الأستاذ بوسلهام عيسات يقدم إضاءات حول القانون رقم 25.53 الخاص بمجلس النواب
أحمد رباص
الحوار المتمدن
-
العدد: 8508 - 2025 / 10 / 27 - 17:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المغرب على وشك اعتماد إصلاح انتخابي طموح إلى إعطاء نفس جديد لحياة سياسية يعتورها انعدام الثقة والفضائح. التخليق، التتبع الرقمي، تنظيم الحملات عبر الإنترنت. بهذه العناصر الإطار القانوني يتعزز. غير أنه بالنسبة إلى العديد من المراقبين، النص أقل أهمية من سلوك الجهات الفاعلة لأنه هو الذي سيحدد نطاقه الحقيقي.
القانون التنظيمي 25.53، الذي تم اعتماده خلال المجلس الوزاري المنعقد بتاريخ 19 أكتوبر الجاري، يعدل بشكل عميق القواعد التي تؤطر انتخاب أعضاء مجلس النواب. جاء هذا النص في في وقت تتآكل فيه شرعية الهيئة البرلمانية بسبب سلسلة من الفضائح. منذ عام 2021، فقد أكثر من عشرين نائبا برلماني ولايتهم بسبب أفعال فساد من قبيل تزوير الانتخابات أو الإدانات القانونية.
في هذا السياق، يهدف الإصلاح إلى نشر رسالة لا لبس فيها، حيث تستبعد المادة 6 من المشروع صراحة أي شخص يحكم عليه بالسجن لارتكابه جريمة أو جنحة، ولو مع وقف التنفيذ، إذا كانت الإدانة نهائية. والأكثر من ذلك، فإن الأشخاص الذين تتم محاكمتهم متلبسين بارتكاب جرائم خطيرة تؤثر على العملية الانتخابية يصبحون أيضا غير مؤهلين. ويؤكد النص هنا الرغبة التي لا هوادة فيها في التطهير.
في تصريح صحفي، يرى الأستاذ بوسلهام عيسات، الأستاذ والباحث الجامعي المتخصص في القانون الدستوري والعلوم السياسية، أن هذا الهيكل القانوني يشكل “استجابة واضحة لانحرافات الماضي” وأنه يمثل قطيعة مع منطق التسامح المؤسسي الذي أضعف التمثيل البرلماني. بالنسبة إليه، تعتبر هذه الآليات صدى مباشرا للرسالة الملكية لعام 2023 التي دعت إلى “الارتقاء بنوعية النخب” ووضع قواعد أخلاقية ملزمة في الحياة البرلمانية.
الشفافية الرقمية: إمكانية التتبع الإلزامي، عدالة غير مؤكدة
من بين الابتكارات الرئيسية التي جاء بها القانون 25.53 القاضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب
هناك الرقمنة الكاملة لعملية الترشح. وهكذا تنص المادة 23 على الالتزام بتقديم كل طلب عبر منصة إلكترونية مخصصة، مصحوبة بنموذج رقمي ووصل تسجيل ذي قيمة قانونية. أي طلب غير مسجل رقميا سيعتبر من الآن فصاعدا باطلاً. ولكن إذا كان هذا الإجراء يعزز إمكانية التتبع ويحد منها عمليات الاحتيال الوثائقي، فإنه يثير قضايا إمكانية الولوج. ويرى الأستاذ عيسات أن هذه خطوة ضرورية إلى الأمام، ولكنها مصحوبة بأمر ملزم: “يتطلب هذا التحديث زيادة في الكفاءات الإدارية، خاصة في المناطق ذات الاتصال المنخفض. وبدون الدعم المناسب، فإن الخطر يكمن في خلق شكل جديد من عدم المساواة في الولوج إلى التمثيل”.
