عبد الرحيم حزل ينبري إلى رصد “سقطات” و”حماقات” عبد الله العروي
أحمد رباص
الحوار المتمدن
-
العدد: 8553 - 2025 / 12 / 11 - 00:34
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
وأنا أتصفح سجل الفيسبوك الكبير، راعتني مؤخرا مواظبة عبد الرحيم حزل، الأستاذ المغربي المهتم بالترجمة، على إبراز ما اعتبره “سقطات” و”حماقات” في خرجات وتصريحات وكتابات عبد الله العروي.
قبل يومين، أعاد حزل نشر نص مقتطع من كتاب عبد الله العروي الحامل لعنوان “مفكرة كوفيد”.
لهذا السبب، كتب العروي أن المجتمع المغربي يبدو أنه يتجه بالتدريج، ولكن بثبات، نحو ثنائية لغوية مزدوجة – العربية والإنجليزية لقسم من السكان، والأمازيغية والفرنسية لقسم آخر”.
على هامش هذا النص، علق الأستاذ حزل قائلا: “لا أعرف لماذا قرن العربية والأنجليزية لقسم من السكان، والأمازيغية والفرنسية لقسم آخر”.
وقبل يوم واحد، أورد الذي عرف بترجمته بعض الكتب المؤلفة بلغة موليير نصا للأستاذ العروي مأخوذا من “خواطر الصباح، يوميات 1967-2007” وتركه بدون تعليق: “تجاوزت الخط الأحمر في بعض فقرات تاريخ المغرب. كان ذلك قبل أن أكتب جذور الوطنية المغربية المغربية. لذا عدلت تلك الأحكام الجائرة في النسخة المعربة”.
في نفس الوقت تقريبا، نشر حزل تدوينة عنوانها “عندما تكون ‘تاريخانياً’ على الآخرين وتنسى نفسك”، منطلقا فيها من نص آخر لمؤلف”الإيديولوجيا العربية” يقول فيه: “يدعي المترجمون أنهم يقومون بعمل قومي إذ يعيدون إلى اللغة العربية ما ألفه أبناء العروبة بلغات أجنبية، بل يتحدَّون المؤلفين قائلين: لماذا لا تترجمون لأنفسكم؟ هذا ما قررت القيام به، رغم ما فيه من ضياع وقت؟ لم يبق مبرر لترويج كتاب قرقوط وأصبح من واجب الناشر أن يسحبه من السوق”.
لاحظ الأستاذ حزل أن “وجه الغرابة، التي تشي لك باستثناء العروي نفسه من التاريخانية التي كانت له ديدناً ومنهاجاً، في أن كتابه، “مجمل تاريخ المغرب” (بترجمة ذوقان قرقوط، والذي عنونه: بـ”تاريخ المغرب: محاولة في التركيب”) قد صدر بالفعل، قبل عقود، وتداولته الأيدي والعقول، وأن أخطاء المترجم في تلك الترجمة، كما في سائر الترجمات، هي من صميم مُرسلة المؤلف، شاء أم أبى وأنه – وههنا موطن المفارقة – لا يمكننا أن نسحب كتاباً من السوق، لأن الكتاب لا يوجد في الأسواق، بل في الأذهان، بل كل شأن المؤلف، الذي انبرى لإعادة “ترجمة” كتاباته (مع أن العروي لا يصرح عليها بلفظ “الترجمة”) أن يصحح من كتاباته السابقة ما يستطيع من خلال كتاباته اللاحقة. وهذا عمل لا يفتأ العروي يباشره بمناسبة كل كتاب يصدر له بالفرنسية، ثم يعيد إصداره بالعربية. وما أكثر ما تجد النص العربي مختلفاً كثيراً عن “أصله” الفرنسي. وهذه أمور من صميم الوعي الترجمي، الذي يغيب عن العروي في كثير مما وقفنا عليه من كتاباته”.
ويضيف حزل”أن الذي يدعو الناشر إلى سحب كتاب من الأسواق بعد أن مضت على صدوره عقود من السنين، لا يعي أنه يسحب من ذلك الكتاب تاريخه الخاص. وإلا، فيكون عليه أن يسحب ذلك الكتاب من عقول القراء، ومن أبحاث الطلاب، ومحاضرات الأساتذة.
مشكلة العروي أنه يكتب بعفوية “خطيرة”، فيرتكب مثل هذه الحماقات. لأنه لا يتصور أن يدفع بكتاباته لمن يراجعها قبل أن يلقي بها إلى الناشر. ذلك الناشر الذي لا يهمه إلا ما يبيع من تلك المؤلفات. ولا يهتم لما فيها من أخطاء معرفية ولغوية، بل إملائية سافرة”.
في نفس اليوم، نقل حزل إلى صفحته الرسمية نصا آخر من “خواطر الصباح” ولم يرفقه بأي تعليق: “تجاوزت الخط الأحمر في بعض فقرات “تاريخ المغرب”. كان ذلك قبل أن أكتب جذور الوطنية المغربية المغربية. لذا عدلت تلك الأحكام الجائرة في النسخة المعربة”.
في تزامن مع إعادة نشر النص الأخير، ظهرت لحزل تدوينة أخرى عبارة عن نص ليحي بن الوليد يحيل فيه على الباحثة المغربية هند عروب، التي كانت تنشر مقالاتها في مجلة “وجهة نظر” التي كان يديرها الراحل عبد اللطيف حسني.
