أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - ما بعد الدين ما بعد الشريعة ح1















المزيد.....

ما بعد الدين ما بعد الشريعة ح1


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7297 - 2022 / 7 / 2 - 02:53
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في تجربة الإنسان مع الدين وقبلها مع القانون والعرف والقواعد البدائية المنظمة لأول مجتمع إنساني كانت الحاجة إلى الشعور بالأمن أول مستلزمات الضرورة، بمعنى أن خوف الإنسان من محيطه أولا ومن المجهول الغيبي أو اللا متوقع هما الدوافع الأساسية للتقيد بها، لا رغبته خالصة منه أو شعور مثالي محض هي من يبرر له التنازل عن واقعه الأول، والتفريط بحريته ليكون ضمن مجموعة تحتكم لمحدد واحد، هذا الخوف ليس وليد ظروف أدت له وإن كانت الظروف هي من تبرزه وتكشف عنه علانية، لكن ما يدقع للخوف يبقى الطارق الأساسي الذاتي النفسي الداخلي على عقل الإنسان ليبتكر ويبتدع مصدات لهذا الخوف حتى لو على حساب حريته، فالعلاقة بين الحرية والخوف وإن كان لا رابط ظاهر بينهما هي علاقة القانون بالمجتمع، فعندما نجد تسيبا في تطبيق القانون وإهمالا لدوره تشيع أنماط مشوشة من أشكال الحرية، التي تصل في مديات متطرفة إلى سحق القانون ذاته وإخراجه من دائرة الخوف، فالحرية المنضبطة تمثل في حقيقتها خوف منضبط والعكس صحيح.
إذا الدين القانون التشريع عرفيا أو مدونا جمعيا أو أختياريا يخضع في نهاية الأمر إلى حقيقة مقدار الخوف المسبب لوجوده، وثانيا الخوف من أنتهاكه بلحاظ وجود الجزاء، من هنا طهرت العلاقة الطردية بين تشديد الجزاءات مع تأكيد الألتزام وفاعليته خاصة في المجتمعات التي لا تتوفر فيها وسائل إقناع أجتماعية عدى الخشية من قوة السلطة الفارضة للجزاء، في المجتمعات التي تتمتع بقدر عال من التعليم والمعرفة والتفاعل تجد الأواصر الأجتماعية فيه لا تبنى على الخوف وحده بل تستعيض بكثير من القواعد الأخلاقية التي تحل محل الجزاءات في فرض القانون والتشريع، عندما يصف عالم أجتماع أو دارس للمجتمع بأن القانون أو التشريع المسيطر على مجتمع ما هو تشريه مادي قاسي، إنما يشير فيه إلى أن العوامل والقيم الأخلاقية والمعرفية غير نشطة بأتجاه دفع الفرد للالتزام بالقانون والأمتثال لإرادة المجتمع.
حتى في الشرائع الدينية والتي تتمتع بتقدير وأحترام عال من البشر نرى أن الشارع لها قرن بين الوعد والوعيد، بل مضى في منهج التخويف المتشدد وتنوع في صوره التجسيدية حسب أهمية الحكم في إدارة روابط المجتمع، فمن الكراهية الفردية للفعل المخالف وصولا إلى العذاب والخزي والخلود في الجحيم تدرج الشارع الديني في فرض الجزاءات، وهو القادر على ما يعتقد على فرض أحكامه بوسائل وأساليب كثيره ليس أقلها الإجبار والإلجاء، لكن لو لجأ لهذه الطريقة يفقد التشريع قيمته الكونية ومثاليته ليتحول إلى وسائل قهر تنزع من الإنسان إنسانيته الطبيعية وتحوله إلى كائن أما متمرد بلا شعور أو عبد مشلول بلا إحساس، فالقيمة العملية للقانون أو التشريع تكمن في إعادة تأهيل الإنسان كلما تناقص لديه مستوى الشعور بالمسئولية أو جنح تحت ضغط خارجي أو دوافع نفسية أن يخالف القواعد الشمولية الوجودية التي يسعى القانون أو التشريع بالمحافظة عليها.
فما بعد القانون وما بعد التشريع لا بد أن يجعل من الفرد البشري الإنساني كائنا متماهيا مع وجوده الطبيعي الذي يجري وفق قواعد منضبطة مجردة لا تخالف أجزاءها وتفصيلاتها ما في الوجود من حركة للأمام، بمعنى أن لا يكون الأنتهاك المتعمد أو السعي له من ضمن ممارساته الطبيعية على أنها لا تؤثر على وجوده الفردي والمجموعي والكلي ضمن دائرة الوجود الأعظم، إنه تحصين مسبق قبل أن يقع الفعل المخالف وبالتالي نلجأ للجزاء وما يستتبع، هذه هي فلسفة القانون وفلسفة التشريع أنها تصنع ظرفا إيجابيا لملامح وحدود واضحة وترسم مسارات وخطوط نجاة للإنسان في وجوده ومن ضمن أيضا دائرة الوجود الكلي.
فلسفة التشريع إذا تتجلى أثارها وأستدلالاتها العلمية بشكل أوضح في النتائج دوما، خاصة إذا كان الهدف الأساسي والموضوعي أنه يعالج الما بعديات، فالقانون وحتى الدين ليس مطلوبا منه أن ينظم حالات قبلية أي ما قبل تشريعهما وسكهما، وإنما الأهم في ذلك أن يرتبا نتائج بعدية تلتقي مع الغايات الأساسية من وجودهما، فقيمة التشريع بقيمة ما ينتج من أمتثال له وقدرة على فرض الأحترام والتقيد، فعندما نعقد مقارنة بين القانون مثلا والدين نجد الفرق واسع بينهما في ناحية التقييد والألتزام، السبب في جميع الأحوال أن الدين ينظر له ليس لأنه متكامل ومثالي ووو ولكن لأن شارعه مشرعه يمتلك قدرة كبيرة مباشرة في الجزاء، أما القانون فيقترب من الدين كلما كانت السلطة المكلفة بتنفيذه أكثر رهبة وقساوة وألتزام به، هذه الثنائية المتمثلة بالخوف والعقاب تمنح البعدية نوعا من المشروعية الموضوعية، وقد تكون ذات رد فعل منعكس، لكنها في جميع الأحوال تمنح التشريع روحا قوية للوصول إلى الهدف منه.
