محفوظ بجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8380 - 2025 / 6 / 21 - 09:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل استشار الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الشعب الجزائري عندما انهمرت على البلاد بركات الألف مليار دولار؟ هل سأل المواطنين عمّا إذا كانوا يفضلون استثمار تلك الأموال في مئات المصانع للقضاء على البطالة والفقر، أم أنهم يفضلون تشييد مستشفيات جامعية تحفظ كرامة المرضى، وتؤمّن لهم حقّ العلاج الكريم في كل ولاية من الوطن؟ هل خطر بباله أن يُبنى في كل حيٍّ مدرسة، وفي كل ولاية جامعة، حتى تُجتثّ الأمية من جذورها، وتُصان كرامة الإنسان بالعلم والعمل؟
كلا، لم يُستشَر أحد، ولم يُفتح أيّ نقاش وطني. لقد تم التصرف في ثروات الجزائريين بعيدًا عنهم، كما لو أنهم قُصّر لا رأي لهم، وكأن الوطن ضيعة شخصية لا شعب فيها ولا عقول. فبدلًا من الاستثمار في الإنسان، اختار الحاكم أن يطارد سراب "العظمة" الزائفة، فشيّد ثاني أكبر معبد في العالم ( الجامع الاعظم بالجزائر العاصمة) ، وزيّن سماء العاصمة بأطول مئذنة على وجه الأرض، بينما كان الشعب يرزح تحت نيران البطالة، ويئنّ في طوابير المستشفيات، ويتجرّع مرارة الفقر والتهميش.
لقد أُهدرت الألف مليار، وانتهى كل شيء إلى سراب. لم تُبنَ المصانع، ولم تُخلَق مناصب الشغل، ولم تتطور الجامعة، ولا المدرسة، ولا المنظومة الصحية. وبدلًا من أن تتحوّل تلك الطفرة المالية إلى فرصة لصناعة استقلال اقتصادي حقيقي، تحولت إلى مأساة وطنية، وإلى رمز صارخ للفساد وسوء التسيير.
أيّ عظمة تلك التي تُبنى على أنقاض كرامة الإنسان؟ وأي مجد يُشيَّد فيما المواطن يُهان في المستشفى، ويُذلّ في الإدارة، ويُقصى من سوق الشغل؟ كيف تُقاس العظمة: بطول المآذن، أم بعدد العقول المنتجة؟ باتساع المعابد، أم بعدد المصانع والمدارس والمخابر؟ العظمة ليست في الإسمنت والرخام، بل في الإنسان حين يُكرَّم ويُحترم ويُنمَّى.
لقد ضاعت فرصة تاريخية لبناء دولة قوية، منتجة، عادلة. وبهذا الإهدار، لم تُهدر الأموال فحسب، بل أُهدر معها الأمل، والثقة، والانتماء. وصار الوطن مشروعًا مؤجلًا، ووعدًا مكسورًا، وجرحًا مفتوحًا. فهل من مغيث قبل أن تبتلع الرداءة ما تبقّى من رجاء؟
#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