد من حدة الصراعات الاجتماعية.
منع الخمر: زهد أم هروب من الحقيقة؟
الامتناع عن الخمر له جذور دينية واجتماعية عميقة، لكن منعها بشكل صارم يعكس في كثير من الأحيان خوفًا من فقدان السيطرة على النفس والمجتمع. القمع في هذا المجال لا يولد زهدًا حقيقيًا، بل يُنتج اضطرابًا نفسيًا واحتجاجات ضمنية، لأن الإنسان بطبيعته يبحث عن مساحات للاسترخاء والمتعة، والقمع الشديد يدفع إلى التمرد والضغط النفسي.
الحقيقة أن محاولة السيطرة على كل رغبات الإنسان وتحجيمها عبر التشريعات الصارمة تؤدي إلى نتائج عكسية، حيث يزداد الضغط النفسي والتمرد الخفي، ويصبح الانفلات غير المنضبط أكثر خطورة. بدلاً من بناء مجتمع صحي قائم على الوعي والتحكم الذاتي، يتحول المجتمع إلى سجن تسيطر عليه المخاوف والقوانين التي لا تقبل النقاش.
الحجاب وحرية المرأة: قيد القمع والتقييد
في كثير من المجتمعات التي تفرض الحجاب على المرأة كقيد رسمي أو اجتماعي، تتحول هذه القطعة من القماش إلى رمز لأعمق مظاهر القمع والظلم ضد النساء. الحجاب، الذي يُروَّج له في كثير من الأحيان كونه حماية للمرأة أو وسيلة للحشمة والطهارة، في الواقع يعكس هروبًا من مواجهة طبيعة الإنسان بكل تناقضاتها، ويفرض على المرأة عبء تحمل مسؤولية رغبات الرجال وكبحها، بدلًا من أن يكون نظامًا يحميها ويدعم حريتها.
الظلم الذي يقع على المرأة في هذا السياق يتعدى مجرد فرض لباس معين، فهو يحد من حريتها في التعبير عن ذاتها، ويقتل شخصية المرأة، ويجعلها سجينة لرؤية مجتمع ذكوري يرسم حدودها ويقيدها. الحجاب يفرض عليها أن تكون مسؤولة عن شهوة الرجل، وكأن جسدها، بدلاً من كونه ملكًا لها، هو أداة يجب تغطيتها كي لا تثير رغبات الآخرين.
علميًا، تؤكد الدراسات النفسية أن القيد المفروض على المرأة يولد لديها إحساسًا بالذنب، ويؤثر على ثقتها بنفسها، ويؤدي إلى اضطرابات في الهوية الذاتية. المرأة التي تُحجب تُحرم من الحق الأساسي في أن تكون مرآة تعكس إرادتها وشخصيتها، بل تُجبر على أن تخفي جزءًا من ذاتها.
كما أن الحجاب في كثير من الأحيان يُستخدم كأداة سياسية واجتماعية لفرض النظام الأبوي، وحصر النساء في أدوار محددة، بعيدًا عن المشاركة الفاعلة في المجتمع. وهو بذلك يمثل نوعًا من العنف الرمزي، يمارس تحت شعارات دينية مزيفة، تهدف إلى تبرير السيطرة والقمع.
في النهاية، الحجاب ليس مجرد لباس، بل هو ميدان صراع على حرية المرأة، وكرامتها، وحقوقها. تحرير المرأة من هذا القيد يتطلب نقاشًا جريئًا وصريحًا، ورفضًا لكل أشكال القهر التي تُمارس باسم الدين أو العرف، والاعتراف بأن المرأة كائن كامل الإرادة والحقوق، وليس جسدها ميدانًا للصراع الاجتماعي.
الرقابة الاجتماعية: خوف المجتمع من ذاته
تفرض الرقابة الاجتماعية قيودًا صارمة على الأفراد بهدف الحفاظ على "النظام" و"الأخلاق"، لكنها في الحقيقة تعبير عن خوف داخلي من مواجهة النفس ومشاعرها الحقيقية. المجتمع الذي يخشى الاختلاف يختار القمع بدلًا من الحوار والاحترام، ما يؤدي إلى كبت نفسي جماعي وتوتر اجتماعي دائم.
الرقابة الاجتماعية ليست فقط منعًا للسلوكيات، بل هي شكل من أشكال السيطرة التي تمنع الأفراد من التعبير عن ذواتهم بحرية، وتجبرهم على الالتزام بمعايير قاسية غالبًا ما تكون بعيدة عن الواقع الإنساني المتنوع. هذا القمع يولد حالة من التوتر والتمرد الخفي، ويمنع بناء مجتمع صحي يستند إلى التسامح والاحترام المتبادل.
في النهاية
تُظهر الممنوعات التي تفرضها المجتمعات المحافظة، في مواضيع مثل الصيام، وإغلاق المرقصات، وحرية الفكر، ومنع الخمر، والحجاب، والرقابة الاجتماعية، صورة واضحة لقمع الذات والآخرين باسم الفضيلة. هذه الممارسات لا تُطهّر المجتمع، بل تُعيقه، وتقتل روح الحرية فيه، وتُولد معاناة نفسية واجتماعية مستمرة.
الحل يكمن في تبني ثقافة الحرية المسؤولة، التي تقبل الإنسان بكل تناقضاته، وتعطيه فرصة التعبير عن ذاته بدون خوف أو قمع. المجتمعات التي تستمر في فرض الممنوعات لن تجد سوى مزيدًا من التوترات والصراعات، بينما التي تُفضّل الحوار والاحترام ستتمكن من بناء مستقبل أكثر صحة وإنسانية.



