أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - مذكرات ما قبل الرحيل ج 14















المزيد.....

مذكرات ما قبل الرحيل ج 14


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7312 - 2022 / 7 / 17 - 01:42
المحور: الادب والفن
    


في السرد الماضي ناقشنا جملة قضايا تتعلق ببعضها وترتبط بشكل أفقي مع قضية الوجود، الحياة الزمن الموت العبث الدين الأخلاق كلها قضايا مهمة شغلت العقل الإنساني منذ أن أدرك وجوده وعرف أنه يملك وعيا متحركا تجاه الأشياء الخارجية وما في داخله، فولدت هذه المعرفة ومع تراخي الأهتمام الجدي بتلك القضايا في فترات من عمره ما يعرف بالوعي الثابت الذي تحول في جزء منه إلى مسلمات بديهية، وإن لم يكن على الدوام، فحتى في أشد العصور التي مرت على العقل ركودا وجهلا وتخلفا وهي مما نسميها العصور السوداء، بقى جزء من هذا العقل يتحرك مع وعيه ويحاول مقاومة الأسر، في هذه الفترات المظلمة نبعت شمس الحرية من ثقوب جدران الظلم ومن زوايا لم يحسب لها أحدا من حساب.
الوعي المتحرك إذا هو من قاد الحياة للتجدد وفتح عين العقل على خطوات الزمن فأدرك أن ما كان يؤمن به من ثوابت ما هي إلا أجداث وقبور وشواخص لمواضيع وأشياء لم يعد لها القدرة أن تؤدي وظيفة أو تساهم في حركة الوجود، وقف العقل البشري هنا متحيرا أمام موقف لا يمكن أن يتخذ فيه قرارا ما دون أن يحمل جوابا على أسئلة قديمة، ومنها لماذا نولد؟ ولماذا نموت؟ وما الحكمة من هذا التغير المستمر الذي لا يزيد من قوة الوجود ولا ينقص منها؟ هذا السؤال الأول أما السؤال الثاني لماذا تحول وعينا بالأشياء من طبيعته الأولى الديناميكية إلى التصنم وأعتماد الثبات في واقعها وتأثيرها؟ هل لأن الإنسان وصل لمرحلة لم يعد يهوى السباق مع نفسه للوصول إلى عوالم جديدة؟ أم أن الإشكاليات التي ظهرت في سباقاته الأولى أثقلته ولم يعد قادرا على الحركة كما كان؟ هل أن الحركة للأمام لها مديات وتتوقف عند نقاط يستنفذ فيها الإنسان أحلامه؟ هذه الأسئلة وغيرها لعبت دورا مهما في إعادة تحريك الوعي وتنشيط مفاهيمه الخاصة.
في مسعى أكتشاف الذات جاهد الإنسان كثيرا للإجابة على تلك الأسئلة، حتى أنه رفع شعار وجود بلا أسئلة مجرد مرور بحقل التغييب الذي يقودك للموت، ميزة العقل الإنساني أنه صانع أسئلة بأمتياز وهذا سر شعوره بالتفرد، وهو ما أوحى له أن الكائن الأكثر حظوة عند الله، السؤال هو ديدن الإنسان ومن دونه لتحول إلى جزء من عالم ما يعرف بالأنعام، التي همها أن تعيش صامته لأنها لا تدرك أهمية السؤال في خلاصها من حالة الثبوت التي هي عليها، السؤال إذا هو ما ميز العقل الإنساني وقاده إلى ما يعرف بالإشكاليات الوجودية التي أشعرته دوما بثقل الحركة، وكلما فكك واحدة نهض مسرعا مشحونا بطاقة الأكتشاف حتى تعاوده الحالة مرة أخرى.
إذا السؤال هو من قاد الإنسان للعلم والمعرفة وهو الذي أسس أول الطريق لمعرفة الرابط بين الإنسان والوجود، السؤال المتعدد يكشف عن وعي مركب والوعي المركب هو وعي متحرك قادر على النظر للموضوع من أكثر من زاوية، هنا نفهم طبيعة العلاقة بين السؤال والوعي، وقيمة السؤال وأهميته تنع من قدرة الوعي على التحرك داخل الوجود، فسؤال الموت ليس سؤال طبيعي فقط بل وضروري طالما أنه يشعر الإنسان بأنه مهدد بوجوده.
ما كان سؤال الموت يحضر حتى جاء سؤال الوجود الأهم لماذا نحن هنا، هذه الأسئلة هي التي مكنت الإنسان من معرفة أول الطريق الذي سيقوده لاحقا إلى مفاهيم علمية ومعرفية ومصاديق الوعي ومنها الدين الله النهاية ورجوعا لنقطة البداية، وحاول أن يبحث ما قبل البداية وما بعد النهاية، هنا ألتبس الكثير عليه من تشابك خطوط البحث والأكتشاف، فعاد مرة أخرى ليبدأ سؤالاته حسب مضمون وعيه بها، فنشأت أصناف العلوم وتنوعت المسميات حتى وجد نفسه عاجزا عن اللحاق بمتابعة كل ذلك، وأختار أن يبحث في جانب محدد منها أو يوزع مهمة البحث على أكثر من عقل.
