المقال 17 من قليل قليل من رحلة عمر: رابطة اليسار العمالي تخفي نصين واحد تنظيمي والثاني سياسي مقدمان للمؤتمر التأسيسي ولا تدرجهما في جدول أعمال لجنة تحضيرها لتبقى تنظيما رعوانيا


بشير الحامدي
الحوار المتمدن - العدد: 8375 - 2025 / 6 / 16 - 16:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

يمكن القول إن المجموعات السياسية التونسية التي تقول عن نفسها ماركسية أو شيوعية أو أناركية وبالتحديد ـ الشعلة ـ البوكت ـ الوطد فيما بعد ـ والتروتسكيون ـ كانوا يعانون أزمة في تصور التنطيم هيكليا. لقد كانت النوايا الطيبة هي السائدة وكذلك النوايا السيئة. فنحن نكاد لا نعثر على وثائق منشورة حول هذا الأمر ثم إن كل المجموعات كانت ستالينة في تصورها للتنظيم بمعنى أنها كانت تخلق من بين أعضائها شخصا تتخذه زعيما وكل ما يفعله هذا الزعيم يجب الدفاع عنه دفاعا قطيعيا باعتبار لعبة الاتجاهات والهيمنة التي تسود بين هذه الاتجاهات. فلا يمكن نقد توجه هذا الزعيم في العلن حتى وإن كان توجها يمينا ويبقى النقد داخليا وربما لا يتمكن أصحابه من فرضه في جداول أعمال الهيئات الداخلية لهذه المجموعات وحتى إن وقع فرضه فسرعان ما يقع هرسلة أصحابه ودفعهم للاحجام عن تطويره أو الإصداح به ومن ثمة تبقى "حليمة على عادتها القديمة" ولنا أمثلة كثيرة على ذلك.
فلنأخذ مثلا الجبهة الشعبة ونبحث في أسباب انحلالها. سنجد أن السبب الرئيس هو عدم تهيكلها وعدم رغبة الزعيم المتحدث عنه سابقا في بقائها دون هيكلة.
وسنعود للموضوع بأكثر تفاصيل في حينه. قلت لنأخذ مثلا الجبهة الشعبية ثم أضيف مثالا آخر ملموسا خاصا برابطة اليسار العمالي. (مازلنا في النصف الأول من عام 2011) فقد عمد المتنفذون في رابطة اليسار العمالي مثلا إلى إخفاء نص تنظيمي مقترح للمؤتمر وعدم إدراجه في جدول أعمال جلسات التحضير للؤتمر التأسيسي والنص هو لمحمد عمامي الذي سيكون له دور كبير في تمويل مؤتمر لجان ومجالس حماية الثورة الذي انعقد على يومين بأحد نزل مدينة نابل والذي سيأتي الحديث عنه. قلت النص تحت عنوان ضوابط تنظيمية لمنظمة (أو حزب أو حركة؟؟؟؟ سنرى) وأنا اقترح اسم (اتحاد القوى الثورية) هذا النص ّ أنا بشير الحامدي أصرح أني لم أطلع عليه إلا الآن بمناسبة كتابتي لهذه المقالات. والحقيقة أني أتنبني وجهة النظر الواردة فيه وقد تبلور موقفي هذا دون معرفة بالنصّ اثناء تأسيس تنظيم عصيان الذي سأتحدث عنه في الإبان والحقيقة أن النص ليس نصا مقترحا للهيكلة وطبيعة المنظمة التي يزمع التروتسكيون إقامتها فقط بل معه نص سياسي آخر سأنشره هنا أيضا بعنوان ـ لنواصل المسار الثوري حتى الاطاحة بمنظومة النهب الرأسمالي الوحشي والاستبداد الظلامي ـ كذلك أتبنى أغلب ما ورد فيه وهو نص لم أطلع عليه سوى الآن وقد كان المتنفذون في المجموعة قد أخفوه ولم يدرجوه للنقاش هكذا بجرة قلم أكيد متأتية من الزعيم الذي أشرنا إليه سابقا ههههههههههههههههه.
النص 1
النصّ التنظيمي
ضوابط تنظيمية لمنظمة (أو حزب أو حركة؟؟؟؟ سنرى)
أنا اقترح اسم (اتحاد القوى الثورية)
ضوابط هامة
1- تنبنى (منظمة......) على أسس هيكلة شبكية أفقية ديمقراطية لا مركزية. تكون فروعها المحلية والجهوية والقطاعية حلقات نضال وتفكير وتكوين سياسي تساهم بفاعلية في البناء البرنامجي والتنظيمي للمنظمة.
2- تبنى الفروع في نطاق ميدان تدخلها كالمؤسسة والحي والوحدة الترابية. وهي المسؤولة الأولى على ابتداع طرق وأولويات وأدوات ذلك التدخل . وهي حرة في اتخاذ المبادرات في نظاق الخط العام البرنامجي للمنظمة لا تنتظر في ذلك أوامر من أي مركز قرار خارجها.
