أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - مذكرات ما قبل الرحيل ج3















المزيد.....

مذكرات ما قبل الرحيل ج3


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7304 - 2022 / 7 / 9 - 14:46
المحور: الادب والفن
    


في مستودع الحياة كلنا أرقام متحركة متبدلة متغيرة ومن الممكن أن تكون متطورة ولا حتى نهائية في معادلات حسابية لا تقبل الخطأ أو التحوير والترهيم، وحدها فكرة الدوام الميكانيكي للحركة في الوجود تبقى سارية بشكل مضطرد في أنضباطها لأنها عماد كل المعادلات، وبدونها لا يمكن أن يستمر الوجود لجزء من الجزء من أصغر مقياس زمني، السبب أن حجم الوجود الذي لا يمكن حتى نتأمل قياسه بدقة لا يحتمل أي نسبة من الأختلاف بين الوقت والتوقيت، بين القوة والحركة، بين العلم والجهل ... إنها الدقة في ضبط الحركة في جميع أتجاهاتها حسب وحدة القانون.
من هنا لا أتصور ولا يمكن أن يتصور أي مالك للقوة أو القدرة الفعلية وليست المفترضة ولا المتوهمة أن ينفذ من دقة القانون الحركي وحركة القانون الوجودي، إذا سؤالي هنا إذا لماذا منحنا الله العقل؟ هل فقط لنقرأ النظام وننصاع له؟ أم جعل هناك ما هو متاح لهذا العقل أن يعبث به؟ أنا من أنصار الرأي الثاني طبعا... إذا لماذا يعبث عقل الإنسان بنظام وضع فوق طاقته حتى في تصوير شكله؟ جوابي لأن الجزء الذي منح لنا هو في هامش ما قبل الخطأ المسموح به، بمعنى أن الله جعل هذا المتاح ليكون عقل الإنسان في دوامة الإنشغال به لا الشغل فيه.
ولأن الإنسان غير قوي ولا متين فكلما بعبث بشيء "يخرب" هو وليس الشيء بعلامة خروجه منهزما في جولة بعد جوله، ولكنه لا يتعظ ولا يتوقف، هكذا أراد له العقل أن يكون وسيبقى كذلك حتى ينفذ الحين.
حاولت مرات أن أقرأ فكرة وجوب العبث في عقلي لعلي لا أضع قدمي في مكان الخطأ وأسلم بريشاتي كما يقول المثل، فأنخرطت في متتاليات عقلية واحدة تسوقني لأخرى ولأخرى حتى مللت التنقل اللا واعي بينهم، فأغلق الباب متكئا على أني سأعود غدا لتكملة رحلة لا فيها خطوط ولا مقدمات ولا تتبع منهج فقط التداعي هو من يأسرني من حيث لا أعلم، وهكذا مرت محاولاتي كلها لنهايات متشابهة ولكنها حفرت في أعماقي عادة لئيمة، هي أني لا بد أن أعرف كل شيء حتى لو كانت لا تنتج شيئا ولا تعني شيئا، المهم تحولت إلى جهاز بحث وكشف محدود القدرة لكنه يعمل بقوة.
قد أبدو عند البعض متشائما أو ربما سوداويا ولكن قبل أن أبرر اسأل من يقول ذلك، أعطني سببا واحدا يجعلك أنت غير متشائم؟ والقدر كما تقول هو من يحدد لنا الطريق، من حقك أن تبدو سعيدا ومن واجبي أن أعيش الفرصة بأحسن حال، لكن مهما حاولت أن أبدو سعيدا أحس أن داخلي يقول من السخف أن تصطنع السعادة وأنت تغلي من الداخل خوفا من مرحلة ما بعد نشوة السعادة، لو كانت السعادة كما هو الحزن رفيق لا أقول دائم ولكن غالب أو متوفر لأيقنت أن تكون سعيد هو واجب محتم على الإنسان، هذا لا يحصل أبدا حتى مع من يتنعم بكل شيء، بالأموال بالسلطان بالقوة ربما وحده من لا يفكر بالأصل أو لا يمارسه كثيرا يشعر أن السعادة هي قانون الوجود ولا قانون سواه.
إذا العبث لا ينفع طالما أنه عبث حتى وإن كان يحرك العقل أحيانا، قد أشعر بشيء من الرضا حينما أمنح عقلي حرية خارج نطاق الصندوق المغلق، طبعا ليس في تسخيره للبحث فقط، لكن حينما أحرضه أن يخرج من دائرة المرسوم الممكن الطبيعي المتعارف عليه، هذه الحدود التي تدور فيها أغلب عمليات التعقل وأوضحها وأشهرها والتي تجعل ممارسها من طبقة كبار العقلاء أو طبقة عظماء المجانين، لكن ما أريده لعقلي أن يحلق بعيدا عنها ربما يصل لبعض المناطق الحارفة فيتزود بطاقة لا نهائية أو حتى ليحترق، كلا الأمرين يرضياني، معهما أشعر بقبول نفسي عالي وتقدير ذاتي مشجع، أما مجرد المحاولة فلا أظن أنها تثمر شيئا مما أحب.