تطور عقل الإنسان مع تطور السؤال وتحرك الوعي في مساحات اكبر حتى كاد وعيه يساوي وجوده، في هذه المرحلة بادر العقل الإنساني لترجمة أستنتاجاته وأكتشافاته وعلمه على شكل أفكار مؤسسة ومنظمة بنسق واحد، أعطها صبغة متعالية وجعلها في الصف الأعلى من مصفوفاته الذهنية الحاضرة بقوة في كل مجال، مع أكتمال نسبي لهذه التصورات والتي اقترب بها من فهم وتفسير الكثير من الأسئلة أعلن نبوته، وصدح بدينه الذي نسبه للفوة الخارجة ليمنع النفاش فيها أو عليها، لم يكن الأمر سيئا وأظن أنه كان أمرا ضروريا أن يضع العقل أفكاره في محتوى واحد محفوظ ومتقن، وربما لولا هذه المبادرة ما كان للسؤال أن يتحول إلى المناطق الأكثر عمقا في الوعي وفي عمق الوجود.
إذا من قادنا لله هو السؤال ومن حرك الوعي ليسأل هو العقل الذي كان خامة صالحة للعمل دون تشويش وإن كان بطيئا ولكنه فعال، حتى تراكمت فيه الأوهام والتخيلات والظنون والأحلام، وأختلطت مع العلم والمعرفة وربما زاحمه، عند ذاك تكاسل وبطئت حركته ولم يعد قادرا الحركة بحرية، فركن للأستراحة، والأستراحة قادته لشيء من الثبات على ما فيه، ومع قلة النشاط المحرك وضعف السؤالات تحول الفعل العقلي لأجترار أفكاره القديمة مؤمنا أن لا شيء فوقها، وسلم راية الأستسلام للواقع كما هو.
الخطأ الذي وقع فيه العقل عندما استساغ حالة السكون والركون للوعي الثابت أنه رأى في الدين الذي صنعه غاية النهاية، وجعل من العلم الذي قاده للدين مجرد عائل على الدين ومستجيب له فقط، بمعنى أنه قرر أن يجعل من العلم دليل على مقولات الدين وبرهان، فحينما يفشل العلم في تأييد فكرة دينية يتهم العلم بمعاداة الله، هنا كانت أولى الانحرافات العقلية المدمرة في سعيه للتحرك من جديد، العلم لا يجامل ولا يمكن ان يتستر على خط ا العقل، وكل رفض علمي لموضوع فكري سواء اكان ديني او أي شيء أخر هو رفض مبني على إرادة الله الحقيقية، لأن المؤمن يؤمن أيضا أن الله هو العالم المطلق وهو من علم الإنسان ما لم يعلم، فكيف نرد العلم ونجعله معادي لله لأنه لا يقرر فكرة إنسانية غير صامدة ويعتريها في الذات بصمة البشر.
لقد اوهم الانسان نفسه بوجود صراع بين الدين والعلم على اعتبار المخرجات والأسس وجعل منه اشكالية وجودية، والحقيقة انه وجه من اوجه الصراع بين اوهام الانسان المتشكك وبين يقين الله القاطع ، انه ليس صراع بين طريق واحد ولا يمكن أن يكون كذلك ،بل هو سلوك طريق موازي للطريق الاصل، فكل ما يصلنا الى الله هو بالضرورة علم، لان العلم حقيقة وحتى يكون الدين طريقا لله يجب ان يماهي العلم ويرافقه بذات الطريق، اذا موضوع الصراع هووهم كاذب اذا كان هدف الدين حقيقا الوصول الى الله، احيانا يستغل العقل الانساني موضوع الدين لإسقاط ما في ذاتيته مستهدفا اغراضا اخرى لا تمت للدين بصلة، هذا هو إذا محل الصراع المزعوم وجوهره مع العلم، ليس الدين طبعا ولكنه اعتباطيات الارادة العقلية حين تنحرف عن مسارها الطبيعي الوجودي .
الدين الحقيقي لا يدخل في صراع مع احد لآنه اساسا يستهدف سلام الانسان وسلامته، ما يدخلنا في الصراع هي الرغبات الشريرة التي تجتاح بعض العقول الجامدة، وتحولها الى عوامل تمرد و انتهاك و تعدي على القيم الوجودية والمعادلات الطبيعية التي تتحكم بوجودنا من خلال القوة المطلقة النهائية "الله" ، كذلك العلم الذي يستمد صلاحيته وقدرته على ان يفرض قوانينه ووجوده من انه من عند الله مباشرة، وكما قلنا العلم أسبق من العقل بل أسبق من الوجود ذاته، وما كان سابقا و لم يسبق وجب انه يكون اصلا هو من يتبع.
من هذه النتيجة لابد ان نخلص الى حقيقة واحدة ونهائية هي ان الدين اما ان يكون علما وجوديا حتى يستحق ان نطلق عليه الطريق الى الله، او ينزوي في ركن من أركان التاريخ ليس في معناه المبتكر انه الجهة التي يسير عليها الوجود، بل بمعناه التراث الذي يتركه الانسان خلفه وهو في طريقه نحو الله .