من الطبيعي أن يهتم بالنتائج أكثر من أهتمامنا بالموضوع منفصلا عن وظيفته، مثلا الرياضة كأسلوب حياتي ضروري لأنه يمنح الجسد قدرة على التناسق والحرية في الحركة ويساهم في حفظ النظام الفسيولوجي فيه، هذه النتائج هي التي تعطي للرياضة قيمة وتمنحها فرصة الأنتشار بعيدا عن الغائية الأخرى وهو الفوز ولإنجاز، الذي يكون عادة مصاحبا لها بعد أن تخرج الرياضة من دائرتها النفعية الذاتية إلى فلك المنافسة، في التشريع عموما وخاصة الدين وبدرجة أقل القانون تحول أهتمام الإنسان من دراسة النتائج وتقديرها إلى الأهتمام المغال فيه في أصل الموضوع، فتقديس الدين يأت ليس من خلال دوره في تنظيم الحياة الإنسانية ورعايتها، لكن التقديس والتعظيم يأت مجردا وسابقا لأنه فقط من جهة ذات سطوة وذات عظمة وقداسة، هذا الأمر واحد من الأسباب التي أخرجت التشريع من بعديته المفترضة وصبت جل الأهتمام به ككائن معرفي لا يهم ما ينتج، بقدر ما يهم من توفير أمن متخيل ومفترض وهو بالأصل تخيل ومفترض وهمي بهذا التبرير وبهذه العلة.
هذا التغير في موضع الأهتمام والتركيز في التعاطي المعرفي حرف بل وضيع الفائدة المرجوة من البعدية الغائية من التشريع، وأغلق بذات الوقت المجال والطريق المؤدي إلى تطويره والسير فيه نحو تحقيق أكبر قدر من النفعية المرجوة، هذه واحدة من أزمات الدين بوصفه تشريع، قد يكون القانون أقل تأثرا من هذه الحالة بسبب الإمكانية الفعلية لتطويره وتغيره وتعديله، أما الدين فهي المشكلة الأزلية التي يعاني منها حتى جاء مفهوم الفسخ الذي يحدث ونادرا من خلال تشريع دين أخر، ولكن هذا الخيار أيضا غير متاح دائما على وجه الإمكان في كل مرة لارتباطها بالضرورة التي يقدرها الشارع نفسه، من هنا ظهرت مفاهيم الأصولية والسلفية الدينية والعقيدية التي قيدت البعدية التشريعية في الدين، وكأن الشارع المقدس قد صب بشكل نهائي تشريعه بأحكام وقوالب قياسية جامدة لا تراع الزمن والمكان والحال، فالتمسك بالقولبة المثالية لا ينتج منها إلا قتل لروح التشريع وفلسفته القائمة على تلبية متطلبات الحركة الوجودية كلما دعت الحاجة للحركة.
إن غياب مفاهيم فلسفة التشريع خاصة عند أولئك الذين حولوا الدين من وظيفته الأساسية وهي التنظيم والتوفيق الجمعي إلى دائرة المقدس المطلق، قد أساؤوا كثيرا للدبن بشكل عام وللإنسان بشكل خاص حينما غيروا معادلة الربط بينهما من دليل وطريق يسلك إلى سقف وعلياء لا تدرك، فهم قد أفرغوا الدين من مضمونه العملي في ذات الوقت فصلوا بينه وبين الإنسان وقدموا المادي المجرد على الروحي في إطار الروح، وغيبوا المادية العملية المنطقية في المجال الحيوي للتصرف المادي، هذا التغيير والتبديل ناجم أولا عن جهل بالمرادات الأساسية للدين والتشريع لعدم إدراكها عقليا قبلا، لبناء كيفية عملية للتعامل بها من خلال ربط التشريع بالحياة وفق مباني محكمة لا تعتمد على القراءات الفردية ولا على الظنية الأعتباطية.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما قبل الدين ما قبل الشريعة
- مقدمة في دراسة فلسفة التشريع
- العراق قادم ح3
- العراق قادم ح2
- العراق قادم ح1
- ماهيات الحضارة الإنسانية من وجهة نظر أجتماعية تاريخية
- في ظاهرة الإنكسار والبناء النفسي
- تشرين وما بعد تشرين العراق قادم بقوة.
- الرؤية الوطنية لحركة -العراق قادم-
- بيان من حركة -العراق قادم-.
- النجف تتحكم بمفاتيح الإنسداد وبغداد تسمع وتطيع
- قراءة خاصة لمستجدات الوضع العراقي
- شرف الخصومة ومبادئ العمل السياسي الوطني.
- في الواقع السياسي العراقي... قراءة متشائمة أو تحقيق للواقع
- سؤال التاريخ الوجودي من وجهة نظر فلسفية
- هل ينبغي لنا أن نهجر الدين ح 1
- السيادة والدونية والقيادة المحترفة
- قانون الأمن الغذائي ما له وما عليه
- التأسيس الطائفي للدولة
- العالم ليس أوربا .... غادروا عقلية المستعمر.


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - ما بعد الدين ما بعد الشريعة ح1