فرناسوا بروسو*: سلخ جلد أوروبا
أحمد رباص
الحوار المتمدن
-
العدد: 8551 - 2025 / 12 / 9 - 06:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة: أحمد رباص
في “استراتيجية الأمن القومي” المنشورة على الإنترنت مساء يوم 4 دجنبر، أكد دونالد ترامب أن أوروبا “تواجه اختفاء حضارتها”.
إنه على حق، لكنه مخطئ بشأن هوية التهديد: فهو ليس من المهاجرين ولا من الووكيزم* ولا من مؤسسات الاتحاد الأوروبي — بأخطائها وتجاوزاتها وتناقضاتها — التي تعرض القارة القديمة للخطر اليوم.
يتعلق الأمر بترامب نفسه وبوتين. لقد اتحدا بشكل متزايد لوضع أوروبا تحت السندان، و”سلخ جلدها”، وجعلها تغرق في الانقسام واللامعنى.
يوما بعد يوم، أصبح خذلان ترامب لأوكرانيا، وعداؤه تجاه حلف الناتو والاتحاد الأوروبي
وتواطؤه مع الكرملين أكثر وضوحا. “الاستراتيجية الأمنية”، نسخة ترامب الثانية، هي عقد الطلاق بين الولايات المتحدة والقارة العجوز، والولاء لموسكو. تحول تاريخي في الجيوسياسة العالمية.
وفي فبراير، دق الناقوس فانس، نائب الرئيس الأمريكي، الذي جاء إلى أوروبا لحضور مؤتمر ميونيخ حول الأمن. ووفقا له، فإن مشاكل أوروبا في عام 2025 ليست صواريخ بوتين، أو الحرب الهجينة بالمسيرات، أو القصف ضد المدنيين الأوكرانيين، أو تطور جبهة دونباس.
المشكلة تكمن في أوروبا كما هي، بمثاليتها المتحمسة في مرحلة ما بعد الحرب، والتي أدت إلى الفيدرالية الليبرالية الناشئة، بل وحتى اليسارية (يندمج المصطلحان في اللغة الإنجليزية الأميركية)، وإلى اكتساح السيادات الوطنية. ستتعرض القارة العجوز للدمار بسبب الووكيزم والتشريعات الصارمة والهجرة التي تذيب قيم وهوية الأمم.
للتذكير وفي موضوع “اكتساح” بروكسل الشريرة: يأخذ الاتحاد الأوروبي وينفق حوالي 1% من الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء الـ 27، في حين أن الإنفاق العام للدول ذات السيادة والدول الفيدرالية (كيبيك، وولايات ألمانيا) يمثل بانتظام 20%، 30%، وحتى 40%، من الناتج المحلي الإجمالي الوطني أو الجهوي.
يشكل الاتحاد الأوروبي 5.5% من سكان العالم، وينتج 18% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويمثل 50% من الإنفاق على الحماية الاجتماعية (منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية). وليس من المؤكد أن هذه الأرقام ستكون مستدامة على المدى الطويل — وخاصة الثالث. ولكن عندما يرى البعض شكلاً من أشكال “الانحطاط”، يرى آخرون إرثا يجب الدفاع عنه.
ومع ذلك، فإن بعض الانتقادات الواردة في الوثيقة لا أساس لها من الصحة.
وبوسعنا أن نناقش بشكل معقول، على سبيل المثال، حقيقة مفادها أن “سياسات الهجرة تعمل على تحويل القارة وتوليد الصراعات”، أو أن “انهيار معدل المواليد يؤدي إلى فقدان الهوية الوطنية والثقة بالنفس”.
لكن “الحل” الذي قدمته “استراتيجية الأمن القومي” تتناول حجج الأحزاب اليمينية القومية في أوروبا. دافعت حركة MAGA والرئيس ونائبه صراحةً عن أكثر هذه المجموعات تطرفًا خلال الانتخابات في بولندا ورومانيا والمملكة المتحدة وألمانيا. ولتجنب الغرق، يتعين على أوروبا “تصحيح مسارها الحالي” بسلوك طريقهم.
وها مجال استراتيجي آخر تتلاقى فيه أهداف واشنطن وموسكو: دعم هذه الاتجاهات، من خلال “الأعمدة الخامسة”، أو التمويل، أو التصريحات العامة، أو التخريب.
