خطوات المغرب على الدرب الطويل المؤدي إلى التحول الاقتصادي (2/1)


أحمد رباص
الحوار المتمدن - العدد: 8152 - 2024 / 11 / 5 - 06:39
المحور: الادارة و الاقتصاد     

اتسم مسار المملكة في ربع القرن الأخير ببرنامج تحديث طموح، ومزيد من الاستدامة، والدخول في سلاسل القيمة العالمية، رغم التحديات السوسيوقتصادية.
منذ اعتلائه العرش عام 1999، اتبع العاهل المغربي الملك محمد السادس أجندة تحديث طموحة. وبينما يحتفل المغرب بمرور خمسة وعشرين عامًا على حكمه، فإن هذا هو الوقت المناسب لتقييم المسار الاقتصادي للبلاد. في عام 1999، احتل المغرب مرتبة متدنية في مؤشر التنمية البشرية. ومع ذلك، فقد حققت المملكة تقدما كبيرا خلالةمدة حكم محمد السادس الذي عقدين ونصف. تشير أرقام الأمم المتحدة إلى أنه بين عامي 1998 و2023، زاد متوسط ​​العمر المتوقع بمقدار تسع سنوات، ليصل إلى حوالي خمسة وسبعين عاما، وتضاعف دخل الفرد من، وارتفع عدد سنوات الدراسة المتوقعة تقريبا، من 8.1 إلى 14.6.،ووفقًا للمندوبية السامية للتخطيط التابعة للحكومة المغربية، انخفض معدل الفقر المطلق بشكل كبير، حيث انخفض من 15.3 بالمائة في عام 2001 إلى 1.7 بالمائة في عام 2019.
وكان التحسن في الظروف المعيشية مثيراً للإعجاب بشكل خاص بالنسبة للأسر القروية، التي كانت تمثل ما يقرب من نصف السكان في عام 1999 وما زالت تمثل الثلث اليوم. أصبح بإمكان كل قروي مغربي الآن الحصول على الكهرباء والماء الصالح للشرب، بعد أن كان أقل من النصف في عام 2000. ومع ذلك، فقد اماطت جائحة كوفيد-19 وموجات الجفاف المتوالية الحجاب عن التحديات الاجتماعية المستمرة، مع قفزة في معدلات الفقر، وارتفاع حاد في معدلات البطالة. علاوة على ذلك، كشف زلزال 2023 الذي ضرب منطقة الحوز بجبال الأطلس عن ثغرات في أجندة التنمية.
وبعد التحول من اقتصاد منخفض الدخل إلى اقتصاد متوسط ​​الدخل، يجب على المملكة الآن التركيز على التحول الهيكلي. إن خلق المزيد من فرص الشغل، وخاصة للنساء والشباب، أمر ضروري، وكذلك تضييق الفوارق الاجتماعية والمجالية. وسوف يتطلب هذا الاستثمار في رأس المال البشري والإبتكار. وتعزيز بيئة أعمال أكثر تنافسية، وتوفير حيز مالي إضافي، والإبحار في مشهد جيوسياسي متغير. هذه تحديات هائلة. إن إنجازات المغرب حتى الآن لا يمكن إنكارها، لكن الطريق أمامه سيكون مليئا بالعقبات.
مسيرة التحديث في المغرب على مدى ربع القرن الماضي، نفذت الحكومات المغربية المتعاقبة أجندة تحديث متجذرة في رؤية طويلة المدى. ومن خلال الاستفادة من البنية التحتية ذات المستوى العالمي مثل ميناء طنجة المتوسط، نجحت المملكة في إدخال نفسها في سلاسل القيمة العالمية واستفادت من هذا الإدخال على أفضل وجه من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وبناء صناعة تعتمد على التصدير. وفي الوقت نفسه، بدأ المغرب التحول نحو قدر أكبر من الاستدامة، ووضع أهداف طموحة للطاقة المتجددة والحفاظ على المياه.