3 مناضلو المنظمة ينتمون إلى فروعها كشرط للانتماء لها و يساهمون بفاعلية في بنائها وإنجاح نشاطاتها.
4 - تضبط الفروع وتيرة اجتماعاتها العامة حسب وضعها الخاص ومتطلبات نشاطها. وفيما بين اجتماعاتها تتكفل التنسيقية المحلية بمتابعة الحياة التنظيمية والأمور التقنية وتأمين الإعلام والتنسيق دون أن يكون لها الحق لتعويض الاجتماع العام في اتخاذ المواقف السياسية أو البت في القضايا التنظيمية.
5 - من حق كل فرع أن يضبط مقادير الخراطات مناضليه حسب أوضاعهم الخاصة. ومن حقه أن يطالب من التنسيقية الوطنية بدعم نشاطاته وحملاته ماليا أو تنظيميا أو غير ذلك.
6 - تتصرف الفروع في مقادير انخراطاتها وموارد نشاطاتها والتبرعات التي يمكن أن تجمعها بنسبة 80 بالمائة متخلية عن البقية لفائدة الخزينة العامة للمنظمة لتسيير النشاطات والحملات ومستلزمات التنظيم على المستوى الوطني.
الهياكل والأطر المحلية
7 ينتخب أعضاء التنسيقية انتخابا سريا ومباشرا في اجتماع عام للفرع للقيام بمهام التنسيق ويحق لهذا الأخير أن يسحب منها ثقته ويعيد انتخاب تنسيقية جديدة على ألا يتجاوز عمر التنسقية في كل الأحوال سنة واحدة.
8 تعقد الفروع المحلية والقطاعية مؤتمرها في ظرف سنة على أقصى تقدير وتبت في المسائل المطروحة للمؤتمر العام بالتصويت على مقترحات النصوص المقدمة لها واقتراح تعديلات عليها أو رفضها. وتنتخب مؤتمريها للمؤتمر العام وتفوض ممثليها في التنسيقية الوطنية وذلك حسب نسب يضبطها المؤتمر.
الهياكل الجهوية
9- يتركب المجلس الجهوي من مفوضين من الفروع المحلية على قاعدة نسبية يحددها المؤتمر.
يعقد مرة في كل ثلاتة أشهر آو كل ما دعت الحاجة إلى ذلك، يناقش الأوضاع في الجهة يقترح على الفروع نشاطات وحملات جهوية تبت فيها قبولا أو تعديلا أو رفضا.
10 تتركب التنسيقية الجهوية من منسقين مفوضين من فروعهم المحلية وللفروع طبعا سلطة سحب التفويض واستبدال مفوضيها. وهي تقوم بمهام التنسيق والإعلام على المستوى الجهوي وتقترح على الهياكل المحلية والقطاعية نشاطات جهوية تستلزم موافقة دون أن يكون لديها سلطة فرضها عليها.
الهياكل والأطر الوطنية
11 - المؤتمر العام
يعقد مرة كل سنتين على أقصى تقدير أو استثنائيا عند الضرورة.
تنظّم التنسيقية الوطنية التحضيرات التقنية الضرورية للمؤتمر (استقبال المشاريع وتوزيعها ومتابعة عملية نقاشها و تامين الإعلام وتنسيق المؤتمرات المحلية وضبط موعيدها).
كل مؤتمر يحدد موعد المؤتمر العادي اللاحق. ويحدد المجلس الوطني مواعيد المؤتمر الاستثنائي.
يبت المؤتمر في الخط السياسي العام و القضايا التنظيمية الكبرى والنزاعات التي يمكن أن يتقدم بها مناضلون أو هياكل. وهو يتركب من مؤتمرين مفوضين من فروعهم المحلية على قاعدة نسبية يحددها المجلس الوطني.
12 - المجلس الوطني
هو ثاني إطار قرار على الصعيد الوطني. يتركب من مفوّضي الفروع على قاعدة نسبية يضبطها المؤتمر
يجتمع المجلي الوطني مرة كل ستة أشهر على أقصى تقدير ليرصد الأوضاع السياسية ويعاين بالتحليل ويوجه التنسيقية الوطنية في نطاق التوجهات السياسية التي رسمها المؤتمر.
التنسيقية الوطنية:
تتركب من مفوضي الفروع المحلية على قاعدة نسبية يضبها المؤتمر. تتابع الأوضاع السياسة وتسير النشاطات الجارية وتنسق الإعلام وتستجيب لمتطلبات الحملات والنشاطات التي يقوم بها الفروع بتوفير الوسائل والدعم المالي والسياسي.
وتجتمع مرة كل شهر على الأقل أو كلما كان ذلك ضروريا.
مكتب التنسيق:
هو جهاز تنفيذي بحت تنتخبه التنسيقية الوطنية من بين أعضائها يتابع الوضع اليومي للمنظمة ويؤمن مهام عملية مباشرة مثل الطبع والإرسال وتنسيق الاجتماعات ونشر محاضر الجلسات. وللتنسيقية الوطنية.
