الحكم الذاتي والديمقراطية من منظور الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد


أحمد رباص
الحوار المتمدن - العدد: 8556 - 2025 / 12 / 14 - 20:00
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة     

رغم المرض، حرص جمال العسري، الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد، على التواجد، صباح يوم الأحد 14 دجنبر، ببوزنيقة من أجل تأطير جلسة نقاش حول تيمة “الحكم الذاتي والديمقراطية”، وهي جلسة تندرج في إطار استكمال برنامج الجامعة الشتوية التي اقامتها شبيبة الحزب بالمركز الوطني للتخييم ببوزنيقة.
في البداية، نوه الأمين العام بأهمية هذا الموضوع بحكم أن موضوع الحكم الذاتي سوف يصبح طاغيا مباشرة بعد الانتخابات المقبلة. واعتبر جمال أن هذه الخرجة لفائدة حشدت التي بادر إليها الحزب هي الأولى من نوعها بعد تقديم المذكرة في هذا الشأن وهذا يدل على المكانة التي تحتلها شبيبة
وانتقل المتحدث إلى طرح هذا السؤال: هل يمكن لحزب يساري ان يتبنى موقفا مضادا لحرية تقرير المصير؟ واعترف بأن هذا السؤال يطرح على الحزب من طرف الرفاق في أحزاب اليسار. ولمزيد من التوضيح تساءل الرفيق: هل نحن نخالف اليسار عندما نتشبث بالوحدة الوطنية؟
وعن الصراع المثار حول الصحراء المغربية، قال الأمين العام لحزب “الشمعة” إنه طال لأكثر من نصف قرن من الزمان. واليوم، بعد انصرام هذه الفترة، نستطيع أن نقيم كلا الموقفين: تقرير المصير وقيام الجمهورية والتشبث بمغربية الصحراء.
من أجل إزاحة الحجاب عن موقف الحزب منذ اشكاله الجنينية من قضية الصحراء، أشار الأمين العام إلى ان فشل تجربة الاندماج بين منظمتي إلى الأمام و23 مارس راجع إلى الموقف الإيجابي للراحل محمد بن سعيد من قضية الصحراء. وكانت منظمة 23 مارس واعية بأن هذا الموقف قد يجلب عليها عداء التنظيمات اليسارية، ومع ذلك أخذت في الاعتبار أن الموقف من الصحراء يقتضي اتخاذ هذا القرار في وقت كان فيه مناضلو اليسار يعيشون تحت إكراهات عديدة: حكم بالإعدام، نفي، إلخ…
وأشار جمال العسري إلى أن ذلك الموقف تم تبنيه بعد طرح سؤالين: الحدود الموروثة عن الاستعمار، هل هي حدود ديمقراطية وطبيعية؟ والجواب هو أنها لم لا ديمقراطية ولا طبيعية، خاصة إذا علمنا أن الاستعمار الذي ابتليت به بلادنا كان متعددا وأن الاستقلال لم يكتمل بعد؛ لأن مدينتي سبتة و مليلية ما زالتا تئنان تحت ضغط الاستعمار الإسباني.
وتابع جمال مداخلته بالتذكير بأن الحزب الذي يترأسه الآن اعتبر أن قضية الصحراء ليست قضية وطنية فقط، بل ديمقراطية خصوصا وأن جميع الأحزاب اليسارية تبدو أكثر تشبثا بالديمقراطية بحكم مساندتها ودعمها للشعوب المكافحة ضد الاستعمار.
ومن ذلك خلص المتحدث إلى أن هذا الموقف ازعج إخوانه اليساريين في المغرب وفلسطين، سيما وقد تبين أن تقرير المصير ليس مبدأ مطلقا بحيث قد يسمح بسقوط دولة دولة صغيرة تحت هيمنة دولة كبيرة هي الجزائر. وفي هذا الصدد، أثار جمال مفارقة تستند إلى معطيات تاريخية: لماذا لم تظهر الدولة الصحراوية قبل تحرير الصحراء؟ والجواب هو أن الصحراويين ربطوا مصيرهم منذ البداية بالدولة المغربية وحصل الاندماج عبر آليتي التأثير والتأثر. ومن هنا، اهتدى المتحدث إلى طرح هذه الأسئلة: لماذا تتبنى الجزائر هذه السياسة العدوانية تجاه المغرب؟ وهل يمكن اعتبار جبهة البوليساريو حركة تقدمية تدعو إلى التحرر؟ ولماذا تساند الجارة الشرقية قيام دولة صحراوية؟
لإدراك موقف الجزائر العدائي، رأى جمال العسري أنه من الضروري العودة إلى المرحلة البومدينية عندما عبرت عن مظلوميتها بعد اندلاع حرب الرمال في بداية الستينيات حيث تم اعتبارها خيانة من المغرب بدعوى أن الجزائر كانت حينذاك حديثة العهد بالاستقلال، ولكن يجب ألا تنسى أن هذه الأخيرة وجنوب إفريقيا كانتا تعتبران داعمتين لتحرر الشعوب من الاستعمار.