لقد عرفنا منذ عدة سنوات أن عناصر مثل حزب البديل من أجل ألمانيا (الحزب الموالي لروسيا والذي يضم النازيين الجدد) كانوا بمقابة “المفضلين الصغار” والبيادق المفيدة لموسكو للحصول على تغييرات إيجابية في السياسة الخارجية لدول مثل “ألمانيا”.
الجديد في عام 2025 هو أن حكومة الولايات المتحدة تدعم الآن رسميا نفس الأحزاب على وجه التحديد.
ويذهب التنسيق بين واشنطن وموسكو إلى أبعد من ذلك. أعلن وزير التجارة الأميركي، الخميس 4 دجنبر، رفع العقوبات الأميركية عن شركة النفط الروسية لوك أويل. وفي الخامس من الشهر الجاري، حاولت واشنطن منع أوروبا من تعبئة الأصول الروسية المجمدة في أوروبا لدعم أوكرانيا. وفي السابع من الشهر الجاري، رحب الكرملين بنظام الأمن القومي الذي يتزعمه ترامب، معتبراً إياه “متوافقاً إلى حد كبير” مع المطالب الروسية.
بوتين مبتهج. أصبح ترامب وصهره جاريد كوشنر وصديقه ستيف ويتكوف “شركاءه” بشكل متزايد. إنهم لا يستهزئون من أوكرانيا بجنون. بالنسبة إلى ترامب وعائلته، فولوديمير زيلينسكي رجل ميت. إنهم يتجاهلونه بقدر ما يستطيعون. وتظهر تعبيراتهم، والكلمات التي يستخدمونها، أنهم يشتركون في وجهة نظر القيصر: يجب على زيلينسكي أن يغادر، ويجب على أوكرانيا أن تستسلم، ويجب إعادة رسم رقعة الشطرنج الجيوسياسية لصالح الأقوى.
ومن هذا المنطلق، لا ينبغي معاقبة بوتين، بل مكافأته بشكل جيد على غزو أوكرانيا والفظائع التي تلت ذلك. وفي الوقت نفسه، العائلة مهووسة بتنمية أعمالها. نحن تفرك الأيدي لفكرة الأرباح الجديدة، وخطوط أنابيب النفط الجديدة، والامتيازات الجديدة.
وفي عالم المعاملات هذا، لا يشكل الأوروبيون شركاء، بل يشكلون عقبات.
خرج الزعماء الأوروبيين من دائرة التكذيب. فريدريش ميرز، إيمانويل ماكرون وكير ستارمر، كلهم حذروا زيلينسكي، معترفين بأن ترامب يبدو مصمما على خداعهم. وحتى وزير حلف شمال الأطلسي مارك روته —، روته هذا المذعن الذي أطلق على ترامب لقب “بابا” —، يبدو أنه أدرك أخيراً خطورة الوضع.
في محادثة نشرت يوم الجمعة من قبل (دير شبيغل)، وصف الرئيس الفنلندي ألكسندر ستاب الوضع بوضوح قاس. وحذر قائلاً: “لا يمكننا أن نترك أوكرانيا وفولوديمير وحدهما مع هؤلاء الأشخاص”. وافق روته، وفقًا للنص: أنا أتفق مع ألكسندر: يجب علينا حماية فولوديمير. ‘
بخلاف ذلك، كما هو الحال في فيلم أمريكي من فئة الدرجة الثانية، تخاطر أوكرانيا وأوروبا بأن ينتهي بهما الأمر كرجل مؤسف عالق بين اثنين من المتنمرين: أحدهما يمسك بالضحية، بينما يضربها الآخر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) كاتب عمود دولي، يشتغل في إذاعة هنا كندا.
(*) “الووكيزم” هو الاسم الذي يُطلق على حركة “اليقظة”. مبدؤها هو “البقاء متيقظا”. بمعنى آخر، يجب على المرء أن يكون على دراية بالتفاوتات الاجتماعية والعنصرية. لذا، فإن الشخص “المتيقظ” هو شخص يدرك هذا الواقع الضار، ومهمته هي توعية الآخرين. نشأ المصطلح في ستينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة ضمن المجتمعات الأمريكية الإفريقية، لكن هذه الأيديولوجيا ترسخت بقوة عام 2013 مع حركة “حياة السود مهمة” الأمريكية وشعارها “البقاء متيقظا”. ثم انتشرت بسرعة في الجامعات الأمريكية قبل أن تصل إلى دول أخرى.