النص 2
النص السياسي
لنواصل المسار الثوري حتى الاطاحة بمنظومة النهب الرأسمالي الوحشي والاستبداد الظلامي
دشّن المسار الثوري في تونس منذ انطلاقه في 17 ديسمبر 2010 فاتحة حقبة جديدة من الانتفاضات والمسارات الثورية لا فقط في المنطقة العربية بل أيضا في العالم. وهي حقبة لم تزل في بداياتها و تنذر بطبيعة معقدة ومتشعبة وممتدة زمنيا ومجاليا.
ولقد تكشّف المسار الثوري عن أصالة وطرافة تنبئ ببعض سمات الثورة المقبلة و هي ثورة تحوز على تمايزات هامة عن مثيلاتها في القرن العشرين.
فلأول مرة تجد أحزاب ما سمي باليسار الجديد أو اليسار الراديكالي، المنبثقة عن حركة الستينات، والمشكّلة على نمط مركزي تراتبي، ذات الخلفية الإيديولوجية الثابتة والمرجعيات الوثوقية، على هامش الأحداث أو في الضفة المقابلة للثورة.
وتأخذ الاتجاهات التحررية الفردية والجماعية، مكانة أكثر فأكثر تميّزا في الثورة على الهيمنة الرأسمالية. فحركات الشبيبة والحركات النسائية والأقليات العرقية والدينية والثقافية والأقليات المهاجرة وغيرها قد ابتكرت طرقا أصيلة في رفع مطالبها إلى مواضع مرموقة في الحركات المضادة للهيمنة الرأسمالية وجميع أشكال السيطرة والاستبداد. فكانت ثورة على المنظومة السائدة و في نفس الوقت على أشكال المعارضة التقليدية التي لم تفعل إلى حد الآن سوى إعادة إنتاج نظم الاستغلال والقهر بأشكال تترواح بين أشدها وألطفها. وإذا كانت العفوية الجماهيرية صنو التحرر من ربقة الأجهزة البيروقراطية والأجهزة التسلّطية/الإسبدالية فإنها، بتقدم المسار الثوري، وتشعب المهام الثورية واشتداد المقاومة البرجوازية أصبحت نفس العفوية عائقا أمام تطوّر المسار الثوري وعنصر ضعف لغياب استراتيجيا ثورية واضحة مما أتاح الالتفاف على المسار الثوري بصورة متكرّرة وبسهولة نسبية.
ومنذ الوهلة الأولى لاندلاع الانتفاضة في تونس، ثم في المنطقة العربية تجلت شدّة التضامن الأممي الرأسمالي. فلقد اتخذت القوى الامبريالية وحلفاؤها في المنطقة كل التدابير وعقدت التحالفات وعبّأت الموارد والامكانات العسكرية والإيديولوجية والإعلامية والبشرية لحرف المسار الثوري عن أهدافه وتعويضه بما سُمي بـ"مسار الانتقال الديمقراطي" فصودرت مطالب الشعوب، وخلفتها مطالب المحاصصة بين أحزاب التقت بيمينها ويسارها حول مهمة فورية: إعادة هيكلة النظام السائد وتهيئته لمواجهة الأزمة الخانقة التي نخرته والحفاظ على هياكل الدول القائمة بعد تأهيلها لتتسع إلى استيعاب القوى الإصلاحية التي هبت لنجدتها.
غير أن من يطلق عليهم اسم الديمقراطيين والليبراليين في المنطقة العربية هم أضعف من أن يحتووا انتفاضة الشعوب وأن يديروا أزمة الأنظمة السائدة عن طريق ديمقراطية نيابية فوقية مركزية تحصر التداول على الحكم في أوليغارشية حزبية تتمتع بكفالة كبار الرأسماليين العالميين والعرب. وهو ما دفع بهؤلاء إلى أن يستنجدوا بالرجعية الظلامية من جهة وبالأجهزة البروقرطية العسكرية من جهة أخرى كي يحصّنوا الثورة المضادة وينسجوا تحالفا رجعيا قادرا على كبح المسار الثوري. ولم يكن ذلك ممكنا دون تعاون من الأجهزة البيروقراطية النقابية والحزبية والجمعياتية ذات التأثير الواسع في أوساط المناضلين الفاعلين في المسار الثوري نفسه.
ولئن بدت مهمة إزاحة الدكتاتور وبطانته، في حد ذاتها مكسبا فعليا وأكيدا، فإن وضع أسس نظام ثوري يمضي في إنجاز بقية مهام الثورة ويرسي آليات كفيلة بمنع عودة الديكتاتورية واستفحال الاستغلال والاضطهاد هي أبعد ما تكون عن التحقق.