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 13
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 12
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 11
- مذكرات ما قبل الرحيل ج 10
- مذكرات ما قبل الرحيل ج9
- مذكرات ما قبل الرحيل ج8
- مذكرات ما قبل الرحيل ج7
- مذكرات ما قبل الرحيل ج6
- مذكرات ما قبل الرحيل ج5
- مذكرات ما قبل الرحيل ج4
- مذكرات ما قبل الرحيل ج3
- مذكرات ما قبل الرحيل ج2
- من مذكرات ما قبل الرحيل
- دائرة الفساد من يد ليد معا من أجل عراق فوضوي تحت سقف القانون ...
- التفكير الفلسفي في منطق التشريع ح1
- فلسفة التشريع والمشرع
- التشريع نتيجة كبرى
- ما بعد الدين ما بعد الشريعة ح1
- ما قبل الدين ما قبل الشريعة
- مقدمة في دراسة فلسفة التشريع


المزيد.....




- فرح الأولاد وثبتها.. تردد قناة توم وجيري 2024 أفضل أفلام الك ...
- “استقبلها الان” تردد قناة الفجر الجزائرية لمتابعة مسلسل قيام ...
- مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت ...
- المؤسس عثمان 159 مترجمة.. قيامة عثمان الحلقة 159 الموسم الخا ...
- آل الشيخ يكشف عن اتفاقية بين -موسم الرياض- واتحاد -UFC- للفن ...
- -طقوس شيطانية وسحر وتعري- في مسابقة -يوروفيجن- تثير غضب المت ...
- الحرب على غزة تلقي بظلالها على انطلاق مسابقة يوروفجين للأغني ...
- أخلاقيات ثقافية وآفاق زمنية.. تباين تصورات الغد بين معمار ال ...
- المدارس العتيقة في المغرب.. منارات علمية تنهل من عبق التاريخ ...
- تردد قناة بطوط كيدز الجديد 2024 على نايل سات أفلام وأغاني لل ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - مذكرات ما قبل الرحيل ج 14