أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - مذكرات ما قبل الرحيل ج4















المزيد.....

مذكرات ما قبل الرحيل ج4


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7305 - 2022 / 7 / 10 - 11:48
المحور: الادب والفن
    


جلجامش أيها الملك الجبار الشجاع أسمع قول كهنة المعبد.. لا تذهب بعيدا في الحزن فقد مات كثيرا من الآلهة ومسخ الكثيرون...حتى ديموزي الذي ما زال يتلقى اللعنات لم تنفع شجاعته ولا جبروته فقد غيب الغضب وجهه الجميل.. عليك أن تبتسم في كل الأوقات فأنكيدوا أكله غضب الإلهة لأنها لم ترغب أن تراك صريعا... الإلهة والدتك هي من قدمت القربان لأنها تحبك.
إذا ما ذنب أنكيدو صديقي الجميل أن يذبح قربانا لذنب لم يرتكبه؟ لماذا يا أمي؟ ألا تعلمين أنه أخي وأنت من جعلت رباطنا كرباط الآلهة ؟؟؟؟ لماذا لا تحملون ميزان العدل بجدارة؟.
رد الكهنة يا حبيب الآلهة لا تكثر من الكلام البغيض ودع آلهة السماء تستمتع بقيلولتها بعد أن أزعجها بطلك الوحش بقتل حارس الغابة خمبابا الرهيب، أي قلب يحمل أنكيدو؟ بل أي قلب تحمل أنت أيها الباحث عن سر الفناء.... أنصرف إلى أحضان الحسناوات وأشرب من الخمرة المباركة، ولا تنسى أن تشكر الآلهة لأنها ما زالت تحبك أبنا عاقا لا يهابها.
أنكيدو يبكي وأنا أحاول أن أشرح له نظرية سارتر حول الموجود لذاته والموجود بذاته، أنكيدو، لذا فهو موجود بذاته لأنه فقط موجود كان وأنتهى، أما أنت أيها الملك العظيم الملك الشجاع الذي أسس مفهوم أخلاقي مغاير لأخلاقيات الآلهة المتهرئة وفضح فسادها الكامن في عقل البشر فموجود لذاتك لأنك أنت الباقي ولو لزمن، الراحلون أساسا هم الزيادة الغير مرغوب بها لتبقى...
حاولت أن أرى جسد أنكيدو أو جسد خمبابا المدمى بالطعنات فكانت الحية تلك السارقة سر الفناء وليس سر الخلود بالمرصاد تمنع كل زائر يريد أن يضع باقة من الزهور، إنها غاوية عاهرة منذ أن حرمها الله من الأقدام كما تقول التوراة وجعلها حقيرة تمشي على بطنها وجعلها ملعونة، فتذكرت صاحب ألة الزمن الذي أسرته غصون في الحلقة السابقة، في كل مرة تكون الأنثى هي صاحبة العبث الأكبر في رسم وجه الوجود المتأمل في المخيال، يقولون حواء هي سبب خراب البشر، الغانية اللعينة التي أغرت أنكيدو وجاءت به إلى أوروك بعد أن سقته من سم عسل جسدها، هي من تتحمل مصير النهاية المؤلمة له، جلجامش أمه الإلهة هي من كسرت قلبه وخربت عمارة الجمال فيه، ما أقول عن أمي شيئا من باب حبي لها فقد جاءت بي في زمن لا أشبهه ولا يشبهني، ماذا لو عقمت مرة فقط، وفقط لا أكثر ولا أقل.
من حق جلجامش أن يجلد الآلهة ويشتمها ويلعن أباء من نصبها، فالآلهة الغبية القاسية لا يحق لها أن تسكن السماء، كما لا يحق لها أن تتصرف بالوجود، بالتأكيد كل من يحمل مشاعر قاسية هو غبي من التكوين، كلما أردت أن أخبر صديقي الملك العظيم هذه الحقيقة يحضر أمامي هوس الخوف من اللعنة، صحيح أنا لست مؤمنا بقدرة الآلهة الما بعد الخارقة، وأظن دوما أن ما يقال عن نظامها ورؤيتها التي بقول الناس عنها أنه الدين أو العقيدة هي محرد حيلة، وإن كانت في جوانب منها جميلة، لكنها تبقى على الدوام خديعة، فالآلهة أو حتى الله الذي أنا متيقن جدا من وجوده ليس مسئولا عن طريقة تعاملي في الوجود، دين الله الخالق هو النظام الوجودي بمعادلاته وحساباته الدقيقة، زجنا ضمن هذه المنظومة حتى نكون جزء من ألية كبرى تحافظ على وجودها وديموميتها من خلال منحة التفكير والتدبير، وليس من خلال الحلال والحرام والجنة والنار.