1/ هل استُنزف المسار الثوري؟
لم ينته بعدُ فرز الأصوات أثناء انتخابات 23 أكتوبر 2011، حتى اندلعت من جديد انتفاضات واعتصامات وإضرابات أطلقها شباب ونساء ومواطني المناطق المحرومة والقطاعات العمّالية والشعبية المناضلة. فمن تالة والقصرين إلى سيدي بوزيد ومنزل بوزيان والرقاب وقفصة والرديف وسليانة والقصرين وصفاقس و الكاف و جندوبة وغيرها من مناطق الثورة، عادت الاحتجاجات الشعبية للاشتعال، كتعبير عن خيبة أمل تلك الفئات وإيمانها بأن تضحياتها ذهبت سدى، مردّدة، على نطاق واسع، شعار "الشعب يريد الثورة من جديد".
وببروز أوّل التصريحات والنوايا المعادية للثورة لرموز الثورة المضادة الحاكمة، اندلعت موجة جديدة من الإضرابات العمالية شملت عدة قطاعات رأت نفسها عرضة لا للتناسي فقط، بل وللتراجع في بعض المكتسبات التي حققتها في الأشهر الأولى من سنة 2011 .
من الأكيد أنّ المسار الثوري يعيش الآن حالة جزر ومراوحة نتيجة عدّة عوامل أهمّها التزام الجهاز المركزي للإتحاد العام التونسي للشغل بالتهدئة والوساطة والتبرأ من"الإعتصامات الوحشية" و"التحركات الفوضوية" و" نبذ العنف" مقابل اللهث وراء "الحوار الوطني" ومؤتمر الإنقاذ" المزعوم وكذالك اكتفاء القوى الإصلاحية واليسارية المؤسساتية، وعلى رأسها أكبر الأحزاب المكوّنة "للجبهة الشعبية" بالمعارضة ضمن أطر "الشرعية الدستورية" وتجنّبها التورّط في مسايرة النهج الثوري الذي تراه بعين التوجّس والخوف من نزعته الاستقلالية والراديكالية.
2/ نحو ولادة قوّة ثورية جديدة
بانتقال غالبية أحزاب ومجموعات اليسار المنبثق عن حركة الستينات والسبعينات من القرن العشرين إلى مصاف القوى الإصلاحية التي تنخرط في إعادة هيكلة الدولة البورجوازية ودمقرطتها، وتوسيع قاعدتها مكتفية برهان المشاركة في إدارة أزمتها، خلقت الثورة جيلها ووضعته في مواجهة كل الأحزاب والمنظمات والأجهزة النقابية للعالم القديم برمّتها.
وكان على الشبيبة الثورية أن تتلمّس طريقها من جديد دون "خيط الإرث" الذي يصلها بالأجيال الثورية السابقة.
ولقد مكّن هذا الوضع من تخلّص الشبيبة الثورية من الأوهام والتردّد تجاه الأحزاب والمنظمات التي كانت تلعب دورا هاما في تكبيلها ودفعها نحو المأزق البيروقراطي لعقود طويلة من جهة ونحو عقلية نقلية وتبسيطية تجاه تجارب ثورية خصوصية حملت محمل المثل والمرجعيات المقدّسة.
غير أنّ نفس الوضع خلق، أيضا، مصاعب جمّة تلازم كل بناء يقوم على ما يقارب الصّفر، في زمن يتّسم بتسارع الأحداث والانقلابات الفجائية في الأوضاع والقوى السياسية. وهو ما يميز المسار الثوري الجاري لا فقط في المنطقة العربية بل في العالم كله.
وأمام تصاعد موجة العنصرية الاستعمارية الجديدة من جهة، وضخامة الدعاية المنهجية لآلاف الفضائيات الأصولية وعجز القوى الديمقراطية على مضادّة تلك الموجة من جهة أخرى، وأمام الموارد الهائلة للقوى الأصولية الإسلامية، المدعومة دوليا وإقليميا، تتساقط أعداد متزايدة من الشباب في فخ "صراع الحضارات" والتعصّب للهويات الجماعية الأصولية. وتوجّه نحو الإرهاب المقدّس أو الاستكانة والطاعة لشيوخ التجهيل والعبودية وهو التحديّ الأكبر الذي يواجه ثوريي تونس وباقي أقطار المنطقة.
3/ القطع مع المركزية والتسلط البيروقراطي
لم يتوقّع أي من المراقبين ولا من الفاعلين السياسيين اندلاع الثورة بتلك السهولة والفجائية. وطبقا للقوالب التحليلية الكلاسيكية للمثقفين البارعين والمتمرسين، انطلقت من حيث لا يجب أن تنطلق وهي تقاد إلى اليوم ممن لا يمكنهم قيادتها. ثوار لا علاقة لهم بأجهزة إنتاج النظريات والتحليلات المعمّقة التي تزن الربح والخسارة بالقسطاس، وتغرق في المهاترات والمناظرات حول ما يجب وما لا يجب.
مهمّشو أحزمة الفقر في المدن الكبرى انظموا إلى ثورة جياع القرى والمدن والجهات المحرومة والمقصاة من دائرة نمو النظام الرأسمالي لعدم أولويتها في درّ أرباحه.
