أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محفوظ بجاوي - متى نتوقف عن الأدعاء بأن - الغرب منحل اخلاقيا -؟














المزيد.....

متى نتوقف عن الأدعاء بأن - الغرب منحل اخلاقيا -؟


محفوظ بجاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8382 - 2025 / 6 / 23 - 17:51
المحور: المجتمع المدني
    


من أكثر العبارات التي تتردد على ألسنة الناس في مجتمعاتنا عند الحديث عن الغرب، عبارة "الغرب منحل أخلاقيًا"، وهي جملة تُقال وكأنها حقيقة مطلقة لا تقبل النقاش، ويتبناها كثيرون دون أن يحاولوا التعمق في معناها أو مراجعة دوافعها. ولكن، إذا أردنا الحديث بموضوعية وتجرد، وجب علينا أولًا أن نعيد النظر في مفهومنا نحن للأخلاق، وأن نتساءل: ما الذي نعنيه فعلًا عندما نقول "أخلاق"؟ وما الذي يجعلنا نطلق هذا الحكم القاطع على مجتمعات كاملة تختلف عنا ثقافيًا واجتماعيًا؟ نحن في الغالب نحكم على الغرب بانعدام الأخلاق بناءً على مفاهيم محددة ترتبط أساسًا بالعلاقة بين الرجل والمرأة، وبالحرية الشخصية، لا سيما حرية اللباس، وحرية الاعتقاد، وحرية التعبير، فنراهم مجتمعات "فاسدة" لأن المرأة ترتدي ما تشاء، ولأن الشاب والفتاة قد يتبادلان القبل في الأماكن العامة، أو لأن الناس يحتفلون ويشربون الكحول ويعيشون حياتهم كما يريدون. بينما لا يُقال عنهم إنهم بلا أخلاق لأنهم يفتقرون إلى الأمانة، أو لأنهم لا يحترمون القوانين، أو لأنهم يتأخرون عن العمل، أو لأنهم لا يتحلون بالصدق أو الانضباط، بل على العكس، جميع هذه القيم متجذرة في مجتمعاتهم، ويُمارسونها بشكل يومي طبيعي، بل ويفرضها النظام العام عليهم فرضًا، سواء أحبوا ذلك أم لا. في المقابل، نحن نعتبر الأخلاق مجرد سلوكيات ظاهرية تتعلق بالمظهر الديني أو الاجتماعي، فنرى أن الأخلاق تتمثل في فتاة ترتدي الحجاب، حتى لو كانت لا تتحلى بالصدق أو الاحترام، ونرى الشاب المؤدب هو من يذهب إلى المسجد، حتى لو كان يستغل الآخرين أو يتعامل معهم بكِبر ونفاق، ونعتبر سائق الأجرة الذي يضع إذاعة القرآن نموذجًا للرجل الصالح، حتى وإن كان يرفع التسعيرة على الزبائن ويتعامل بمكر وتحايل. أخلاقنا هي فتاة مدفونة في المنزل باسم "الستر"، وشاب يتحكم بأفراد أسرته باسم "الغيرة"، ونرى ذلك كله من صميم الدين والفضيلة، بينما نغض الطرف عن الكذب، والغش، والنفاق، واستغلال الضعيف، والتسيب، والفوضى، وانعدام الإتقان في العمل، وكل ما هو في الأصل من صميم الأخلاق. نحن نمتلك تصورًا مشوّهًا للأخلاق، ونختزلها في رموز وعلامات لا تصنع مجتمعًا سليمًا، ولا تبني حضارة. الأخلاق الحقيقية هي الأمانة، والانضباط، والاحترام، والرحمة، والمساواة، والعدل، وهي القيم التي تطبّقها المجتمعات الغربية بشكل عملي وقانوني ومؤسساتي، وتنعكس آثارها في تعاملات الناس اليومية. بينما نحن، وبسبب تراكمات ثقافية ودينية معينة، بات فهمنا للأخلاق محصورًا في ضبط الحريات، والتحكم في الجسد، وقمع الاختلاف، فصرنا نعدّ كل من يمارس حياته بحرية إنسانية "منحرفًا"، حتى وإن كان أكثر صدقًا وأمانة منا. لقد أدت بعض التفسيرات الدينية المتشددة إلى طمس المعنى الحقيقي للأخلاق، واستبدالها بمظاهر وممارسات لا تفيد المجتمع ولا تحسّن من سلوك الفرد، بل تُستخدم غالبًا كوسيلة للوصاية والرقابة والقمع، فصارت "الأخلاق" أداة تهديد وليست بناءً، وصار الخوف من الحرية أكبر من الخوف من الفساد الحقيقي. إن الكارثة تكمن في أننا لا نعدّ الاحترام والتسامح والصدق والانضباط والرحمة من الأخلاق، بينما نضع كل ثقلنا الأخلاقي على قماشٍ ترتديه المرأة، أو على شكل العلاقات بين البالغين، أو على صوت الموسيقى في الشارع، وهذه مفارقة خطيرة في فهمنا للسلوك البشري والقيم المجتمعية. إن المجتمعات التي تُكرّم القانون، وتحترم الوقت، وتحمي الضعيف، وتعزز الثقة، وتحاسب المخطئ، وتمارس الشفافية، هي مجتمعات أخلاقية بامتياز، حتى لو لم تشبهنا في العادات واللباس والمظاهر. أما المجتمعات التي تتغنّى بالماضي، وتعيش على أوهام التفوق الأخلاقي، بينما تعجّ بالتناقضات والفساد والتجاوزات، فلا يحق لها أن تتحدث عن "انحلال" الآخرين. الأخلاق ليست في المظاهر، بل في السلوك، ليست في الادّعاء، بل في الممارسة. لذلك، حان الوقت لأن نراجع أنفسنا قبل أن نحكم على غيرنا، وأن نفهم أن الاختلاف لا يعني الانحلال، وأن الحرية لا تعني الفساد، وأن الأخلاق لا تُقاس بكم نغطي من أجسادنا، بل بما نقدمه من احترام للإنسان، كرامته، وحقوقه.



