أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - مذكرات ما قبل الرحيل ج 10















المزيد.....

مذكرات ما قبل الرحيل ج 10


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7309 - 2022 / 7 / 14 - 18:47
المحور: الادب والفن
    


في تفكيك علاقة التاريخ بأعتباره زمن مضى لا يعود مع الواقع الذي لا يمكن أن يتحرك خارج زمانه ومكانه ضمن حركة أكبر، نجد أن التاريخ يؤشر فقط إلى أتجاه الرحلة التي يقطعها الوجود في كل زمن، بمعنى أن التاريخ يقودنا ليس للماضي بل يتجه بنا نحو المستقبل، الفكرة تماما معكوسة في ذهن الإنسان حين يجعل التاريخ هو بصمة ما قبل اللحظة، صحيح أن ما في التاريخ هو الماضي من أول حركة وجودية لأخر ثانية مرت الآن، لكنه في الحقيقة التي يجب أن يفهمه العقل البشري هو لماذا يسير التاريخ بنا إلى الأمام فقط؟ هذا السؤال ليس متاهة فكرية بل حتى نعرف أن الزمن ليس مقياس بل هو حركة مقصودة أن تتقدم بلا موانع ولا حجب إلى مطلق الأمام.
ولأن الزمن في قلب المكان وفي عمقه قهو عندما نراع يسير بهذا الشكل إنما نقول في الواقع أن المكان هو من بسير للأمام، بمعنى أن الوجود بشقيه الخارج والعمق يتحرك للأمام دوما ومطلقا، يسأل سائل كيف ندرك أن مسيرة الوجود هي للأمام؟ وما هو المعيار الذي بموجبه تجعل الوجهة هذه أو تلك للأمام؟ أو ليس الوجود شهد نكوصا في حركته مثلا وعاد لمراحل أكثر بدائية؟ إذن الأمام هنا نسبي همت وقد يكون لك أمام وقد يكون لكائن أخر وراء، الحقيقة الجواب في تفرعين لمجمل الأسئلة، الفرع الأول كل حركة ستستمر على إيقاع ما قبلها، فهي إلى أمام بأعتبار أن الحركة السابقة قياسا للحركة الحالية هي خلف ووراء، فتحرك الجسم من النقاط ألف إلى باء إلى جيم إلى دال الى النهاية بنفس النمط هو ما يعرف بالتقدم للأمام.
ولو عاد الجسم من جيم مثلا إلى باء الذي أشغله سابقا لا يمكن أن يكون ممكنا، والسبب أن النقطة باء ستكون مشغولة بأنتقال تدفقي مستمر لجسم أخر من النقطة الف، فليس هناك فراع محامل من مادة أو حسم بين النقاط التي يتحرك عليها الوجود، النتيجة أما أن يصطدم الجسمان عند الرجوع ويحدث أنفجار طاقوي نتيجة تراكم ونزاحم في الطاقة أما بالأتحاد أو بالتنافر، أو نشهد عودة جمعية إزاحية لكل الأجسام المتدفقة نحو الخلف، وهذا يعني إنهيار للنظام الكوني لأن القانون الثاني من قوانين الوجود توقف عن العمل، وهذا محال لأن القانون يعمل بالمطلق ودون أحتمال أن يتوقف أو يتعطل.
إذا النسقية العملية بالحركة للأمام هي في أتجاه المنحنى وبخط سيره، فلا زمان ولا مكان خارج المنحنى الوجودي لأن التسليم بوجود كون أخر أو مادة أخرى خارج المنحنى الوجودي يعني أننا في عوالم متعددة، وهذا خلاف وحدة الوجود المادي، فلو كان التعدد ممكنا لا بد أن يكون الحال كالآتي، لو رجعنا إلى قوانين الفيزياء ومنها قانون الكتلة ونظرية الجاذبية لوجب الأمر شيئين، الاول وجوب أن يكون لكل كون كتلة مختلفة أو ماهية كتلوية مختلفة أو كثافة مغايره بالنوع والجوهر والماهية حتى يتم التمييز بينهم، وعند تحقق الأختلاف لا بد من أحج منهما يبتلع الأخر أو يصطدم به أو يستهلك طاقته ويضعف قوته ليتحكم الأضعف منه أو يتوقف عن الحركة ومنها تأتي وجوب رد فرضية المادة الأخرى أو الوجود الأخر.