شباب متعلّم ومعطّل بمئات الآلاف، تربّى ضمن تعليم رأسمالي استعمالي، قطع مع أهداف التثقيف وتربية ملكة النقد والإبداع، وركّز على المعارف التقنية والتكنولوجية المتماشية مع متطلبات ربحه، فأتاح، مع ذلك، للشبيبة المتعلمة، امتلاك معارف تقنية ودراية بوسائط الاتصال والمعلومات وقدرة على الاستفادة من وسائل التواصل الشبكي الآني.
جيل من المناضلين أكثر تواضعا وعملية ومرونة وصلة بالواقع من مثقفي العقود السابقة الذين غرقوا في أصوليتهم ونمطيتهم حتى إذا تهاوت مراجعهم تهاووا معها وخرجوا من دائرة الفعل الثوري وانتقلوا إلى مدافعين شرسين على المنظومة السائدة.
لقد توصّلت الحركة الجماهرية، وخاصة منها فئة الشباب الثوري، إلى إدراك ما للمركزية والبيروقراطية من خطر على مسارها الثوري، فنبذت الأحزاب والمنظمات الهرمية الاستبدالية التي لم تستطع القطع مع مسلماتها التاريخية ونظرتها التقليدية، وهي نظرة تتّسم بالتعالي والسعي إلى الهيمنة على تلك الحركة بما لا يسمح باستقلاليتها وتنظمها الذاتي، وتنطلق من كونها مجرد أداة تستعملها في مساوماتها ومناوراتها الحزبية للقفز إلى كراسي السلطة.
4/ التنظّم الذاتي كبديل عن استبدالية الأحزاب والمنظمات
تجلىّ ذلك في محطات عديدة منذ انطلاق الثورة وبروز ضرورة الدفاع الذاتي أمام وحشية البوليس والمليشيات الموالية للنظام البائد. ولقد انتظم الشباب ضمن لجان وتنسيقيات وروابط شعبية في الأحياء والقرى والمدن والمؤسسات للدفاع عن حياة وكرامة وأملاك المواطنين.
في مرحلة ثانية، تطورت تلك اللجان الشعبية، بصفة طبيعية، إلى أدوات تَحدٍّ للسلطات المحلية والجهوية والقطاعية؛ فطردت مسئولي وأعوان الدكتاتورية وطالبت باستبدالهم ونظمت المظاهرات والإعتصامات، ووزعت الإعانات ونظّمت حملات تضامنية في البلاد ومع الثورات الشعبية، خصوصا الثورة المصرية والليبية.
وحين ناورت السلطة المركزية طوال تعاقب الحكومات المؤقتة الالتفافية رفضت الحركة الجماهرية الكثير من الولاة والمعتمدين والمسؤولين الإداريين المنصّبين وأعادت طردهم مرارا وتكرارا، مبرزة يقظة وجذرية كبيرة.
ولئن توصّلت، بعد جهد جهيد، الأحزاب الاستبدالية/التسلطية إلى خنقها و/أو تدجينها وإلحاق ما تبقّى منها بالأجهزة الحزبية أو الإدارية للدولة والأحزاب الحاكمة الغارقة في المال الفاسد الخليجي والعالمي، فإنّ تجربة التنظّم الذاتي في حدّ ذاتها أصبحت مكسبا وتقليدا شائعين، يمكن إحياؤها في كل مرّة يعيد فيها المسار الثوري انطلاقته. فضلا عن كونها مادة للتعميم والتنظير وإعادة التمثّل من قبل الشباب الثوري في سعيه إلى صياغة استراتيجيا لثورته.
5/ تواصل الإصرار على مواصلة الثورة
رفضت الحركة الثورية إمهال الحكومات الإلتفافية المتعاقبة فرصة إعادة ترتيب بيت النظام البائد وتنظيم قواه لسحق الثورة. وهي لا تزال تستنزف حكومة الإسلاميين التي سارت عموما على خطى الحكومات السابقة وتبنّت برنامجها الاقتصادي والاجتماعي.
كما كشفت منذ أيامها الأولى عن نواياها القمعية مضيفة إلى قوة الرّدع البوليسي، قوة جديدة تمثلت في ميلشيات الأحزاب والجمعيات الإسلامية المدعومة من الأجهزة الأمنية للنظام والممولة من شيوخ النفط الخليجي، وهي أجهزة لم تكتف بقمع التحركات الجماهرية فحسب، بل هدّدت المكاسب الهشّة للديمقراطية البورجوازية التي حققتها الثورة لحد ألان، فاعتدى ناشطوها على الصحافيين والفنانين والنقاببين والحقوقيين ومناضلات الحركة النسائية...
ولقد وصل إرهاب تلك الأجهزة الرجعية أوجه باغتيال الرفيق شكري بلعيد وهو اغتيال يعدّ فاتحة عهد إرهاب ظلامي تعدّه الثورة المضادة كطريق قصوى لإخماد المسار الثوري وفرض نظام الطاعة والقبول بالاستبداد مقابل الأمن.