#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حينما يهدر الوطن ثرواته باسم العظمة
- الجزائر بين من حرروها... ومن حكموها: الحقيقة التي لاتقال
- بين الجهل بالأرض وادعاء الوصاية على السماء: مأزق من لا يعرف ...
- النقد البناء ليس خيانة بل واجب وطني
- في حضرة الخوف....يولد الصمت وتنطفىء الأحلام
- من إستهلاك السلع إلى احتضار الفكر : حين نقتني كل شيء ونعرض ع ...
- التحرر من أسر الماضي: الطريق نحو نهضة حقيقية
- حين يُقصى العقل،وتُستبدل المعرفة بالوهم... يصبح الصمت جريمة.
- الممنوعات باسم الفضيلة: كيف تصنع القيود مجتمعا خائفًا ومقموع ...
- التعليم في أوطاننا... بين التلقين والجمود
- خراب العقول حين تغيب الفلسفة
- جذور ثابتة وهوية لا تُشترى: الجزائر وطن ضارب في التاريخ لايم ...
- الطاعة و الخضوع بين التنشءة والواقع الإجتماعي: قراءة في مواق ...
- في يوم الطالب:من جيل التحرير إلى جيل البناء... هل مازلنا أوف ...
- السياحة الدينية في الجزائر: كنوز مهدرة وفرص ضائعة
- لماذا أنا متشائم؟
- العقل المتهم... والدجل المحصَّن
- في المرآة لا أحد
- لم أُخلق لأربح بل لأصمد: قصة تشاؤم بلا هزيمة
- غريب بين وطنين


المزيد.....




- رئيس أعلى محكمة إدارية في ألمانيا يشكك في صمود سياسة صد اللا ...
- عشرات آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بإعادة الأسرى من غ ...
- عشرات الآلاف يتظاهرون في -ساحة الرهائن- بإسرائيل يطالبون بإن ...
- رئيس أعلى محكمة إدارية في ألمانيا يشكك بصمود سياسة صد اللاجئ ...
- أمريكا.. مخاوف المهاجرين تتزايد بعد قرار المحكمة العليا بشأن ...
- حماس: المجاعة وسوء التغذية يفتكان بأطفال غزة
- حماس: المجاعة وسوء التغذية يفتكان بأطفال غزة جراء الحصار الإ ...
- المجر: عشرات الآلاف يتظاهرون في بودابست ضد سياسة الحكومة الم ...
- إيران تشكل لجنة قانونية لتوثيق جرائم الحرب ومتابعتها بالمحاف ...
- العنصرية والكراهية.. حين تقابل محاولات إيجابية بالإساءة للأج ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محفوظ بجاوي - متى نتوقف عن الأدعاء بأن - الغرب منحل اخلاقيا -؟