الحكاية الأولى: مقطع قصير 5


بشير الحامدي
الحوار المتمدن - العدد: 8543 - 2025 / 12 / 1 - 02:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ـ الإخلاص…
ثمّة من يهب نفسه لعمله
وثمة من يمنح روحه لعطائه
ومن يتشبث بعقيدته كمن يتمسك بطوق نجاة
وثمة من يحب بقلبٍ لا يعرف الالتفاف
غير أنّ الحبّ وحده هو الذي يعصي الإخلاص أحيانًا أو لعلنا نحن من نعجز على أن نكون مخلصين.
ـ أتراك تتحدث عن نفسك أم أنك تُصدر أحكامًا على الآخرين؟
إن كنت تقصد ذاتك… فأنا أعرفك كما أعرف خطوط كفّي.
دع عنك الحديث عن الإخلاص واختر موضوعًا أقل ضيقًا على قلبك.
ـ وهل تظن أنني لم أكن وفيًّا في حبّي؟
ـ عمّن تتحدث؟ عن زوجتك؟ أم عن نساء الليل اللواتي يرافقنك حين تعمل ليلاً؟
أتدري أن كل من حولك يعلم أنك تقضي ليلك معهن ثم تعود عند اقتراب نهاية الحصة الليلية لتقف أمام رئيسك مُدّعيًا أنك أمضيت الليل في مطاردة المخالفين، وأنك مرهق مجهد أتعلم ذلك…؟
ـ ما أعلمه أنك لا ترى الحقيقة كاملة وأنك تنظر بعينٍ واحدة إلى عالمٍ يحتاج إلى عينين.
هؤلاء زميلاتك… هل هكذا تتحدث عن زميلاتك؟
أنت رجل يملؤه السخط تدّعي المعرفة وأنت غارق في جهلك.
رجال السلاح أمثالي يعرفون معنى الإخلاص في أعمالهم وفي علاقاتهم.
وليس فيما قلته إلا ما يتخيله عقلك المضطرب.
...
ـ نعم… ربما هي تخيّلات، كما يقول.
ربما كان عليّ أن أتذكر أنني أرى “العائدين” بينما الآخرون لا يرون شيئًا.
لعلها آثار الأدوية التي وصفها لي الطبيب والتي منحتني بعض الراحة… ربما.
لكنّي رغم كل ذلك أعلم أن محسن لا يعرف الإخلاص في حبّ زوجته.
دعني أتجاوز هذا الآن… وأهتم بالأمر الآخر...
أنا قد عاهدت نفسي على ألا أظلم الناس ولا أعذب أحدا للحصول على اعترافات...
ولكن ربما بهذه الاعترافات أجنب البلاد مصيرا سيئا...
التهم غير ذات بال وأعرف أنها مفبركة...
فكل الناس قد تكون لهم علاقات بالأجانب
السلطة نفسها لها علاقات بالأجنبي فلماذا تحاكم الناس على علاقاتهم
لماذا تدعي عليهم بما تأتيه ألم يقل الله أو الرسول أو شاعر لا أدري...
لا تنه عن خلق وتأت بمثله عار عليك إذ فعلت عظيم
أذكر أن سي عبد الحق كان يحب هذه المقولة وكان يرددها هكذا بسبب وبغير سبب
كنا صغارا ولا نفهم ماذا كان يقول سي عبد الحق...
حتى كبرنا وفهمنا كل شيء... تقريبا كل شيء
الآن فهمت
نعم فهمت لماذا كلفت أنا بأمر أخذ الاعترافات...
إنها طريقتهم في امتحان من يعمل معهم في امتحان إخلاصي لهم...
أنتم تريدون معرفة درجة إخلاصي لكم...
لتعرفوا إذن...
سكت برهة ثم عاد يتمتم: "في لخر آش بيناتنا... بيناتنا زي هاو زيكم وبالسلامة"...
كان يجدر بي ذلك منذ البداية. منذ البداية كان عَلَيَّ أن أختار وضيفا آخر " لكن آش تحب ... هي الظروف " لعن الله ظروف الفقر " الفقر هو إلِى لزني باش نولي الشيء هذا..."

الحمامات. تونس