إن تواصل المسار الثوري هو الطريق الوحيدة لكشف زيف الديموقراطية الإلتفافية و"الجمهورية" الإسلامية التي تلوّح بها حركة النهضة كذبا وبهتانا. وإنّ سياسة "المعارضة المسؤولة" الداعية إلى تأجيل المطالب الاجتماعية للثورة والتضحية بالمصالح الطبقية للشغالين والعاطلين عن العمل وضحايا الفقر والتهميش والميز الجهوي... مقابل الفوز بالأمن والديموقراطية السياسية الشكلية التي تتيح لقلّة من محترفي السياسة التباري من أجل الكراسي، هي سياسة تمنح الرجعية الأصولية الإسلامية، بزعامة "حركة النهضة"، فرصة تمكّنها من القبض على المجتمع وسحق مقاوماته وإخضاعه لنظام الطاعة الشمولي الخاص بها.
6/ الوعي الزائف يأتي من الخارج والوعي الثوري يبتدع في الداخل
شهدت الثورة التونسية على غرار بقية الثورات الجارية بروز فئة من المثقفين الثوريين المنصهرين في الحركة الجماهرية والمنخرطيين في مسار مواصلة الثورة من موقع جديد تماما. فهم، على قلتهم وانعدام خبرتهم، لا يتموقعون ضمن الأحزاب والتنظيمات السياسية البيروقراطية التقليدية المحافظة، العاملة على التأثير من الخارج في تلك الحركة، وتأطيرها وفق تصورات وبرامج وأدوات تنظيمية محدّدة سلفا من قبل "خبراءٍ" ومحترفين سياسيين.
ولكون الجيل الجديد ينحدر أساسا من الشبيبة المتعلمة المعطلة أو الرازحة لشروط العمل العابر والظروف الاجتماعية الهشّة، والأجور الدنيا، فهو أكثر حساسية وتفاعلا وتقديرا للثورة الاجتماعية. فضلا عن كونه جزءا لا يتجزأ منها، ينشط داخلها ويستلهم الشعارات من تجربتها. إن الجديد، إذن، هو أن الثورة تشكّل وعيها بنفسها وتستقي دروسها من تجاربها العينية وتخلق شروط تنظيرها عبر القائمين بها لا عبر أساتذة متطوّعيين من فئة مثقفة برجوازية تنقل مشروعها المجتمعي الجاهز إلى جماهير مخبّلة وجاهلة.
نحن نعرف أنّ تعميم التّعليم الّذي تطلّبته مرحلة التّوسع الرّأسمالي ما بعد الحرب العالمية الثانية سمح بتمكين أبناء الطّبقات المفقّرة من التعلّم واكتساب معارف كانت إلى حدّ النصف الأول من القرن العشرين حكرا على أبناء الميسورين.
وبدخول الرأسمال المعولم أزمته الجديدة منذ عقود، وانكماش سوق الشغل، تخلّى عن أعداد كبيرة من حاملي الشهادات الجامعية، راميا إياهم في الشّارع وجاعلا منهم جيشا من الكادحين الاحتياطيين في سوق العمل، مهمّشا إياهم وحارما إياهم من وسائل العيش الكريم ومن تحقيق مطامحهم التي ارتبطت أساسا بالمحصول العلمي والمعرفي الذي تلقوه.
وهذا ما جعل من تلك الأعداد الكبيرة من أصحاب الشهادات الجامعية العليا والوسطى خزانا ثوريا كبيرا برز منذ أواخر الستينات من القرن العشرين، وتأكّد مع انطلاق المسار الثوري الجاري الذي دشّنته الثورة التونسية. ولقد تميّزت هذه الفئة بجذريتها وابتكارها لطرق وأساليب جديدة في التواصل والنّضال والتنّظم الذاتي الأفقي الديموقراطي المباشر.
7/ نحو خلق تنظيمات شبكية لامركزية
إنّ الأحزاب اليسارية الهرمية والمبنية على أسس تقليدية مركزية، فشلت فشلا ذريعا في مسايرة الثورة. وإنّ الدور المحافظ والمعادي للثورة الذي يلعبه جهاز الاتحاد العام التونسي للشغل، وإنّ الشرعوية والتبعية التي تسم تدخل منظمات وجمعيات ما يدعى بالمجتمع المدني، جعلت من كل تلك القوى على هامش الثورة.
لقد اتسمت الثورة الحالية، لا فقط في تونس ومصر، بل في بقية البلدان العربية بغياب قوة بيروقراطية ثورية تتصدّى لـمهمّة "قيادتها" و"تأطيرها". إنّ مثل تلك البيروقراطية الثورية كانت على رأس جل ثورات القرن العشرين. ولقد اتّسم تدخلها ذاك بجذرية عدائها للنظم السائدة، من جهة، وتوجّسها من استقلالية الحركة الجماهيرية العفوية والعمل على الهيمنة عليها بشتى الطرق، من جهة أخرى. أمّا بيروقراطية اليوم فقد تحوّلت، كما تحولت برجوازية الأمس، إلى مجرّد احتياط للرجعية والقوى المعادية للثورة.
