أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - مذكرات ما قبل الرحيل ج 16















المزيد.....

مذكرات ما قبل الرحيل ج 16


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7314 - 2022 / 7 / 19 - 04:45
المحور: الادب والفن
    


يقول الدكتور مصطفى محمود رحمه اللَّه من كتاب " حوار مع صديقي الملحد "بخصوص مناسك الحج في رده على أعتراض أحد الملحدين، فقد برر كل تلك الشعيرة المفترضة دينيا على أنها رمز كوني وجودي خالص من خلال التعبير عن أصل ثابت فيقول (ألا تعيش في هرولة من ميلادك إلى موتك ..ثم بعد موتك يبدأ ابنك الهرولة من جديد ..وهي نفس الرحلة الرمزية ..من الصفا ، الصفاء أو الخواء أو الفراغ رمز للعدم إلى المروة ، وهي النبع الذي يرمز إلى الحياة و لوجود من العدم إلى الوجود ثم من الوجود إلى العدم أليست هذه هي الحركة البندولية لكل المخلوقات ألا ترى في مناسك الحج تلخيصا رمزيا عميقا لكل هذه الأسرار)، هذا التبرير الذي في جانبه الفلسفي إثبات بأن الشعائر التي يحملها كل الفكر الديني الوضعي ما هي إلا رموز يتعامل معها البشر بأعتبارات تأويلية وتأملية، وبالتالي فهي بالحقيقة لا تعبر عن واقع فعلي عن قضية فعلية، الرمز دائما يستمد قوته الفعلية من جوهر المرموز لا من الأداء الذاتي له، إذا نظرنا إلى قيمة الرمز مقارنة بما إرمز له به، المنطق يقول أن الأصل هو الأعظم والرمز مجرد قيمة تمثيلية أو تصويرية له، فالإصالة إذا للأول لا للرمز.
هذا موقف المتنورين من أصحاب العقل الديني والذي يعبر عن خلاصة فهمهم لموضوع الدين عموما، وإن حاولنا الغوص معهم في قضايا كلية لن يخرج منطقهم عن التبرير والتأويل الذي يضعونه قبال الفكرة، الصوم تعبيرا عن أو رمزا لمقاومة الإنسان لعوامل الضعف، الصلاة رمزا لصلة الإنسان وطاعته لله من خلال مبدأ الخشوع والخضوع لله، عمل الخير محاربة الشر كلها رموز لقضية أكبر نهايتها أن الإنسان وجد لأداء وظيفة إعمار في الأرض، طالما أننا نؤمن بأن القضية العبادية أصلا قضية رمزية فلماذا لا نؤدي ما في المرموز له من مضمون عملي وفكري، فالله الذي وضع الإنسان في هذه القضية التي يتحدث عنها الدين وهي قضبة إعمار الأرض، إنما أراد أن يتم ذلك وفق فهم كلي منتظم ومقونن ولا يخرج العملية من نطاق بناء الكون كله.
‘ذا هل منطق الرمز والمرموز صالح ليكون بديلا عن منطق الأصل والمبدأ؟ هذا السؤال يجيب عليه العلم من خلال تفسير لجوء الإنسان إلى الرمز وأتخاذه هدف بدل الأصل، التفسير يكون بين أحتمالين متساويين، الأول أن الإنسان يدرك لشكل جزئي أو أحيانا أفتراضي ما يرمز له بشكل عام دون تفاصيل محددة، فهو لديه فهم غير كامل ما ينقصه شكل الصورة الكاملة، ولما يعجز عن التوصل لها سوق يبحث في ذهنه عن صورة مقاربة يتخذها بديلا عن تلك الصورة التي عجز عن إدراكها بالتمام، ونتيجة لعدم تجديد الصورة لعدم تجديد الإدراك بما صور له تتحول الصورة الرمزية إلى أصل بديل.
الحالة الأخرى عندما يكون الرمز حالة إنفعالية لإحساس ما وليس إدراك جزئي سوف يتحول هذا الإحساس إلى نوع من التعاطي مع خيال أو وهم أو ربما شك بوجود باعث لهذا الإحساس، علميا التخيلات التي تصيب الكثير من الذين يعانون من أعراض نفسية مرضية لو تخلصنا من أسباب الحالة سنجد أن المريض سوف تنتهي تلك التخيلات الذهنية من عقله ويفقد الإحساس بها، علم الأديان يقول أن الشعور الديني الأول الذي أعترض الإنسان البدائي هو تخيلاته التي كان يعاني منها نتيجة عدم الأستقرار والخوف من أضرار البيئة والمحيط الذي يعيش فيه، فهو حول الخوف والإحساس به نحو الشعور بوجود قوة أكبر يمكن اللجوء لها لتعطيه الأمان، هذه البداية هي التي أسست العلاقة بين الإنسان والغيب أو الإنسان والمجهول المخوف أو الذي يمنع الخوف.
من هنا نفهم مغزى الرمز في عقل الإنسان والأسباب التي تجعل من الحالة اللا يقينية تتحول بمرور الزمن جزء من البديهيات والثوابت، صحيح إن الأديان جميعها تشير لوجود الله كقوة عظمى في منتهى القوة والقدرة وأنها الفاعلة الرئيسية في حركة الكون بعيدا عن التفصيلات الماهوية في كل دين، هذا المشترك اليقيني أساسه كما يفهم من الأبحاث العلمية والسيكولوجية وحتى الفلسفية مصدرها الفطرة الإنسانية والأثر المادي لوجود ظاهرة القوة مجردة في الوجود، العقل البشري يؤمن أن لا حركة بدون سبب فاعل أو محرك أكبر وأقوى، والنقطة الأخرى أن وجود هذه القوة ضروري لدوام الوجود وتنظيمه، فالدين بهذه النقطة يقترب كثيرا من العلم لولا التشويش الذي يلحق مخارج هذه الفكرة ويحولها إلى تصورات جزئية، أما موضوع الفطرة فهو أساسا نتاج إيمان العقل بوجود القوة الأكبر، إذا فالوجود مجردا هو من ألهم وأدل الإنسان على وجود الله.
