تقرير المخاطر العالمية لعام 2025 ينبه القارة السوداء إلى خمسة منها


أحمد رباص
الحوار المتمدن - العدد: 8545 - 2025 / 12 / 3 - 08:14
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر     

تتجه الفترة من عام 2025 إلى عام 2030 إلى تكون نقطة تحول للعالم، ولأفريقيا تحديدا. فوفقا لتقرير المخاطر العالمية 2025 (le Global Risks Report 2025)، تتقارب عدة مخاطر متجهة نحو أزمات كبرى. بالنسبة إلى لقارة الإفريقية، التي غالبا ما تكون بنياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية هشة، تكون هذه التهديدات حقيقية للغاية. في ما يلي خمسة مخاطر عالمية رئيسية قد تُسبب اضطرابات كبيرة في أفريقيا قبل عام 2030، وكذا الآليات التي قد تُؤدي إلى تجسيد هذه المخاطر.
يُحدد التقرير الظواهر الجوية المتطرفة (الجفاف المُطوّل، والفيضانات، والعواصف، وارتفاع منسوب مياه البحر) كأول المخاطر الأكثر رجحانا في السنوات القادمة. بالنسبة إلى إفريقيا، المُعرّضة أصلًا لآثار تغيّر المناخ بشدة، تُهدّد هذه الكوارث الزراعة والأمن الغذائي وإمكانية الحصول على المياه، وحتى المناطق السكنية.
قد يؤدي تتابع مفاجئ للجفاف أو الفيضانات إلى انخفاض المحاصيل الزراعية أو القضاء على محاصيل رئيسية، مما يُعرّض سبل عيش ملايين البشر للخطر. في المناطق الساحلية، قد تؤدي التعرية أو ارتفاع منسوب مياه البحر إلى نزوح شعوب بأكملها، مما يؤدي إلى هجرة داخلية أو إلى بلدان أخرى، مع ما يصاحب ذلك من توترات اجتماعية واقتصادية.
من بين المخاطر العالمية المُحدَّدة، ما تزال التوترات الجيوسياسية، والتنافس على الموارد، وخطر الصراعات تشكل تهديدا خطيرا للغاية. بالنسبة إلى إفريقيا، القارة الغنية بالمواد الخام الاستراتيجية، والتي غالبا ما تشهد تنافسا على النفوذ، يجسد هذا الوضع خطرا خقيقيا.
فإذا عززت القوى الخارجية وجودها، أو تعرضت الدول الإفريقية لضغوط تتعلق بالموارد الطبيعية أو المناطق الاستراتيجية، فقد تندلع صراعات. ستؤدي هذه الأزمات إلى إضعاف الحكامة، وتدهور الأمن، وقد تُؤدي إلى تدفقات هجرة هائلة.
زيادة على ذلك، قد يؤدي عدم الاستقرار في بعض المناطق إلى تثبيط الاستثمار الأجنبي، أو إبطاء مشاريع التنمية، أو حتى المساس بالبنية التحتية الأساسية (الطرق والمستشفيات والمدارس).
يُسلّط تقرير عام 2025 الضوء على احتمالية حدوث صدمات اقتصادية كلية عالمية، مثل أزمات السوق، الديون، ارتفاع أسعار الفائدة، انهيار بعض الاقتصادات. وبالنسبة إلى الاقتصادات الإفريقية، التي غالبا ما تعتمد على الواردات أو المواد الخام أو الديون الخارجية، قد تكون هذه الصدمة مُدمّرة.
تشمل العواقب المحتملة ارتفاع التضخم، انخفاض قيمة العملات المحلية، ارتفاع تكلفة المعيشة، انخفاض الواردات الحيوية (الأدوية والضروريات الأساسية)، زيادة الدين الحكومي، وتخفيضات في البرامج الاجتماعية. وستكون الفئات الأكثر هشاشة – العمال غير الرسميين، والمزارعين، والأسر ذات الدخل المحدود – أول المتضررين.
أكثر من ذلك، قد تُجبر الحكومات على خفض الإنفاق العام، مما سيحد من الاستثمار في الخدمات الأساسية كالرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية. وهذا من شأنه أن يُغرق القارة مجددا في دوامة من الهشاشة البنيوية.