الجنة هي أن تساير الوجود بشكل إيجابي فلا ترهق النظام ولا يرهقك النظام.
أما الجحيم فهو أن تخترق طبيعيا وأنت تسير عكس قوانين حركة السير الكلية المطلقة.
السير عكس ما هو واجب حرام.
السير منتفعا بقوة النظام هو الحلال.
أنتهى زمن الدين الذي تغنى به المعبد طويلا وكأنه الفتح الذي أكتشفه الإنسان ليسير بطريق أخر خارج قانون ومعادلات الوجود القديمة التي لا تتقادم، فهي مع كل جديد أكثر حداثة ومع كل قديك أسبق بالحصول والحدوث، عند هذا الحد فهم جلجامش ما أقول وسكت طويلا يقلب الكلمات لينتقي جوابا ليس لي، لكن كهنة أوروك يغرون جلجامش بحكايات اللعنة ومصير ديموزي، وأن عشتار التي يعشقها ويتصارع عليها الملوك والجبابرة هي من تضع قواعد الوجود، لا يا سيدي الملك أذهب وضع حربتك وفأس أنكيدو في لب أحشائها، تأكد لا شيء سيحدث، بل لن يحدث شيء حتى لو أرادت، فالآلهة هي جزء من عقلنا، جزء من أوهامنا، جزء كبير من الخديعة العظمى التي قتلت أنكيدو.
في كل الأزمنة كان المعبد أحد أكبر القتلة وواحد ممن عبث بالنظام، الغريب أنه ينجو في كل مرة من الاحتراق، قال لي جلجامش لماذا برأيك السبب الذي يجعل المعبد فالتا من العقاب، الجواب بسيط جلالة الملك المعظم لأن الإنسان الغبي الذي يؤمن بالمعبد على أنه هو الرب الذي وضع قواعد الوجود، مستعد على الدوام أن يتحمل نار الأحتراق وهو سعيد، تصور سيدي الملك هذا المأزق عندما تكون الضحية في قمة السعادة وهي تذبح على عتبة الخطايا، وممن ؟ من الذي يقول أنه جاء ليخلص البشر من داء الذنوب.
كان اللقاء قصير جدا مع الملك الذي أراد أن يسرق ألة الزمن من صاحبنا الشيخ الذي طرق باب غصون في يوم ما، لكن الغريب أن هذا الرجل يطرق أبوابنا كل يوم، ويكلمنا كل بلغته ويحاور الجميع، في وقت واحد وهو يسير في طريقه الدائري المغلق بلا توقف، سألني الملك عن تقدير عمر هذا الرجل، أظنه لا يتجاوز عمر الوجود بل أقل منه بثانية فقط، فالرجل ولد هكذا شيخا عتيا بالعمر مذ أن تحركت أول ذرة في الوجود، ولن يموت ولا يرحل قبل أن تستنفذ الذرات في المادة قدرتها على الحركة الجوهرية، فلا أظن أن أحدا منا سيكون شاهدا على نهايته لأننا أصلا ذرات تعمل بالمطلق التام.
أظن أنا والملك العظيم جلجامش أصبحنا أصدقاء فقط؟
في مرات كثيرة وأنا أقرأ الملحمة التي كتبها عراقي قديم ربما كان فيلسوفا وجوديا عبثيا، أعود من رحلة القراءة وأنا أشد نقمة على نفسي أو على عقلي، كيف لهذا العراقي القديم الذي لم يدرس أصول ومقالات الفلسفة أن يرسم لنا حقيقة الوجود، نعم حقيقة الوجود فهو كتب مثلا عن أستحالة الخلود مع أن ذلك ممكن، وزرع في عقل الإنسان حلما أنه سيصل في يوم من الأيام لهذا السر، نعم بالتأكيد ومحذرا من الخطأ... لكن هذا الرجل أو العقل لم يعد يقرأ ما كتب لا وحتى لم يفهم لماذا كتل كل ذلك خاصة وأنه اليوم يعيش في عالم كل شيء فيه يقرأ ويكتب، حتى الصخر الميت تحول إلى قارئ وكاتب ومعلم ، لقد تحول الوجود كله إلى ملحمة في كتاب صغير يسمى المومري من الممكن أن تحمله كما تحمل لا شيء من خفة الوزن وقلة المساخة.