ففي تونس، عُقد تحالف عريض وذو دلالة خاصة بين جميع البيروقراطيات الحزبية (بدأ بجل أحزاب "أقصى اليسار" وانتهاء بأقصى اليمين) والنقابية (الإتحاد العام التونسي للشغل) وبيروقراطية المنظمات والجمعيات وبيروقراطية الدولة: الإدارية والعسكرية. ولقد هندس هذا التحالف عملية الالتفاف على الثورة، معوّضا إياها بما أسموه "مسار الانتقال الديموقراطي"، الذي لم يكن سوى إعادة هيكلةٍ وتحسينٍ للنظام البائد. ونعرف ما أفضى إليه هذا المسار اليوم. وهي مسؤولية جميع القوى المساهمة في فرضه على الحركة الثورية التي قمعت أو خرّبت لجانها الشعبية، وطورد وحوكم شبابها الثوري وهمشت مطالبها وجهودها لصالح الراكبين عليها.
وإذ بيّنت الحركة الثورية قدرة كبيرة على التّنظّم الذاتي حول مهام نضالية وتضامنية ملموسة، ومرونة كبيرة في التواصل والتوسّع فإنّها تبقى مع ذلك في حاجة إلى بلورة المهام الثورية الكبرى المسماة إستراتيجية، والى تحديد ملامح بديل مجتمعي متكامل عن الدكتاتورية ولمنظومة النهب الرأسمالي في نفس الوقت.
8/ المهام المباشرة للثورة:
أ - الإطاحة بنظام الاستبداد و تفكيك هياكل دولته وإرساء ديمقراطية شعبية مباشرة:
خلافا لمجهودات دعاة التوافق الرجعي الإصلاحي الرامية إلى إنقاذ الدولة من التفكك والانهيار، يسعى الثوريون إلى تفكيك هياكلها القمعية والإيديولوجية والإعلامية، وحل أجهزتها ومجالس قيادتها ومحاسبة كوادرها الفاسدة والمجرمة (البيروقراطية البوليسية، والعسكرية، والإدارية للدولة وأعضاء السلطة التنفيذية والقضاة الفاسدين...) وإعادة بناء المنظومة الأمنية و العسكرية بما يتلاءم مع الديمقراطية الشعبية و يضمن انتخابا مباشرا و ديمقراطيا لقياداتها ويربط مهامها بمهام الثورة.
البدء فورا في إرساء نظام فدرالي يقوم على الديموقراطية المباشرة ويضمن تطورا متكافئا لمختلف الجهات ويجعل المجالس الشعبية المحلية والجهوية تتصرف في خيرات جهاتها وتبني قاعدة تكنولوجية وتطوير البنية التحتية لاستغلال ثرواتها المحلية ومن ثمة تحديد العلاقة المتبادلة مع غيرها من الجهات عبر المجلس الوطني الذي ليس سوى اتحادا فدراليا للمجالس الجهوية والمحلية والقطاعية.
ب - فصل الدين عن الدولة والشأن العام وإعلان الدولة دولة المواطنة لا دخل لها في المعتقد أو عدمه، ومنع أية دعاية سياسية عنصرية أومعادية للنساء في المساجد وباقي دور العبادة.
ت - إرساء مدرسة علمانية لا تلتزم بتعليم ديني ولا تميز بين المواطنين بسبب معتقداتهم ولا لأية اعتبارات أخرى.
ج - تعزيز حقوق المرأة و احترام استقلاليتها عن الرجل والمساواة بين الجنسين في كافة المجالات بما في ذلك المساواة في الإرث.
د - إلغاء الديون العمومية إلغاءا نهائيا والتمسّك باستعادة ثرواتنا المنهوبة إلى الخارج بكل صيغ النهب ومحاسبة النّهابين، سلطات ورجال أعمال، دائنون ومدينين ممّن سرقوا منّا ثروات طائلة لما يزيد عن نصف قرن.
ه - مشركة البنوك والمؤسسات المالية الكبرى الخاصة الناشطة على الأرض التونسية التي وضعت يدها على مقادير هائلة من أموال الشعب عن طريق الإعانات و"القروض" بدون ضمانات، من البنك المركزي التونسي وباقي المؤسسات المالية العمومية مثل الصناديق الاجتماعية وغيرها. وكذلك وضع البنك المركزي تحت ذمة الدولة دون سواها، بنشاطاته المعهودة (سكّ النقود وتعديل الموازنات وإقراض السلطات العمومية بدون فوائض).
و - إبطال العمل بالاتفاقيات المهينة مع القوى الامبريالية وإعادة صياغة علاقات جديدة مع باقي دول العالم بما يضمن سيادة الشعب و كرامته وانتصاره لقضايا العدل والحرية في المنطقة وفي العالم.