وفسر الأمين العام لحزب “الشمعة” موقف الجزائر بطموحها إلى أن تكون هي القوة الأساسية الكبرى للنصف الأعلى للقارة السمراء وأن تكون هي المهيمنة على باقي دول شمال افريقيا، وكان من الطبيعي،بالتالي، أن تكون هذه النزعة الهيمنية دافعا قويا لتكون الجزائر ضد استرجاع المغرب لأقاليمه الصحراوية. ولهذا كانت تعتبر أن المغرب إذا استرجع صحراءه فسوف يشكل خطرا كبيرا عليها.
جوابا على السؤال الثاني: هل البوليساريو حركة تقدمية؟ أشار المتحدث إلى أنه وصم بالانفصالي عندما كان متواجدا بمدينة الداخلة كمدرس، مع أنه كان حينئذ ينظر إلى جبهة البوليساريو باعتبارها تمثل البرجوازية الصغيرة المستفيدة من الريع الجزائري؛ علما بأن المستفيدين من قضية الصحراء موزعون بين الجزائر والمغرب والبوليساريو ولذلك لا يحبذون إيجاد حل للمشكل. وليس غريبا أن يستقبل القذافي قيادات من الجبهة.
بعد ذلك، انتقل جمال العسري إلى الحديث عن المرحلة المظلمة والدموية التي شهدت حربها قاسية بين الجبهة والمغرب، والتي استمرت من سنة 1975، تنظيم المسيرة الخضراء، إلى سنة 1991 حيث التوقيع على اتفاقية وقف إطلاق النار.
بمجرد إبرام الاتفاقية الأخيرة، دخل الملف إلى دواليب الأمم المتحدة، ثم جاء تنظيم الاستفتاء كاقتراح من الملك الراحل الحسن الثاني وقوبل بالرفض من قبل المغاربة في مقام أول، ووجدت القضية نفسها متأرجحة بين خطاب الخارج المتماهي مع الاستفتاء وتقرير المصير وخطاب الداخل القائل بالاستفتاء التأكيدي مع استحالة تصور استفتاء مقترنا بهذه الصفة.
وهكذا، يتابع جمال العسري، واجهت فكرة الاستفتاء عدة عراقيل من أهمها تحديد هوية المشاركين في الاستفتاء، خاصة وأن مغاربة لا يستهان بعددهم تم جلبهم من سيدي قاسم وقلعة السراغنة ومراكش وتم إسكانهم لغاية إسكانهم في الصحراء.
ثم جاءت سنة 1992 التي شهدت أول محاولة لتحديد هوية سكان الصحراء المؤهلين للمشاركة في الاستفتاء، لكن المحاولة ما لبثت أن فشلت رغم تشكيل لجنة تتكون من شيخين من الصحراويين المغاربة وشيخين من الصحراويين الانفصاليين إلى جانب ممثلين من الأمم المتحدة.
ومع مجيء جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، سنة 2001 بدأ الملف يتحرك، وكانت تلك أول مرة تم فيها الحديث عن حكم ذاتي أعرب المغرب عن قبوله في حين أجهرت الجبهة برفضه جملة وتفصيلا؛ الشيء الذي جعل بيكر يتراجع معلنا أنه مع الاستفتاء رغم العراقيل التي منعت تفعيله كما رأينا.
وفي سنة 2004 قدم بيكر استقالته لتبدأ مفاوضات مانهاست التي جوبهت بالباب المسدود لأن الجبهة اعتبرت ممثلي الصحراويين المغاربة خونة، ما جعل المفاوضات تبدو عند انطلاقها عسيرة وسرعان ما تم إيقافها.
توقف جمال العسري عند 2007 التي تم خلالها طرح مقترح الحكم الذاتي وتقدم الحزب بمذكرة في هذا الشأن. وكان ذلك سببا في شن حرب على منظمة العمل الديمقراطي باعتبارها أقوى حزب سجل حضوره في الصحراء، فتم طرد مناضليه، والمتحدث واحد منهم، من الداخلة والسمارة والعشرون وطانطان وهكذا غاب الجهاز المكلف بامتصاص الصدمات فاحتد الصراع.