جزء لا يتجزأ من سلاسل القيمة العالمية خلال أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان لابد للمغرب من تحقيق نمو اقتصادي قوي تغذيه الاستثمارات العامة في البنية التحتية، وتوسيع شبكة الطرق السريعة، التي كانت محدودة للغاية في السابق، إلى 1800 كيلومتر، ومن المتوقع أن تنمو إلى 3000 كيلومتر بحلول عام 2030. وكان تطوير ميناء طنجة المتوسط في عام 2007 بمثابة علامة فارقة، وادت توسعته اللاحقة في عام 2019 إلى تعزيز قدراته وتحويله إلى أكبر ميناء للحاويات في البحر الأبيض المتوسط. وبالإضافة إلى ذلك، كان المغرب رائدا في إدخال السكك الحديدية عالية السرعة في أفريقيا. ويستجيب النقل الجوي والطرق والموانئ في البلاد الآن إلى معايير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ابتداءً من عام 2006، واجهت المملكة سلسلة من الصدمات الخارجية، بما في ذلك انتهاء اتفاقية إنهاء اتفاقية الألياف المتعددة مع الاتحاد الأوروبي، والأزمة المالية العالمية عام 2008، وأزمة ديون اليورو في الفترة 2010-2011 (والتي أثرت على تجارته الرئيسية واقتصاده وشركائهةفي الاستثمار)، وارتفاع أسعار الطاقة. واستجابة لهذه التحديات، أطلقت الرباط استراتيجية صناعية قائمة على التصدير بلغت ذروتها بخطة التسريع الصناعي 2014-2020. وبالاعتماد على أفكار من مختبر النمو بجامعة هارفارد، استفادت الاستراتيجية الجديدة من البنية التحتية في المغرب، وخاصة طنجة المتوسط، لتسهيل اندماج البلاد في سلاسل القيمة العالمية كثيفة الاستخدام للتكنولوجيا، وخاصة في صناعات السيارات والطائرات. وفي السياق نفسه، أنشأت الحكومة مناطق طنجة المتوسط، وهي مجموعة من المراكز الصناعية واللوجستية بالقرب من الميناء الذي يحمل نفس الاسم، مما حول المنطقة إلى المنطقة الصناعية الحرة الرائدة في أفريقيا.
سمحت الاستثمارات الكبيرة في طنجة من قبل مجموعتي السيارات الفرنسيتين رونو ومجموعة لي إي إي للمغرب بأن يصبح أكبر منتج ومصدر للسيارات في القارة، متجاوزا جنوب إفريقيا. بالإضافة إلى ذلك، تستضيف البلاد الآن شركات تصنيع قطع غيار السيارات الفارهة، بما في ذلك شركة فاليو ومقرها فرنسا والشركات اليابانية يازاكي وسوميتومو. وقد أدت هذه الاستراتيجية المتمثلة في تحفيز صناع السيارات ومكوناتها ألى نقل بعض عملياتهم إلى المملكة في شكل استثمارات أجنبية مباشرة كبيرة. وبشكل عام، ارتفعت حصة قطاع التصنيع من الاستثمار الأجنبي المباشر من 15 إلى 37% بين عامي 2010 و2019، مدفوعة إلى حد كبير بالمكاسب التي تحققت في صناعة السيارات.
كل ذلك ساعد ذلك المغرب على الحفاظ على مساهمة التصنيع في الناتج المحلي الإجمالي عند حوالي 15%، مما يقاوم اتجاه التراجع المبكر عن التصنيع. ومع ذلك، بينما تتمتع حاليا صادرات البلاد من الصناعات التحويلية بحصة أعلى بكثير من منتجات التكنولوجيا المتوسطة مقارنة بالمنافسين الإقليميين وهما تونس ومصر، فإن حصة صادرات التكنولوجيا الفائقة تظل عند مستويات أقل بكثير من القوتين الصناعيتين الآسيويتين الصين وفيتنام. بالإضافة إلى ذلك، أدى التركيز على الاستثمار الأجنبي المباشر إلى خلق تنافس اقتصادي قوي، حيث تكافح الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم ذات التوجه المحلي للمشاركة في النظم الإيكولوجية الصناعية التي تهيمن عليها الشركات الأجنبية التي تلتزم بمعايير الجودة الصارمة.
