العائدون: أول الحكاية


بشير الحامدي
الحوار المتمدن - العدد: 8529 - 2025 / 11 / 17 - 02:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

مكان يشبه أرضا جرداء حيث ينتشر الغبار وبقايا أشياء كثيرة لم تعد صالحة للاستعمال....
ليس مصبا ولكنه يشبه المصب من حيث القذارة ....
أرض بين مرتفعين شاهقين ومن الجهة الشمالية بحر.
بحر ليس به سمك بل تتناثر على أطرافه جثث تخرج منها روائح نتنة تشبه رائحة الموت...
قال الأوّل:
وهو معروف بقبعته الرمادية وحذائه الذي يشبه الحاوية:
هؤلاء ليسوا أمواتا بل هم أحياء عند ربهم يرزقون....
فتعالت ضحكات...
أحياء عند ربهم يرزقون كالشهداء بالضبط ... الشهداء أيضا عند ربهم يرزقون ...
وتعالت الضحكات من جديد.
قال الثاني:
يا لهذا العهد السعيد ويا لهذه الأرض ويا لهذه المقابر المنتشرة في كل مكان...
قال ثالث:
لوكنت أدري أني ساجدها على هذه الحالة ما أفقت...
ما خرجت من استراحتي الأبدية وما عدت.
قال رابع:
لنبدأ أولا بتنظيف الشواطئ والغدران...
وتعالت الضحكات من جديد...
قال خامس:
لم نعد لننظف ألم تسمعوا أن حظيرة خنزير أطهر من أطهرهم ...
وما ينطبق على الأحياء ينطبق على أرضهم...
أسكت أرجوك فأنت معروف... أنسيت أنك كنت دائما تحدثنا عن لبيب المجنون وزابا... نحن عدنا لنحدث أمرا آخر نعم آخر لا لننظف حضيرة الخنازير ... إنها قذرة بما فيه الكفاية ولا يمكن تنظيفها إلا بحرثها ودفع البحر قليلا ...
قال سادس:
الله سيعيننا على كل شيء...
والله فكرة دفع البحر قليلا ليست خائبة تماما لنتعاون وندفعه قليلا
قال سابع:
أنتم مجانين أو مرضى في أحسن الأحوال...
أنتم لم تفكروا في الضفة الأخرى في سكان الضفة الأخرى هل هم موافقون أم لا...
قال السادس صاحبنا يرد عليّ وكأني لم أفكر في سكان الضفة الأخرى...
لقد فكرت فيهم "ياسيد" وهم يرحبون بذلك نعم قالوا جميعا: جيد إنكم كآبائكم لا تكونون إلا حراسا لنا تحرسوننا وتنطفون مؤخراتنا ونحن سعداء بذلك
قال ثامن:
رأيت وأنا نائم رجلا يحمل سلاحا ويسير في العراء ثم ظهرت لي في الحلم أشباح سوداء متيبسة مالحة فخلت نفسي مازلت حيا فخفت ذلك الخوف الذي لم نعد نشعر به لما متنا ولمّا تحولت حكايتي إلى ما يشبه حكايات الأحياء. بعد ذلك تلاشى كل شيء كالغيم فوجدت نفسي ممدّدا في غرفة الإنعاش وجمع من الأطباء يتهامسون بما لا أستطيع أن أقول الآن ولكني وعلى ما أذكر قد احتفظت في مخيلتي ببعض همساتهم فلم تكن إلا كلاما فارغا فهم يقولون أن من هم بغرفة الإنعاش هم شهداء و أنهم أجبروا على أن لا يقولون الحقيقة و أن سنة 2010 سنة نجسة و أن كثيرين ينتحرون دون سبب يذكر. عندها ضحكت مثلما أضحك الآن ليس على غبائهم بل ضحكت على همساتهم البتراء... وعلى كل حال فهناك في كلامهم شيء من الحقيقة كما يقول لبيب المجنون ...
قال تاسع:
لبيب المجنون وزابا هي أسماء حقيقة... وربما هي اسم واحد فقط وهذا الواحد مزق ثيابه في يوم من أيام ديسمبر وراح يجري بكل حزم لا يدري أين... كالفار من جحيم ويقولون أن سبب ذلك كله أنه أثخن الجرح وملأ الخزائن بالذباب وتلعثم كثيرا وهو يشرح وجهة نطره حتى تيقن أنه كمن يطلب مهلة ولكنه لا يجد من يسندها له فانتحر...
قال عاشر:
الأرض لنا وكل ما عليها لنا فقط علينا أن نعمل المعول والفأس والرفش فيها وألا نصدق ما يروى عن العائدين من أنهم أموات يسهل التغلب عليهم... صحيح أننا أموات ولكننا ها أننا نعود لأن الأحياء لم يعودوا أحياء فلا نحن الأموات نقبلهم ولا حتى المقابر ستفخر بهم...
أسكتوا الآن وهبّوا للعمل فلا يعنيكم غير ما عزمتم عليه...
ــــــــــــــ
الحمامات. تونس