#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التعليم في أوطاننا... بين التلقين والجمود
- خراب العقول حين تغيب الفلسفة
- جذور ثابتة وهوية لا تُشترى: الجزائر وطن ضارب في التاريخ لايم ...
- الطاعة و الخضوع بين التنشءة والواقع الإجتماعي: قراءة في مواق ...
- في يوم الطالب:من جيل التحرير إلى جيل البناء... هل مازلنا أوف ...
- السياحة الدينية في الجزائر: كنوز مهدرة وفرص ضائعة
- لماذا أنا متشائم؟
- العقل المتهم... والدجل المحصَّن
- في المرآة لا أحد
- لم أُخلق لأربح بل لأصمد: قصة تشاؤم بلا هزيمة
- غريب بين وطنين
- ركضت طويلا، فوجدت نفسي في النهاية: الحسرات تطاردني، والزمن ل ...
- التعليم الرديء يصنع دولة فاشلة : حين تصعد الرداءة من القسم إ ...
- لأنني محفوظ بكم
- حين يصمت الوعي، ويتجمد الموقف....الحياد يصبح خيانة ناعمة!
- جيل يواجه المجهول : لا تُكرّروا خيانة العقول _أمة تطفيء مصاب ...
- من المعلم إلى الواعظ: كيف فقدت المدرسة الجزائرية رسالتها الت ...
- الأنتماء اللامشروط وخيانة الوطن : حين يصبح الوطن محطة لا أصل ...
- الدبلوماسية الجزائرية بين الأمس واليوم : من الاتزان إلى الار ...
- من الذاكرة : قصتي مع أمي وأبي


المزيد.....




- ألمانيا.. القضاء يحكم بعدم قانونية إعادة طالبي اللجوء عند ال ...
- الأمم المتحدة ترحب بالمحادثات بين روسيا وأوكرانيا في إسطنبول ...
- قضاء ألمانيا يحكم بعدم قانونية إعادة طالبي اللجوء عند الحدود ...
- الإغاثة الطبية بغزة: مراكز توزيع المساعدات تشكل مصائد موت لل ...
- انتخاب أنالينا بيربوك رئيسة للجمعية العامة للأمم المتحدة
- في ضربة لإجراءات ميرتس... القضاء الألماني يحكم بعدم قانونية ...
- الإغاثة الطبية بغزة: الاحتلال يواصل قصفه على مدار الساعة مست ...
- السعودية تستقبل الدفعة الثانية للحجاج من ذوي الشهداء والأسرى ...
- الأمين العام للأمم المتحدة يدعو إلى -تحقيق مستقل- بعد مقتل ا ...
- تقرير صادم من الأونروا: أعداد الضحايا من الأطفال في غزة تتجا ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محفوظ بجاوي - الممنوعات باسم الفضيلة: كيف تصنع القيود مجتمعا خائفًا ومقموعا؟