قال يحيى بن الوليد في دراسة له بعنوان “عبد الله العروي مفكرا “إن “الباحثة هند عروب تستند إلى “مرتكز الدولة”، (الدولة العصرية)، التي يقول العروي بوضوح، أكان في نص المقال السالف الذكر أم في كتاب “المغرب والحسن الثاني” (2005)، إن الملك الراحل كان وراء «تشييدها» في المغرب نتيجة “ثقافته”، و”عقليته المنهجية»، وبكلام جامع : “عبقريته». ومعنى ذلك أن العروي، هنا، يعطي الراحل الحسن الثاني «بُعد منظر سياسي ملكي” أو يجعله من “بناة التاريخ”، تبعًا لتسمية ستيفان زفايج. ويفيد كلام الباحثة أن العروي تخلى عن “عقله النقدي»، و(المثقف هو الشخص الذي لديه عقل يراقب نفسه» كما يقول ألبير كامو)، وسقط بالتالي في “فخ التناقض»؛ بل تجاوز ذلك نحو “لوثة المباركة”. وما يشفع للباحثة، هنا، ومن ناحية “الحدة النقدية» ذاتها، أن العروي نفسه كان قد أخذ على العالم العربي ككل، ومن ناحية “أسلوب الحكم»، انتفاء الدولة ذاتها، أو إذا كان هناك من دولة، فإن هذه الأخيرة لا تعدو أن تكون من “مخلفات السلطنة» كما يمكن أن نقرأ ذلك في كتابه “مفهوم الدولة".
خلال يوم الناس هذا، أعاد حزل نشر نص آخر للعروي مقتطع من حواره مع صحيفة (ENTREVISTA) الإسبانية على أثر صدور كتابه: “مغرب الحسن الثاني” سنة 2005.
جاء في هذا النص على لسان قائله أنه يفضل العيش في نظام أمريكي أو بريطاني. لكنه يعيش في المغرب، ويجب أن يراعي كل الخصوصيات، ويشعر ببعض الإحراج من هذا الموقف، لأنه ليس موقف من يقبل كل شيء ولا من يرفض كل شيء من حيث المبدإ”.
يرفق حزل هذا النص القصير بتعليقات هم أولها الكتاب المذكور أخيرا والذي رأى أن كاتبه باعتباره “مفكرا” يقتصر على أن يكون “مفسراً”. وكتب حزل معلقا على النص: “يراعي الخصوصيات، فلا يقبل ولا يرفض. (من حيث المبدإ).
فما أسهلها من مهنة. وكأن المفكرين الأوروبيين والفلاسفة وعلماء الاجتماع الذين نقرأ لهم، ويقولون: هذا خير وهذا شر، وهذا أبيض وهذا أسود، ويقبلون ويرفضون. هؤلاء كلهم لا يعرفون كيف يفكرون”.
ما قام به عبد الرحيم حزل على صفحته لم يمر دون أن يحدث ردود أفعال على وسيلة التواصل الاجتماعي “فيسبوك”. فها هو معانيد الشرقي، أستاذ الفلسفة في مدرسة ثانوية، يفرد تدوينة للرد على من يحاول فضح ما اعتبره “سقطات” و”حماقات” العروي بتدوينة عن ممارسة النقد الفكري، فيقول إن أحد المثقفين يريد نقد بعض كتابات المفكر والمؤرخ عبد الله العروي، وتحديدا، حول مفهوم التاريخانية.
يستحسن المدون رؤية كتابات نقدية بهذا الخصوص، لكنه لما اطلع على بعض كتابات الرجل، أصيب بنوبة فكرية ارتعدت لها كل آلياته النقدية والمنهجية ومعها المعرفية أيضا.
مرة أخرى، يستحسن الأستاذ معانيد ويثمن فعلا أن “نرى عملا نقديا متكامل البنى والأركان وبآليات النقد المتعارف عليها بين النقاد، لكن الأخطر من هذا أن يدعي أحدهم ممارسة النقد دون التمكن من منهجياته وآلياته ودون إعطاء بديل عن المادة الموجه لها النقد”.
ويختم أستاذ الفلسفة تدوينته بالإشارة إلى أن “النقد ليس كتابة سردية نُسلح لها خيالنا وجمالية لغتنا فقط، بل النقد هدم وإعادة بناء”، قبل أن يطلق وعدا بالعودة إلى الموضوع.
وبما أن الأستاذ عبد الرحيم حزل على وعي تام بما يمكن أن ينجم عن صنيعه هذا من انتقادات، سارع إلى نشر تدوينة قال فيها: “تخلفنا عن كل المراحل. لأننا شعوب تقديسية، بحيث نقدس حتى الفلاسفة والمفكرين. وهؤلاء لا يكتبون إلا ليُنتقدوا. فكلما تصديت لواحد (منهم) قام عليك الذباب الإلكتروني: ومن أنت لتنتقده؟ هل فهمته؟ تماما كما ان الجاهل يقدس كتب الدين لأنه لا يفهمها”.
باعتباري مشاركا في هذا الجدل، نشرت بدوري تدوينة في الموضوع أقول فيها: “من حق عبد الرحيم حزل انتقاد اقوال العروي وإخضاعها للمنطق. ولكن تبقى ملاحظاته التماعات حباحب ما لم يكتب في الموضوع كتابا يجمع فيه ما تفرق مما اعتبره سقطات الرجل”. وعندما نقلت تدوينتي هاته إلى الأستاذ عبد الرحيم عبر المسنجر، رد بكل حفاوة وأدب:” تحياتي، سنصدر بعضها في كتابين اثنين”.