الحال الأخر وهو الذي لا يخرج عن منطوق وحدة الكون الواحد وهي أن يكون لكل منهم جاذبية متشابه والكتلة كقلها والحركة متساوية، فلو كانت من هذا النوع أي الكون أو المادة الأخرى واحدة كتلة وكثافة وجاذبية فيكون هنا الكون هو واحد والمنحنى واحد، وهذا يؤدي للانتظام ولا يؤدي الاصطدام كما في الأرض والقمر مثلا، أو يكون لكل منهم جاذبية مختلفة فيؤدي إلى ظاهرة تشبه ظاهرة الثقب الاسود فيدخل الزمان والمكان في الزمان والمكان الأقوى ويتحد العنصران، فعالي الجاذبية يبتلع الأضعف منه ولا يحدث الصدام وهذه ظاهرة متكررة في عالم الفيزياء الفلكية بما يعرف بموت النجوم والمجرات.
المهم نعود لموضوع التاريخ وأتذكر قصو الشيخ صاحب الزمن مع غصون المذكورة في الحلقات السابقة، ففي تصور العقل الذي صاغ القصة ببساطتها أسر لنا أمر عظيم، وهذا جزء من الحكمة التي تجعل بعض القصص الخيالية خالدة، الأمر الذي أراده القاص أن الزمن لا يتوقف مهما حاولنا أن نأسر الرمز المشخصن للزمن، بمعنى أوسع أن مقاومة التغير ومحاولة تجاهل التغيرات الحالية حتى لو كانت بسيطة لا تنجح مهما كانت الأسباب والأساليب، لذا فتاريخيا لم نشهد حالة واحدة أن رجع الزمن للوراء، أو أن الإنسان نجح في إيقاف حركة الوعي بالزمن وهو يسير إلى الأمام.
ففي زمن كانت الآلهة هي المتسيدة غالب العقائد الدينية بأعتبار اخصصها الفردي، وهي بالمجموع تشكل وظيفة الرب العام أو الإلهة الأكبر، ظهرت ديانة التوحيد التي جرد الآلهة من قدسيتها ومن وظيفتها وأنزلتها من المنزلة المقدسة، وكرست وحدة الرب الواحد ولم يعد مجديا أن تقنع العقل الإنساني الطبيعي أن هؤلاء المتعددون المختلفون الموهومون يمكن أن يحلوا محل الله الواحد، بالطبع هناك بقايا ممن يؤمنون ولكن كديانة جديدة تنقض دين الوحيد لم تحدث، لأن العقل سلم بالوحدانية تلك ولا يمكن إقناعه بغيرها.
إذا الزمن تقدم للأمام ولم يتراجع وإن شهد تأخر البعض وبطء البعض الأخر، لكن لم يشهد تراجع نوعي للخلف مطلقا، اليوم الحالة تتكرر في موضوع دين الله الحقيقي، أو نظرية العلم يقودنا لله التي أضحت ليس فقط أكثر مقبولية وإدراك لمنطوقها الجوهري، ولكنها تنجح في كل مرة بجر العالم البشري للأمام، من يقتنع أن العلم الحقيقي هو دين الله الحقيقي لا يمكن أن يسمح لنفسه أن يعود لتلك المقالات الغبية، والتي كانت في وقتها فتح عظيم لأنها أزاحت الوهم نحو نصف الحقيقة.
التاريخ إذا هو من يؤكد صوابية الفكرة من خطئها ليس عن طريق إثبات كيفية التعامل معها ونتائجها، هذا مقياس وقياس لم يعد صالحا، التاريخ يثبت لنا أتجاه الفكرة وعموم سيرها، هل هي متوافقة مع حركة الوجود التقدمية الأمامية؟ أم أنها تحاول العودة للخلف عكس منطق الوجود والطبيعي في العقل المتفكر؟ من بريد العودة بأفكاره مثلا لعصر النايدرتال ممكن أن يعبش الجو والإحساس ويستلذ به، أما واقعا فلا يمكنه ذلك لأن يعيش واقع اليوم على مساحة اليوم في زمن اليوم، واليوم وإن أنكر هذا الشخص علاقته به فهو مجبر أن يخضع بشكل أو بأخر له، لأن التاريخ يولد كل يوم مع يومه، التاريخ لا يولد بالأمس ولكن من المتوقع الأكيد أن يولد تاريخ جديد في الغد.
