اللطف والتعاطف في علم النفس التحليلي لكارل غوستاف يونغ


أحمد رباص
الحوار المتمدن - العدد: 8534 - 2025 / 11 / 22 - 02:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

اللطف واللطفاء عند يونغ
في علم النفس التحليلي لكارل غوستاف يونغ، لا يُحلل اللطف بطريقة تقنية كما هو الحال في التحليل النفسي الفرويدي، بل يتخذ معنى رمزيا ونمطيا وعلائقيا، مرتبطا بالبنيات الرئيسية للنفس (الجهاز النفسي)، وخاصةً الشخصية، والظل، وعملية التفرد.
اللطف كسمة من سمات الشخصية:
الشخصية هي “القناع الاجتماعي” الذي يرتديه كل شخص للتكيف مع المجتمع – دور، واجهة، صورة ذاتية تتوافق مع توقعات العالم الخارجي.
يمكن أن يكون اللطف جزءً من الشخصية: يكون الفرد مهذبا، لطيفا، متعاون للحفاظ على صورة إيجابية.
هذا ليس سيئا في حد ذاته: فالشخصية ضرورية للعيش في المجتمع. ولكن إذا أصبح اللطف جامدا أو مبالغا فيه، فقد يخفي جوانب أكثر أصالة أو قتامة من الشخصية (مثل الغضب، العدوانية، الرغبة، والرفض، إلخ..).
يقول يونغ إن اللطف المفرط قد يشير إلى اختلال التوازن بين الشخصية والظل.
الظل واللطف الزائف:
الظل هو مجموعة جوانب الذات التي يكبتها الإنسان أو ينكرها لأنه يعتبرها غير مقبولة (سواءً من نفسه أو من المجتمع). فقد يكبت الشخص اللطيف جدًا عدوانيته وأنانيته وغيرته، إلخ…
ويمكن أن يصبح اللطف آلية دفاعية: فهو يخفي الظل بدلًا من مواجهته. وقد يؤدي هذا الكبت إلى سلوكيات عدوانية سلبية، أو إلى نوبات مفاجئة من الانفعال. يؤكد يونغ على ضرورة دمج الظل: إدراك الجوانب غير اللطيفة في الإنسان ليصبح أكثر تكاملًا وأصالة.
اللطف وعملية التفرد:
التفرد هو العملية التي يصبح من خلالها الإنسان على طبيعته، من خلال دمج مختلف أجزاء جهازه النفسي: الواعية، اللاواعية، الظل، أنيما/أنيموس*، الذات.
اللطف الأصيل، غير المقيد وغير المُتلاعب به، قد يكون ثمرة شخصية متكاملة. وهو إذن ليس خاضعا ولا مُخططا له، بل ينبع من توازن داخلي.
إنه يعكس علاقة سلمية مع الذات والآخرين، وتواصلًا مع الذات (جوهر النفس).
التعاطف والمتعاطفون
كان لدى كارل غوستاف يونغ رؤية فريدة ومعقدة حول “الأشخاص المتعاطفين”، يمكن ربطها بعدة مفاهيم رئيسية في نظريته. في ما يلي بعض النقاط المهمة التي يجب مراعاتها:
الأنماط البدائية:
طرح يونغ مفهوم الأنماط البدائية، وهي صور أو أنماط كونية موجودة في اللاوعي الجمعي. يمكن اعتبار الأشخاص المتعاطفين نموذجًا بدائيًا، يرمز إلى سمات مثل التعاطف والرحمة والاهتمام بالآخرين.
اللاوعي الجمعي:
اقترح يونغ أن اللاوعي الجمعي يحتوي على تجارب ومعارف مشتركة بين البشر. يمكن للأشخاص المتعاطفين أن يكونوا تجليات لهذا اللاوعي الجمعي، حيث تتكشف قيم الرحمة والتعاطف المتجذرة بعمق في نفوسنا.
البطلات والأبطال:
يمكن للشخصيات المتعاطفة أيضًا أن تمثل نماذج سلوكية، وغالبًا ما تُصوَّر على أنها أبطال أو بطلات. إنهم يجسدون قيما مثل التضحية والإيثار والقدرة على مساعدة الآخرين رغم الصعوبات. التفرد: يلعب التعاطف دورًا حاسمًا في عملية التفرد، وهي عملية دمج الجوانب الواعية واللاواعية للشخصية لتحقيق حالة من التوازن النفسي. غالبا ما ترتبط القدرة على الشعور بالتعاطف تجاه الآخرين بفهم أعمق للذات.
التعالي:
يرى يونغ أيضا أن تنمية التعاطف مرتبطة بتعالي الذات. فمن خلال التواصل مع الآخرين على المستوى العاطفي، يمكن للأفراد تجاوز مخاوفهم الشخصية والانخراط في أفعال تعود بالنفع على المجتمع.
بشكل عام، يرمز الأفراد المتعاطفون في فلسفة يونغ إلى مثالٍ للتطور الشخصي والاجتماعي، يشمل مفاهيم التعاطف والإيثار والمساهمة في الرفاه الجماعي. ويشجع منظوره على استكشاف أعماق النفس البشرية والعلاقات الشخصية في البحث عن المعنى والنمو.
——————————–
(*) يُعرِّفُ الطبيب النفسي كارل يونغ الأنيما بأنَّه تجسيد للعنصر الأنثوي في اللاوعي الذكوري، وبأنَّ الأنيموس هو تجسيد للعنصر الذكوري في اللاوعي الأنثوي.