رغم ما يوفره التطور التكنولوجي من فرص، إلا أنه ينطوي على مخاطر. ويحذر التقرير من اضطرابات سريعة، منها: الاعتماد المفرط على تقنيات معينة، والهجمات الإلكترونية، وعدم المساواة في الولوج إلى الإنترنت، وفقدان الوظائف التقليدية.
في إفريقيا، تتفاقم بالفعل التفاوتات في الولوج إلى الإنترنت والحصول على الأدوات الرقمية والمهارات التكنولوجية. وإذا انتشرت التقنيات المتقدمة (الذكاء الاصطناعي، والأتمتة، وتحليلات البيانات) على نطاق واسع في الدول المتقدمة، فما يزال الوصول إليها محدودا في إفريقيا، ما سوف يؤدي في النهاية إلى تهميش القارة من الناحية الاقتصادية.
من جهة أخرى، فإن التعرض للتهديدات السيبرانية – الهجمات على البنية التحتية الحيوية (الطاقة، التمويل، والاتصالات) – قد يُضعف الدول التي تعاني أصلًا من هشاشتها النسبية في أنظمتها. وقد يؤدي هجوم سيبراني كبير إلى منع الوصول إلى الخدمات الأساسية، أو شلل عمل للهيئات الحكومية، أو حتى تهديد استقرار الدولة.
أما الخطر الأخير، وهو بلا شك أحد أكثر المخاطر إثارة للقلق، فيتعلق بالديناميات الاجتماعية: تزايد التفاوتات، البطالة، يأس الشباب، وتزايد الهجرة الداخلية والخارجية. فإذا تراكمت الأزمات المناخية والاقتصادية والتكنولوجية، فقد يتفجر الإحباط العام.
قد يؤدي كل ذلك إلى زيادة تدفقات الهجرة – من المناطق القروية إلى المدن، أو حتى إلى خارج القارة – مع ما يترتب على ذلك من آثار على التحضر والخدمات العمومية والوظائف والأمن. وستواجه الدول حينها صعوبة في تلبية الاحتياجات المتزايدة، مما قد يؤدي إلى تفاقم عدم الاستقرار والجريمة والتوترات المجتمعية. والأنكى أن غياب شبكة أمان اجتماعي متينة قد يجعل شريحة كبيرة من السكان عرضة للصدمات الخارجية، مما يفاقم آثار أي أزمة.
هذه المخاطر الخمسة ليست معزولة، بل مترابطة. فأزمة المناخ قد تُفاقم انعدام الأمن الغذائي، وتُحفّز الهجرة، وتزيد من الفقر، مما يجعل الشعوب الإفريقية أكثر عرضة للأزمات الاقتصادية والاجتماعية. كما أن عدم الاستقرار المالي العالمي قد يُضعف الدول الهشة أصلًا، في حين أن نقص التطور التكنولوجي قد يُبقي بعض الدول متخلفة عن الركب.
بالنسبة إلى إفريقيا، فإن الجمع بين الهشاشة البنيوية – الاعتماد على الزراعة، وضعف النظم الصحية، والبنية الأساسية المحدودة، والحكامة غير المستقرة في بعض الأحيان – مع هذه التهديدات العالمية هو ما يجعل الفترة 2025-2030 حساسة بشكل خاص.
يظل تقرير المخاطر العالمية لعام 2025 أحد أكثر الأدوات شمولاً لتوقع هذه المخاطر. فهو يقدم سيناريوهات وتنبيهات بشأن الاحتمالات، ويقترح إعادة النظر في استراتيجيات التنمية والمرونة والتعاون الدولي.
والخلاصة أن القرارات والسياسات والاستثمارات التي تُتخذ الآن قد تُحدث فرقا بين رحلة شاقة وتحول ناجح. إن توقع المخاطر – المناخية والاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية – يتطلب تعزيز البنية التحتية، وتنويع الاقتصادات، والاستثمار في التعليم، والمرونة، والحكامة، والتضامن.
إن تجاهل هذه الإشارات يُهدد بتحويل الاضطرابات المتوقعة إلى صدمات مدمرة. ولكن إذا أدركت الجهات الفاعلة في القطاعين العام والخاص، وكذلك المجتمع المدني، حجم هذه التحديات، فستتمكن إفريقيا من تحويل هذه المخاطر إلى فرص للتجديد.