ولتحقيق قدر أكبر من الاستدامة يعتمد المغرب تقليديا على واردات الطاقة، ومنذ عام 2009، بدأ المغرب في التحول نحو نموذج نمو أكثر استدامة بعد اعتماد الاستراتيجية الوطنية للطاقة. وترتكز هذه الأخيرة على ثلاث دعامات: زيادة قدرة الطاقة المتجددة، وتعزيز كفاءة استخدام الطاقة، وتعزيز التكامل الإقليمي. والجدير بالذكر أنه في عام 2014، قامت الحكومة المغربية، بقيادة حزب العدالة والتنمية الإسلامي، برفع جميع أشكال الدعم عن الوقود الأحفوري المرتبط بالنقل.
وفي عام 2015، وضع المغرب هدفا جديدا يتمثل في حصة 52 في المائة من مصادر الطاقة المتجددة في المزيج الطاقي الخاص به بحلول عام 2030، مقارنة بالهدف الأولي البالغ 42 في المائة. ومن الإنجازات البارزة لهذه السياسة بناء أكبر مجمع نور للطاقة الشمسية المركزة في العالم. تم تنفيذ الاستثمارات في المجمع من قبل الجهات العمومية المانحة وكذلك مستثمرين من القطاع الخاص، ولا سيما مجموعة أكوا باور السعودية، وبلغ إجماليها 3 مليارات دولار. اعتبارا من عام 2023، تمثل مصادر الطاقة المتجددة 37% من قدرة توليد الكهرباء المحققة في المغرب، ويتكون الجزء الأكبر منها من طاقة الرياح والطاقة الكهرومائية.
وتتضمن استراتيجية التحول الأخضر خارطة طريق لإزالة الكربون من الصناعة تركز على صناعات الأسمنت والصلب والأسمدة التي يصعب تخفيفها. وتشكل إزالة الكربون أهمية بالغة إذا أرادت البلاد الحفاظ على قدرتها التنافسية وجاهزيتها للوصول إلى السوق الأوروبية في أعقاب آلية تعديل حدود الكربون المقبلة في الاتحاد الأوروبي، والتي ستفرض تعريفة جمركية على المنتجات كثيفة الكربون. ويلعب المكتب الشريف للفوسفاط المملوك للدولة، والذي يستخرج الفوسفاط ويشتق منه مواد على رأسها الأسمدة، دورا محوريا في هذا التحول. وهناك أيضا اهتمام متزايد من جانب المستثمرين الدوليين باستخدام المغرب كمنصة لإنتاج الهيدروجين الأخضر ودمجه في العمليات الصناعية.
ورغم التقدم المحرز حتى الآن، لا تزال الطاقات المتجددة تمثل أقل من 20% من إجمالي إنتاج الكهرباء في البلاد وعُشر إجمالي استهلاك الطاقة الأولية، الذي لا يزال يهيمن عليه الوقود الأحفوري. ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، ينبغي للحكومة أن تتجاوز الكهرباء وتضع أهدافا لمصادر الطاقة المتجددة في قطاعي السكن والنقل. ومع ذلك، لا يزال نقص التمويل يشكل عائقا، خاصة بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة. ووفقا لبعض التقديرات، سيتطلب التحول الأخضر في المغرب حوالي 78 مليار دولار بحلول عام 2050
وبالإضافة إلى الطاقة، تعتبر إدارة المياه قضية ملحة. وقد عانت البلاد منذ فترة طويلة من ندرة حادة في المياه، والتي تفاقمت بسبب سلسلة من موجات الجفاف في السنوات الأخيرة. ولمعالجة النقص، أطلق المغرب الخطة الوطنية لإدارة المياه 2020-2050. تبلغ قيمة هذا البرنامج 40 مليار دولار، مع تخصيص 13 مليار دولار للفترة 2020-2027، منها ما يصل إلى 60% ستقدمه الدولة و40% من قبل المستثمرين من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص. وتهدف الخطة إلى بناء تسع محطات جديدة لتحلية المياه بحلول عام 2030، ليصل المجموع إلى عشرين محطة بقدرة إجمالية تبلغ 1.4 مليار متر مكعب. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تعزيز القدرة على تخزين المياه العذبة من خلال تسريع بناء السدود والأحواض وزيادة حصة مياه الصرف الصحي المعاد استخدامها بعد المعالجة.
(يتبع)
المرجع: https://carnegieendowment.org/research/2024/09/moroccos-long-road-toward-economic-transformation?lang=en