التمويل العمومي: الرهان على الشباب، مكافأة للنساء
رافعة أخرى في النص: دعم معزز للشاب والنساء. تنص المادة 93 على أنه يمكن للدولة تغطية ما يصل إلى 75% من نفقات حملة المرشحين الذين تقل أعمارهم عن 35 عاما، سواء كانوا مستقلين أو منتمين إلى حزب من الأحزاب. وبالمثل، تصبح اللوائح الجهوية للنساء إلزامية بشكل حصري، من أجل رفع نسبة حضور النساء بشكل آلي في البرلمان لتتعدى 30%. يندرج هذا الإجراء ضمن منطق إدماج جيل الشباب وتحقيق التكافؤ الفعاى. ويرى الأستاذ عيسات في ذلك رغبة واضحة في فتح المؤسسات أمام دينامية سياسية جديدة: فمن خلال استهداف الشباب والنساء، يتجاوز النص المنطق التصالحي البسيط. وينطوي ذلك على إشراك الفئات المهمشة تاريخياً في تصميم السياسات العامة.
التنظيم الرقمي: تأطير الذكاء الاصطناعي دون رقابة
في وقت التزييف العميق وحملات التضليل سريعة الانتشار، يقدم الإصلاح نظاما غير مسبوق للمعالجة الرقمية خلال الفترات الانتخابية. وتنص المادة 58 الجديدة على عقوبات بالسجن لمدة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات لأي شخص يبث عبر الوسائل الرقمية أو الذكاء الاصطناعي محتوى كاذبا أو مستعملا لأغراض انتخابية. ويوسع النص أيضا نطاق العقوبات ليشمل المنصات الأجنبية والحملات غير المعلنة وأي محاولة للقيام بدعاية خوارزمية خفية. ومن الواضح أن الأدوات الرقمية أصبحت تخضع للمراقبة باعتبارها أسلحة انتخابية محتملة.
في نظر الاستاذ عيسات، “هذا الجانب ضروري لحماية صدقية التصويت في مواجهة التقنيات المخادعة”. ولكنه يحذر أيضاً من خطر الغموض: “سوف تكون هناك حاجة إلى اجتهاد قضائي واضح للتمييز بين التنظيم المشروع والتقييد التعسفي للنقد السياسي. ستكون يقظة القضاة حاسمة”.
المؤسسات المعبأة: اختبار الحياد
يمنح النص صلاحيات معززة للسلطات الإدارية والقضائية والدستورية. سيكون العمال والمحاكم الجهوية والمجلس الأعلى للحسابات مسؤولين عن التحقق من صحة الترشيحات والانتخابات ومراقبتها، وعند الاقتضاء، معاقبتها أو إلغائها في حالة حدوث مخالفات. وتتيح المادة 88 للمحكمة الدستورية إمكانية الحكم بإعفاء النائب البرلماني أو إلغاء التصويت بناء على طلب السلطة المختصة. ولكن السؤال لا يزال قائما: هل ستتمتع هذه المؤسسات بالوسائل والحياد اللازمين لتطبيق هذه المقتضيات دون تحيز؟ وهذا بالنسبة إلى الأستاذ عيسات هو جوهر المشكلة. “النصوص صلبة. لكن التاريخ السياسي المغربي يظهر أن صرامة القوانين ليست كافية إذا ظل تطبيقها انتقائيا أو أداتيا”.
نقطة تحول قانونية. لكن أين التغيير الثقافي؟
يضع مشروع القانون 25.53 الأساس لمشروع جديد لميثاق انتخابي شفاف وأخلاقي وشامل بنسبة كبيرة. وهو يستجيب للانتقادات المتكررة لنوعية التمثيل، والنفاذية بين السياسة والمال، وعدم فعالين العقوبات. لكن الرهان لن يتحقق بمجرد تدوين القانون، بل لا بد من التوجه نحو الثقافة السياسية وعلاقات القوة المؤسسية.
وفي الأخير يلخص الأستاذ عيسات: “المجازفة لا تكمن في القانون، بل في سلوك الفاعلين. وإذا لم تتخل الأحزاب عن منطقها العشائري، وإذا لم تظهر المؤسسات الحياد، فسيظل هذا الإصلاح بمثابة واجهة ديمقراطية جميلة.. بمربعات زجاجية ملونة”.