ز- الملكية مسالة مركزية في الثورة: إعادة تملك الممتلكات العامة
إن ثروات البلاد هي ملك للشعب وليست وقفا على النهابين الذين سطوا عليها بإعانة الدولة البورجوازية التي لم تكتف بتبرير هذا الاغتصاب بل تستميت في الدفاع عنه ضد أي احتجاج شعبي. على الشعب الثائر، إذن، أن يفرض توزيعا عادلا لهذه الثروات وأن يجبر النهابين على الإذعان لإرادته.
إن التصرف في هذه الثروات لا يجب أن يعود إلى حكومة مركزية تمثل أقلية من المتنفّذين بل إلى مؤسسات التسييير الذاتي للمواطنين المنتظمين عبر مجالسهم المنتخبة انتخابا ديمقراطيا ومباشرا.
يركز الإصلاحيون دعايتهم على الديمقراطية السياسية الشكلية ويحصرون المطالب الاجتماعية في بعض المظاهر الهامشية والغامضة مثل التشغيل والنتمية الجهوية بدون إعطائها محتوى اجتماعيا حقيقيا وينسون المسالة المركزية في كل ثورة وهي مسالة الملكية، ملكية الثروات والموارد وسائل الإنتاج الرئيسة في المجتمع في حين تطرح ثورتنا هذه المسألة بشكل لاهب. على الثوريين النضال من أجل مصادرة أملاك النهابين واستعادة الثروات والمؤسسات العمومية المفرط فيها ووضعها تحت تصرف مجالس منتخبة من المواطنين والمنتجين انتخابا مباشرا حرا وديمقراطيا.
ك - إعلان الخيرات الباطنية والسطحية العمومية ( فسفاط - بترول - غاز - مياه جوفية - بحار - غابات- ودواوين فلاحية كبرى) ملكا عموميا لا يمكن التفريط فيه أو خوصصته، بل يجب وضعه تحت تصرف لجان قطاعية منتخبة بالتنسيق مع المجالس المحلية والجهوية التي من شأنها أن تخطط لاستغلال تلك الخيرات وتوزيعها توزيعا عادلا.
ل - الخدمات الاجتماعية والتغطية الصحية حق مضمون للجميع
إن مبدأ مجانية الخدمات الاجتماعية الأساسية (صحة، تعليم، نقل عمومي، كهرباء وماء، اتصالات) هو مبدأ أساسي في الثورة الاجتماعية. ومن واجب السلطات العمومية توفيرها وتطويرها والسهر على ضمانها وتعميمها لتشمل كامل شرائح المجتمع.
م - إقرار سياسة تشغيلية عادلة باقتسام ساعات العمل بين المنتجين من جهة، وهو ما سينقص من ساعات العمل للشغالين دون خفض في الأجور، وخلق المشاريع العمومية المشغّلة والمساهمة في تطوير الخدمات الاحتماعية المتطورة من جهة أخرى.
ح - إقرار دخل اجتماعي قار يوفر عيشا كريما للعاطلين وغير المشتغلين
9 - ملامح المنظمات الثورية المُراد بناؤها:
إنّ صياغة وشرح ومحاولة تفعيل هكذا مهام يستدعي قيام حركات ومنظّمات سياسية ثورية تقطع مع الهرمية المركزية والعقلية الاستبدالية، وتنبثق عن الحركة الثورية وتُبنى وتنتظم في صلبها. على أن تكون تلك التنظيمات واعية بدورها الثوري باعتبارها قوة اقتراح وتأثير في الحركة الثورية لا قوّة استبدال وتنصيب ذاتها سلطة على الشعب وحركته الثورية.
إنّنا نعرف اليوم ما لا يجب أن يكون عليه تنظيما ثوريا مستقبليا، وهي نصف المعرفة المطلوبة. وتبقى مهمّة تحديد ملامحه تحديدا إيجابيا، وهي النصف الآخر لتلك المعرفة، رهن الحوار والنقاشات التي لا بد من إطلاقها وتوفير الوسائل الكفيلة باحتضانها وتعميمها وتطويرها في صفوف القوى الثورية.
وإذا كان العمل الثوري هو عمل تطوعي فإن التنظيمات الثورية تنأى بنفسها عن الاحتراف السياسي و كذلك عن التمثل في مراكز قيادية دائمة فيعوض فيها التفويض بمهامات محددة النيابات والتمثيلية الدائمة وكما تفرض رقابة المفوِضين على المفوُّضين بما في ذلك حق سحب التفويض
ولا بدّ لعلاقة المركز بالفروع أن تكون ديموقراطية، أفقية. فالمركز ليست قيادة متعالية بل هو تنسيقية لمختلف الفروع.
إنّ ثورات الحقبة الراهنة لا يمكنها أن تحرر الجموع دون تحرير الأفراد لذلك فالتنظيمات الثورية يجب أن تتلاءم مع هذا الهدف الإنساني العظيم