إذا العقيدة بوجود الله ليست ولادة موضوعية في عقل الإنسان مستنده لأسبابها العقلانية والمنطقية الحقيقية، فلقد توارثها من سلفه وحاول أن يرتقي بها لتكون أكثر أتساقا مع تطور المدركات الوجودية المحيطة به، لكن تبقى بالنهاية خاضعة في أساسها للنقل والأنتقال كجوهر موضوعي، يقول الدكتور علي الوردي (الإنسان في كثير من الأحيان لا يختار عقيدته بإرادته، بل يتلقاها من محيطه الأجتماعي جاهزة ثم يتصور أنها خير عقيدة إنزلت للناس)، هذه الحقيقة تحمل معنى أنتقال فكرة الرب الرمز وفكرة الطقس الديني كرمز من جيل لجيل على أعتبار أنها نهائية غير قابلة حتى للمناقشة، وهذا ما يفسر أستقتال البشر للحفاظ على فكرة الدين بشكل جدي، في حين أنه في كثير من الأحيان يتخلى عن مرتكزات مهمة في حياته قد تكون أهم من فكرة الدين وحتى دون مقاومة.
لم أجد سببا مقنعا للعقل الديني يفسر عجزه عن محاولة العودة من الرمز إلى أصل القضية طالما أن الرمز وحتى في مقولاته ليس بالضرورة أن يطابق جوهر الموضوع المرموز له، قد تكون من أسباب ذلك عدم رغبته في فتح أبواب التخلي عما يعتبره ثوابت وبني عليها هيكل الفكرة الدينية كلها، أو خشيته من التطورات اللاحقة التي قد تمس أصل قضية الدين والعبادة وهي قضية وجود الله بالشكل الذي كونه في ذاتيات فكرته، وهناك أسباب أخرى منها أيضا عدم أمتلاك الشجاعة الكافية لمواجهة العقل لنفسه في نقد موضوعي وحازم وجاد عن الكثير من القضايا التي شكلت له أزمة مستدامة مثل قضايا الأخلاق والحرية وحق الإنسان في أن يكون مستقلا بإدراكاته، دون أن يفرض عليه الواقع والمجتمع محددات مسبقة تقيد حركته الوجودية أو تحد من تطلعه إلى ما بعد الواقع وما بعد الممكن والمعقول.
العقل الديني التقليدي لم يعد عقلا له خصائص الكشف والأستنباط والتحري والنقد، فهو اليوم مجرد برنامج معد ليقرأ بطريقة واحدة وبنغمة ثابته كلما وصل نهاية القراءة أعادها من جديد كما في أشرطة الفيديو، هذا العقل لا يصلح أن يكون حامل لواء الإصلاح والتغيير ولم يتمكن حتى من فهم كلمة تنوير، إنه ألة صماء لا تسمع ولا تجيد غير الترديد، المعول عليهم اليوم في عملية تجديد الخطاب الديني على الوجوديين الطبيعيين من فلاسفة ومفكرين، ليس الوجودية الغربية المادية أحادية التوجه، بل الوجودية الطبيعية التي تنبع من حقيقة العلم التي تقول أن كل الأبواب مفتوحة لكل شيء ولكل توقع، وما على العقل إلا أن يجرب ولا يخشى النتائج، فما هو كائن يبقى كائن وما هو محال منطقيا لا يمكن أن يولد تحت أي ظرف ومعنى.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 15
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 14
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 13
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 12
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 11
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 10
- مذكرات ما قبل الرحيل ج9
- مذكرات ما قبل الرحيل ج8
- مذكرات ما قبل الرحيل ج7
- مذكرات ما قبل الرحيل ج6
- مذكرات ما قبل الرحيل ج5
- مذكرات ما قبل الرحيل ج4
- مذكرات ما قبل الرحيل ج3
- مذكرات ما قبل الرحيل ج2
- من مذكرات ما قبل الرحيل
- دائرة الفساد من يد ليد معا من أجل عراق فوضوي تحت سقف القانون ...
- التفكير الفلسفي في منطق التشريع ح1
- فلسفة التشريع والمشرع
- التشريع نتيجة كبرى
- ما بعد الدين ما بعد الشريعة ح1


المزيد.....




- السلطات المصرية تكشف تفاصيل واقعة تعرض فنانة لـ-التحرش- من س ...
- مصر.. مخرج -بنقدر ظروفك- يعلق على فيديو الفنان أحمد الفيشاوي ...
- فنانة سعودية تكشف تفاصيل تبرؤ عائلتها منها بعد دخولها مجال ا ...
- بمتحف -أصداء السيرة الذاتية-.. نجيب محفوظ يعود للجمالية بعد ...
- فيديو يرصد -فاجعة المسرح- بالمكسيك.. 9 قتلى و50 جريحا
- بجودة HD تردد قناة توم وجيري الجديد 2024 Tom and Jerry على ا ...
- إبراهيم معلوف... موسيقار لبناني فرنسي يبدع في عزف الترومبيت ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- تأييد حكم بسجن الممثلة المصرية منة شلبي وتغريمها بتهمة حيازة ...
- تحديث:قصه قصيره بعنوان (نصف موت) للكاتبة القصصية عبير عبدالر ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - مذكرات ما قبل الرحيل ج 16