لكن أين الخطأ برأيك أيها القادم من مستقبل بعيد؟ هكذا ناداني الملك جلجامش.
يا سيدي الملك الخطأ الذي وقعت فيه أنك لم تحسب حساب الفرصة الضائعة أولا، لم تحسب بأن الأسرار يجب أن تحفظ بعيدا عن أيدي من يتربص بنا ليعبث بالفرصة ربما لأنه مؤمن قطعا أن الله لا يقبل، أنا أعرف الله لا يحتج ولا يرفض ولا يقبل لأنه ليس مثلنا يفعل ما ليس من طبعه ولا من عادته، أذكر يا سيدي أن أحد العظماء وقبل قرون عدة قال، أن الوجود المادي فيه ممرات سماها طرق خفية هرب الزمن منها، يمكنك أن تدخل هذه الطرق الأنفاق لتعيش ما تعيش خارج سلطة ألة الزمن بيد صاحب المطوى، ربما خلود هذا، ربما العشبة التي وجدتها كانت تجعلك ترى هذه الطرق فتعيش الخلود، ليس فيها أكثر من سر أن تكشف عنك غطاءك فيصبح بصرك من حديد، لو كانت العشبة بذاتها لذاتها سر الخلود ما أستطعت أنت أن تقتلعها من جذورها...
سيدي الملك أنا أرى حلمك حق مشروع ربما لأنه أحتجاج عظيم منك على فعل الآلهة الخادعة المخادعة، ربما من حقي أيضا أن أعلن عن ثورتي الخاصة ضد الرب المزيف الذي تنتجه المعابد المزيفة منذ أن عرف الإنسان طريقة الأحتيال على نفسه ليجربها على غيره، فتحولت تلك الخديعة إلى سلوك محترم بل ومقدس وضروري ومخيف ومرعب...
سيدي الملك ما رأيك أن تجعل من كهنة معابد أوروك يتذوقوا اللعنة منك وبيدك، لتقطع دابر الكذب، وتعلن على الملأ من هنا من ساحات أوروك وأسوارها العظيمة أنك أنت ملك الجهات الأربع تعلن عن تحريم أي خداع بشري، لأنه ضد الطبيعة وضد الوجود وضد دين الله الذي يحكم العالم من خفي، هذا الدين لا يحتاج لكتاب لأنه موجود في كل شيء، ومكتوب على كل شي يجري لأجل مسمى وأجل، لا معبد يمكنه أن يستوعب هذا الدين ولا من عقل لا يستطيع فهم قوانينه، فهو السهل الميسر والصعب المستصعب.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مذكرات ما قبل الرحيل ج3
- مذكرات ما قبل الرحيل ج2
- من مذكرات ما قبل الرحيل
- دائرة الفساد من يد ليد معا من أجل عراق فوضوي تحت سقف القانون ...
- التفكير الفلسفي في منطق التشريع ح1
- فلسفة التشريع والمشرع
- التشريع نتيجة كبرى
- ما بعد الدين ما بعد الشريعة ح1
- ما قبل الدين ما قبل الشريعة
- مقدمة في دراسة فلسفة التشريع
- العراق قادم ح3
- العراق قادم ح2
- العراق قادم ح1
- ماهيات الحضارة الإنسانية من وجهة نظر أجتماعية تاريخية
- في ظاهرة الإنكسار والبناء النفسي
- تشرين وما بعد تشرين العراق قادم بقوة.
- الرؤية الوطنية لحركة -العراق قادم-
- بيان من حركة -العراق قادم-.
- النجف تتحكم بمفاتيح الإنسداد وبغداد تسمع وتطيع
- قراءة خاصة لمستجدات الوضع العراقي


المزيد.....




- التضييق على الفنانين والمثقفين الفلسطينيين.. تفاصيل زيادة قم ...
- تردد قناة mbc 4 نايل سات 2024 وتابع مسلسل فريد طائر الرفراف ...
- بثمن خيالي.. نجمة مصرية تبيع جلباب -حزمني يا- في مزاد علني ( ...
- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - مذكرات ما قبل الرحيل ج4