مجازات
بشير الحامدي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8485 - 2025 / 10 / 4 - 03:48
المحور:
الادب والفن
عندما كنت صغيرا
كانت أفكاري لا تتجاوز أركان بيتنا الريفي الفقير
كنت أرى الدنيا في عيني أبي وأمي و إخوتي والجيران أيضا
ولمّا كبرت كان الرفاق يرددون أحيانا على مسامعي
" كنت سأشترى لك باقة توليب هذا الصباح
ولكني لما وجدت الرفاق جائعين اشتريت لهم خبزا
وكتبت لك قصيدة حب"
لم أكن أفهم المعنى ولا المجازات
ولكني لما كبرت عرفت
أن درويش كان يغني فقط يغني
وأن الرفاق في الحقيقة لم يكنوا سيشترون باقة التوليب
ولكنها مجازات لا أكثر من شاعر يموت في المجازات
وعرفت أن الرفاق ما عادوا رفاقا
وما عادت باقة التوليب توليب
***
لما كنت صغيرا
كنت أرى الدنيا في عيني كتاب
ولكني لما كبرت
ما عاد الكتاب كتابا
وما عادت الكلمات كلمات
كلها كانت مجازات
***
عندما كنت صغيرا
كنت لا أكتب جملا بدون فاعل
ولكني لما كبرت
ما عدت أكتب جملا فعلية
فالله لا يحب الفاعل
والحاكم لا يحب الفاعل
والناس أيضا لا يحبون الفاعل
وحدي كنت أردد
يمكن أن يعوّض الفاعل بنائبه
ومرات أتساءل لماذا النائب مرفوعا
و أقول ربما لأنها مجازات
وحدي أنا كنت أفكر في كل ذلك
بينما كان كل من حولي وحتى الرفاق
لا تشغلهم أفكاري
ربما كانوا هم أيضا يعدونها مجرد مجازات
أو هلوسات رجل فات زمانه
رجل واقف على حائط رخو
كذئب مكسور القوائم
خارت عزيمته ونزعت أسنانه
***
كنت مرات أتساءل وأقول
لعلهم فعلا يعرفون
أني في الحقيقة ذلك الرجل المبتور
أعرج كذلك الذئب الواقف في العراء
مكسورا
ثم أعود لصحوتي وأقول
أبدا هم لا يعرفون
أني في العراء
بلا أمل
وأثور أخيرا
كما يثور كل الفاعلين
فلا أجد سوى أبواب الذكرى مفتوحة
فالسلطان أقفل كل الأبواب الأخرى
وحتى نائبه لا يمكن له أن يفتحها
فهو مجرد مجازات...
ـــــــــــــــــــــ
الحمامات
سبتمبر 2025