أشد خساراتي في رحلتي التي أمتدت منذ الولادة ولليوم هي أني لا أستطيع اللحاق بصاحب الزمن، حدثتني جدتي في بعض الليالي الباردة وقد كنت صغيرا جامح الخيال عن قصص يكون بطلها صاحب الزمن، الرجل الذي يطوي الزمن بألة في يده لا يتوقف ولو للحطة، لا يأكل لا يشرب لا يتحدث فقط يطوي الزمن بألته وهو ماضي كل يوم بنفس الطريق، تأملت أن أسمع يوما من حكايات جدتي أن أحدا أمسكه أو قيده ووضعه في مغارة وأنهى مأساة الإنسان معه، في ليلة من الليالي حكت جدتي قصة غصون تلك الفتاة التي لديها أربعين أخ يسكنون قصرا منيفا في الصحراء فيه كل ما تشتهي النفس وتعشق الروح، كانت سعيدة بهم وهم سعداء بها وأيما سعادة، كان رجل كبير شيخ طاعن بالسن يمر يوميا على باب القصر ويسألها "غصون الدهير يميل؟" تجيبه المسكينة وهي تنعم بالرفاه، لا يا جدي الدهر لا يميل، فينصرف الرجل حتى حلت الكارثة في نهار أسود، فقد مات الجميع، وأصبحت غصون مثل يتيمة الدهر.
خرجت هائمة على وجهها تبحث عن لا شيء، فقط حتى لا ترى ما رأت عينها من موت مفاجئ حصد الجميع..... تمضي الحكاية حتى تجد صاحب ألة الزمن "الطاوي" فتسأله وتحاوره وتحتال عليه حتى قيدته وأخذت منه الآلة، وذهبت مسرعة لقصرها وأخوتها وذلك بعد سنين من موتهم لتختبئ من الزمن، ولما دخلت الدار سمعت صوت طرق الشيخ على الباب، ففرت مسرعة له وقبل أن يسألها قالت "الدهر يميل.... يا جدي الدهر يميل" فهدأ من روعها وأعطاها وردة، وقال لها، شمميهم بعد أن تعيدي ترتيب القصر وتنظيفه فسيبعثون للحياة، ولكن هاتي المطوي حتى لا يتوقف الزمن وتتوقف الحياة.... أنا هو رجل الزمن صاحبه ومدبره.
خرجت في ليالي كثيرة في ظلمة وسكون لعلي ألتقي بالرجل صاحب المطوى، كنت أتخيله رجلا كبيرا لحيته وشعر رأسه كأنهم قطعة واحدة من شعر أشيب كفضة تلمع حتى في لجة الظلمة، كنت أدخر كلمات أعيد صياغتها يوميا تحسبا للقاء، في مرات كنت أحتال عليه أني يتيم، ولا من أحد يسأل عني وأطلب أن يوافق على أن يصطحبني معه حتى تحين الفرصة لي أن أسرق ألته أو ربما أرجع بها للوراء، وتعود الأيام معي للخلف... كثيرة هي أحلامي ولقاءاتي معه طبعا في خيالي، كنت أجلس قرب جدار من طين يشرف على طريق ترابي يمر جنب النهر الكبير، الكل تقريبا يمر منه إلا من يأت عبر النهر، حدثته بتفاصيل كثيرة ومطولا عن شوفي أن أرى أبي، أقول له مره واحدة أني كثيرا ما كنت أنتظر أن يعود حتى علمت أن الموت بخيل جدا يأخذ ولا يعطي أبدا... لعنت الموت من حينها وصرت له عدوا...
وحده الجدار كان من يسمعني...
سألت نفسي بعد أن صرت رجلا بعقل هل كان الجدار يبكي لحالي أم كان يضحك لسخافة شعوري الطفولي.
المهم في حكايتي مع الخسارة الكبرى أني ما زلت مؤمنا أن الزمن يمكن أن يكون أله أو ربما قانون يفك أسراره معادلات ما أو حسابات رياضية ربما سيعرف الأنسان جزء منها، هنا تكمن خسارتي الكبرى والعظمى والنهائية، أني لن أكون موجودا يوم يكتشف الإنسان ويفكك أسرار الزمن، فجدتي وحكاياتها لا تكذب ولكنها ترمز لواقع حقيقي سيكون في عالم مقبل بعيد أو قريب، وبكن في جميع الأحوال لا يمكن أن يكون عبثا بما لا يسمح به رب الوجود.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مذكرات ما قبل الرحيل ج2
- من مذكرات ما قبل الرحيل
- دائرة الفساد من يد ليد معا من أجل عراق فوضوي تحت سقف القانون ...
- التفكير الفلسفي في منطق التشريع ح1
- فلسفة التشريع والمشرع
- التشريع نتيجة كبرى
- ما بعد الدين ما بعد الشريعة ح1
- ما قبل الدين ما قبل الشريعة
- مقدمة في دراسة فلسفة التشريع
- العراق قادم ح3
- العراق قادم ح2
- العراق قادم ح1
- ماهيات الحضارة الإنسانية من وجهة نظر أجتماعية تاريخية
- في ظاهرة الإنكسار والبناء النفسي
- تشرين وما بعد تشرين العراق قادم بقوة.
- الرؤية الوطنية لحركة -العراق قادم-
- بيان من حركة -العراق قادم-.
- النجف تتحكم بمفاتيح الإنسداد وبغداد تسمع وتطيع
- قراءة خاصة لمستجدات الوضع العراقي
- شرف الخصومة ومبادئ العمل السياسي الوطني.


المزيد.....




- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - مذكرات ما قبل الرحيل ج3