لقد أساء الإنسان فهم التاريخ كما أساء في الكثير من المفردات التي ظن أنه وضع لها دلالات ومدلولات، حينما نشر لموضوع تأريخي على أنه علاقة زمن مضى بحدث مضى لنرى نتائج ما مضى نقول أننا درسنا التاريخ، لكن الحقيقة أننا أستعرضنا ما هو تأريخي، أما دراسة التاريخ لم نقربها بالحقيقة ومثال على ذلك أن دراسة تاريخ الفراعنة أو البابليين مثلا لم نؤشر كيف كان الزمن يجري في داخل أو في عمق المكان، لم ندرس ما قعله الزمن في عقل الإنسان من تحولات إدراكية للوجود ورؤيته له، لم ندرس تفاعل المكان والزمن في وجود الإنسان بذاته لذاته حتى ينهض بالتحولات الكونية، أهتمت دراستنا بتتبع حركة الأشخاص فقط، نجحنا في رسمنا لشكل تقريبي ظمي لكل حركة وتصرف وقعت عليه الدراسة فقط لنعيد وقائع خيالية في ذهننا، وهذا كان الجزء الأكبر من دراسة التأريخ الكلاسيكية، لم نفكر مثلا لماذا تحول الإنسان الأول من نمط الرعي وجمع الأقوات للزراعة، هل كان ذلك بسبب خارجي أم هو نتيجة إدراكات ذهنية قادها الزمن داخل الوجود في عقل الإنسان.
التاريخ عندما يدرس التحولات كقوانين ولكنه يتجاهل كينونة القانون وصيرورته، ما هي العوامل الفاعلة والمكونة التي جعلت من هذا القانون مقياس ودلالة، لم تدرس ماذا تركت القوانين عبر وعي الناس من قيم منشئة وناشئة، لم يدرس التاريخ البشري علاقة الكم الزمني مع ثبوت المكان في حدوده المعروفة، أي لم يدري المعادلة من الوجه المقابل المعاكس المكان في عمق الزمن، هذه الأخطاء لا تنتمي فقك لعقل الإنسان لأنه كائن مقصر ولكنه يحاول، لا أبدا هي بالأصل إهمال لأساسيات فهمنا للتاريخ وما زلنا على هذا الفهم حتى نترك المنهج القديم ونحدق النظرة والوسيلة والمنهج لتجديد الأهداف والغايات المتصلة بالعلم لا النابعة من الواقع، لأن النابعة من الواقع هي واقع حدث ويحدث ولا يحتاج لجهد لإظهاره، قصة المسبار جيمس ويب قالت كلمة التاريخ الفصل أنه يذهب بكم للأمام فلا ترجعوا للخلف فهذا غير ممكن طالما أنه كان.
إن أنتهاء عصر السرد والحكايات والمرويات والمثاليات التي يحاول البعض من خلالها فرض واقع موازي ربما، أو هو متوهم أن صورة الواقع الحقيقي بكل أبعاده المتخيلة، لا بد أن تغلق أبوابه الآن ونفتح أبواب السؤال الأكبر والأكبر منه دوما، فعالم متحرك متطور بلا أسئلة لا يمكن أن يكون، السؤال يعني البحث ويعني الحركة في كل أتجاه، التركيز يجب أن ينصب على طريقة صنع السؤال وجعله فريضة عقلية حتى نشعر بوجودنا، حتى ننفذ من زمننا إلى المستقبل، العقل الذي يكره السؤال عقل جامد ميت لا نفع من وجوده، الأخلاق العامة يجب أن تبنى على ما ينفع الفهم على ما يدفع للعلم، وليست الأخلاقيات هي القيم التي تمنح الفرد ميزه مثالية، الأخلاق من جنس الدين الذي هو الطريق لله وهو العلم والعلم فقط، فلا بد أن تكون أخلاقيات الوجود ذات منبع علمي متحرك إلى الأمام حتى تكسب تأريخيتها وتتحول إلى قيم ناهضة وحاملة للمجتمع.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مذكرات ما قبل الرحيل ج9
- مذكرات ما قبل الرحيل ج8
- مذكرات ما قبل الرحيل ج7
- مذكرات ما قبل الرحيل ج6
- مذكرات ما قبل الرحيل ج5
- مذكرات ما قبل الرحيل ج4
- مذكرات ما قبل الرحيل ج3
- مذكرات ما قبل الرحيل ج2
- من مذكرات ما قبل الرحيل
- دائرة الفساد من يد ليد معا من أجل عراق فوضوي تحت سقف القانون ...
- التفكير الفلسفي في منطق التشريع ح1
- فلسفة التشريع والمشرع
- التشريع نتيجة كبرى
- ما بعد الدين ما بعد الشريعة ح1
- ما قبل الدين ما قبل الشريعة
- مقدمة في دراسة فلسفة التشريع
- العراق قادم ح3
- العراق قادم ح2
- العراق قادم ح1
- ماهيات الحضارة الإنسانية من وجهة نظر أجتماعية تاريخية


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - مذكرات ما قبل الرحيل ج 10