وفي سنة 2020، طرح مشكل معبر الگرگرات الذي بدأ بقتل سائقي الشاحنات مما اضطر المغرب معه إلى التدخل العسكري الذي توج بالسيطرة كليا على تلك المنطقة. ومع وصول ترامب إلى السلطة بدأت الكفة تميل لصالح المغرب حيث بدأت الاعترافات تتوالى، إلا أن الحزب رفض اقتران الاعتراف بمغربية الصحراء بالتطبيع.
وفي ما يتعلق بالحكم الذاتي، نبه الأمين العام إلى ان هناك نماذج كثيرة منه، ويعني بكل بساطة منح منطقة أو جهة اختصاصات واسعة على مستوى السياسة والتشريع والتعليم. وكل دولة تتبنى الحكم الذاتي تكون أقرب إلى الحكم الفيدرالي، علما بأن الحكم الذاتي لا يعني الجهوية المتقدمة أو الموسعة أو اللامركزية.
وأشار المتحدث إلى أن القاسم المشترك بين تجارب الحكم الذاتي يتمثل في ثلاث سلط: التشريعية والتنفيذية والقضائية. ولا يمكن تصور حكم ذاتي دون ممارسة الديمقراطية، إذ يتنافى مع الحكم المستبد، كما هو الحال عندنا.
وبعد أن تساءل عما إذا كانت هناك ديمقراطية حقيقية، عبر جمال العسري عن قناعته بغيابها في بلادنا؛ بمعنى أننا ما زلنا في ضفة الاستبداد ولم ننتقل بعد إلى ضفة الديمقراطية، مع أن الحكم الذاتي يتطلب توفير المناخ الديمقراطي. وهكذا تساءل المتحدث: كيف نريد من إخواننا الصحراويين الانضمام إلينا وهم يرون سيادة المقاربة القمعية؟
ومن التدبير اللازمة لتطبيق الحكم الذاتي ارتباط توفير الديمقراطية بتعديل الدستور. فإذا كان تعديل الدستور سنة 1996 قد تم تحت ضغط الكتلة الديمقراطية و تعديله سنة 2011 جرى تحت ضغط حركة 20 فبراير، فلا بد من تعديله إذا ما أريد تطبيق الحكم الذاتي في أقاليمنا المسترجعة. وهكذا يتضح أن نجاح الأخير مرتبط بإرادة سياسية وإبرام تعاقد جديد وفتح حوار مع المغاربة قاطبة. ولا بد كذلك من إقناع الطرف الآخر بالحوار وليس بالضغط.
وفي مرحلة ثانية هي الأخطر من باقي المراحل، يجب إطلاق محاورات حول طبيعة الحكم الذاتي وحول هوية المؤهلين للتصويت في الانتخابات التشريعية. وهل من الضروري تأسيس برلمان بمجلسين: مجلس منتخب من السكان وآخر خاص بالشيوخ يكون منتخبا من قبل القبائل؟ وهنا تبرز عدة مشاكل بفعل أننا سنكون أمام قبائل مغربية وقبائل انفصالية تابعة للجزائر،.ولهذا قد يستدعي الحكم الذاتي 50 سنة أخرى من المفاوضات. ثم هناك مسألة السلاح الذي قد ترفض الجهة التي صنعته وباعته للجبهة تسليمه للمغرب مخافة من انكشاف آليات وتقنيات تصنيعه لدى الخصوم.
وتبقى المرحلة الثالثة متعلقة بالتنزيل والتفعيل اللذين يستدعيان إرادة سياسية حقيقية تنطلق من مصالحة الدولة مع أبنائها بإعطائهم حقوقهم. وتساءل المتحدث، بهذا الصدد، إن كان من الممكن أن يقبل الطرف الآخر السلطات الدينية وفوق الدستورية التي يتمتع بها الملك ويعتبرها دستورية. وهل يقبل الملك التنازل عن هذه السلطات؟ وهكذا خلص الأمين العام للحزب أن إرادة إنجاح الحكم الذاتي موجودة في الرباط، متسائلا: هل القصر مستعد للتنازل عن اختصاصاته قصد إنجاح الحكم الذاتي؟ وفي هذا السياق، ذكر المتحدث بأن مذكرة الحزب تسير في هذا الاتجاه ليس لإنجاح الحكم الذاتي وانما لأجل إنجاح الديمقراطية. وهنا استحضر مطلب الملكية البرلمانية الذي لا يتناسب مع مقولة “الملك يسود ويحكم”؛ لأن السيد لا يمكن إلا أن يكون سيدا، ويبقى بالتالي استبدالها بمقولة أخرى تقول: “الملك يملك ولا يحكم” وفق اجتهاد شخصي من الأمين للحزب الاشتراكي الموحد.